قد يحدث للإنسان أن يجد نفسه فارغاً من العمل لمدة طويلة، كأن يبحث له عن عمل ولا يحصل على ذلك إلا بعد مدة ليست بالقصيرة، أو يقصى من عمله، أو يُعفى، فتمرّ عليه فترة من الزمن وهو فارغ بلا عمل. وهنا يكون الانسان على محك امتحان الفراغ، فهل يستسلم له، أم يتحكم فيه بطريقة تحقق له اغتنامه واستثماره؟ وهل يكون في هذه الحالة قريباً من الله أو بعيداً عنه؟.
النجاح باستثمار أوقات الفراغ
إنّ من أول الأمور الأساسية في حالات الفراغ التي قد يصاب بها الإنسان – وبأيّ سبب كان – أن يكون محافظاً على علاقة وارتباط حسنين مع خالقه، ثم بعد ذلك تأتي قضيته التحكم الجدي في وقت الفراغ واستثماره.
والناس من جهة حدوث الفراغ على قسمين:
1 ـ ذوو فراغ طويل.
2 ـ ذوو فراغ قصير.
وبين هذين القسمين درجات ومراتب تعتمد على استغلال الإنسان لوقت فراغه واستثماره له. فهناك من تجده يقول: لقد تعبت من الفراغ، وليس من عمل أقوم به، وهناك من يقول: ليس من وقت لأحكّ شعر رأسي من كثرة الأعمال وزحمتها.
وعموماً فإنّ الإنسان معرّض للفراغ، سواء كان ممن يحرقون الساعات والأيام بلا عمل وجدوى أم كان من الذين يستغلون أوقاتهم وفراغهم. فلكي تستثمر وقتك جيداً، أعلم أن الفراغ أمر قد تصاب به، وهو جزء من وقتك، فأعمل على أن تتحكم فيه وتستثمره بخير.
(فإذا فرغت فانصب).
أشير فيما تقدّم إلى أن القرآن الكريم يوجه الإنسان إلى استثمار عمره في مرضاة الله، في العمل الصالح والحق والخير والفضيلة، في ما يصلح أمر دنياه وآخرته. وحيث أن وقت الفراغ ـ الذي قد يصاب به الإنسان ـ جزء من وقته الكلي، فقد وجهه القرآن الحكيم أيضاً إلى اغتنامه واستثماره.
قال تعالى في سورة الإنشراح: (ألم نشرح لك صدرك. ووضعنا عنك وزرك. الذي أنقض ظهرك. ورفعنا لك ذكرك. فإن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً. فإذا فرغت فانصب. وإلى ربك فارغب)
تتناول السورة الكريمة شرح الله وبسطه لصدر الرسول الأعظم بعد المصاعب والمتاعب الثقيلة التي واجهها بسبب الدعوة إلى الإسلام، وتبين أنّ الصعوبات والأتعاب يعقبها إنفراج ويسر. ثم تنتقل إلى موضوع اغتنام الفراغ وتوجيهه في مرضاة الله.
يقول العلامة السيد حسين الطباطبائي في تفسيره للآيتين الكريمتين (فإذا فرغت فانصب. وإلى ربك فارغب): (خطاب للنبي (ص) متفرع على ما بُيّن قبل من تحميله الرسالة والدعوة، ومنّهُ ـ تعالى ـ عليه. بما منّ من شرح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، وكل ذلك من اليسر بعد العسر).
(وعلي فالمعنى إذا كان العسر يأتي بعده اليسر، والأمر فيه إلى الله لا غير، فإذا فرغت مما فرض عليك، فاتعب نفسك في الله ـ بعبادته ودعائه ـ وأرغب فيه ليمنّ عليك، بما لهذا التعب من الراحة، ولهذا العسر من اليسر.).
(وقيل: المراد إذا فرغت من الفرائض فانصب في النوافل. وقيل: المراد إذا فرغت من دنياك فانصب في آخرتك، وقيل غير ذلك، وهي وجوه ضعيفة).
ويهمنا مما تقدم ما يلي:
1 ـ إنّ تعب المشقة، أو التعب الذي يبذله الإنسان في استغلاله لأوقاته في العمل الصالح، يعود عليه باليسر والراحة والفائدة.
2 ـ أن ينشغل الإنسان بالواجبات والفرائض أولاً، وبعدها بالمندوبات والنوافل، وليس العكس (مراعات سلّم الأولويات).
3 ـ أن يكون الإنسان في وقت فراغه ـ كما في سائر أوقات العمل ـ مقبلاً على الله، راغباً إليه ليزيده توفيقاً ونجاحاً.
4 ـ أنّ من الحالات التي قد يصاب بها المرء بعد إنجازه للأعمال ـ وخصوصاً تلك التي يبذل فيها جهداً كبيراً ـ الفتور والتراخي وترك مواصلة بذل الجهد، والعُجب، وبالتالي الوقوع في الفراغ، والانخداع بالوقت. وهذه من الحالات التي ينبغي للمرء الانتباه إليها، لتلافي الوقوع فيها.
رضا علوي سيد أحمد