“بئر كولا” .. أكثر المشاريع العلمية إثارة للدهشة في التاريخ الحديث
أعمق حفرة في العالم: حفرة كولا العميقة
يعد بئر كولا العميق (Kola Superdeep Borehole) أحد أكثر المشاريع العلمية إثارة للدهشة في التاريخ الحديث. يقع هذا المشروع في منطقة بيتشنغسكي شمال غرب روسيا، بالقرب من حدود فنلندا والنرويج. بدأ العمل في هذا المشروع الطموح خلال الحقبة السوفيتية، وكان يهدف إلى استكشاف أعماق الأرض وفهم تركيبتها بشكل غير مسبوق.
Table of Contents
الهدف من حفر أعمق حفرة في العالم
في عام 1970، أطلق الاتحاد السوفييتي مشروع بئر كولا كجزء من السباق العلمي مع الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. وكان الهدف الرئيسي هو دراسة قشرة الأرض وطبقاتها العميقة، وكذلك محاولة الإجابة عن تساؤلات علمية أساسية، منها:
- استكشاف التركيب الجيولوجي للأرض: فهم الصخور والمواد المكونة لطبقات القشرة.
- تحليل الحرارة والضغط في الأعماق: لتطوير نظريات حول تكوين الكوكب.
- البحث عن موارد طبيعية جديدة: مثل المعادن والمواد الثمينة.
نتائج وأرقام مذهلة
- بلغ عمق الحفرة حوالي 12,262 مترًا بحلول عام 1989، مما يجعلها أعمق نقطة حُفرت يدويًا في العالم.
- أثناء الحفر، اكتشف العلماء معلومات مثيرة عن القشرة الأرضية، منها:
- وجود الماء على أعماق غير متوقعة، مما غير فهمنا لدورة المياه الجوفية.
- وجود كائنات مجهرية متحجرة يعود تاريخها إلى أكثر من ملياري سنة.
- طبقات صخرية غير متوقعة تحدت النظريات الجيولوجية السابقة.
تحديات الحفر
واجه المشروع تحديات هائلة، منها:
- ارتفاع درجات الحرارة: بلغت الحرارة على عمق 12 كيلومترًا حوالي 180 درجة مئوية، وهو ما تجاوز التوقعات وجعل مواصلة الحفر صعبة.
- تكاليف باهظة: ومع الوقت، قلت الأولويات التمويلية للمشروع، خصوصًا مع انهيار الاتحاد السوفييتي.
أسباب توقف مشروع بئر كولا
توقف الحفر في عام 1994، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب:
- انتهاء الأهداف العلمية المبدئية: حصل العلماء على معلومات كافية.
- ارتفاع التكاليف وانهيار الاتحاد السوفييتي: أدى ذلك إلى نقص التمويل.
- صعوبة الحفر في درجات الحرارة العالية: جعل استمرار الحفر غير عملي.
الإرث العلمي للمشروع
رغم أن المشروع توقف، إلا أنه ترك إرثًا علميًا كبيرًا:
- ساعد في تطوير تقنيات حفر متقدمة لا تزال تستخدم في مشاريع علمية وصناعية.
- أثرى المعرفة الجيولوجية بشكل كبير.
- ألهم مشاريع علمية أخرى لاستكشاف أعماق الأرض.
حقائق مثيرة للاهتمام
- رغم عمق الحفرة الكبير، فإنها لا تزيد عن 0.2% من نصف قطر الأرض.
- يعتبر الموقع الآن معلمًا علميًا، لكنه شبه مهجور، حيث يمكن رؤية رأس الحفر وبعض المعدات الباقية.
الخاتمة
قد تبدو شبه جزيرة كولا في الدائرة القطبية التي تتداخل فيها البحيرات مع الغابات والضباب والجليد، كأنها مدينة خيالية.
لكن في هذا الركن البديع من روسيا تقع محطة الأبحاث العلمية السوفيتية المهجورة، حيث يتوسط المبنى المتداعي غطاء معدني صدئ مغمور وسط الأراضي الخرسانية، ويشاع أن هذا الغطاء هو “مدخل جهنم”.
إذ يخفي هذا الغطاء المعدني أعمق حفرة من صنع البشر على وجه الأرض، والتي يطلق عليها “بئر كولا العميق”. إن هذه الحفرة عميقة لدرجة تجعل بعض سكان المنطقة يجزمون بأنهم يسمعون صرخات تعذيب الأرواح في الجحيم.
واستغرق حفر هذا البئر 20 عاما، ويصل عمقه إلى 12.2 كيلومترا في باطن الأرض. ورغم ذلك، فإن هذا العمق لا يمثل سوى ثلث سمك القشرة الأرضية فوق ما يعرف بالوشاح الأرضي. إذ توقف السوفييت عن الحفر عند هذا الحد بسبب تداعيات انهيار الاتحاد السوفيتي.
وفي غمرة الحرب الباردة، كان التنافس على أشده بين القوى العظمى للتوغل إلى أعمق نقطة في القشرة الأرضية، أو حتى الوصول إلى الطبقة التي تعرف بـ “وشاح” الأرض.
يقول أولي هارمز، من برنامج الحفر العلمي القاري العالمي وقد ساهم في مشروع حفر البئر الألماني المنافس لمشروع بئر كولا: “كان الروس آنذاك يحيطون مشروعاتهم بستار من الكتمان، وهذا ما دفعنا للدخول في تنافس مع الاتحاد السوفيتي على حفر أعمق حفرة”.
ويضيف: “عندما بدأ الروس في الحفر، كانوا يزعمون أنهم عثروا على مياه جارية في الأعماق السحيقة، ولم يصدق العلماء ذلك لأن أكثر العلماء الغربيين كانوا يؤكدون أن الماء لا يمكن أن ينفذ خلال القشرة الأرضية التي تبلغ كثافتها خمسة كيلومترات”.
حفرة/بئر كولا العميقة ليست مجرد مشروع علمي، بل رمز للفضول الإنساني والطموح لاستكشاف المجهول. قدمت هذه الحفرة لمحة عن أعماق الأرض، وواجهت تحديات دفعت حدود التكنولوجيا والعلوم، لتظل شاهدة على رغبة البشرية في فهم كوكبها بشكل أعمق.