في ذكري نكسة 1967 خرج تقرير صادر عن الجامعة العربية مؤخرا حول مخاطر اتساع الفجوة التكنولوجية بين العرب والكيان الصهيوني يؤكد اهتمام الكيان الصهيوني بتنمية قوته الذاتية علي خلفية علمية وتقنية جبارة، وينفقون علي البحث العلمي بصورة لائقة تعكس تطلعاتهم ورؤيتهم الواعية لأدوات المعركة، بما يعد خطرا داهما على الأمن القومي للعرب، ويستقدمون العلماء اليهود من مختلف أنحاء العالم وبخاصة أوروبا وأمريكا كل عام لمدة 3 شهور، للاستفادة من أبحاثهم العلمية ولحل مشكلاتهم، حيث استقدموا حتي الآن 78 ألف مهندس و16 ألف طبيب و36 ألف معلم و13 ألف عالم مختص بالتكنولوجيا المتقدمة، وذلك منذ أكتوبر 1991، وفقا لتقرير جامعة الدول.
في حين اكتفينا نحن في علاقاتنا مع علمائنا المنتشرين في بقاع الأرض بالطابع التشريفي، حيث تقوم مراكز الأبحاث باستضافة عدد من العلماء المصريين المهاجرين بالخارج إلي مؤتمراتها السنوية حتي يكتسب المؤتمر طابعا براقا لا أكثر، وكأنه مهرجان سينمائي مثل ” كان ” أو ” أوسكار ” الذي يتلألأ بنجومه.
تقول د. غادة الخياط- خبيرة الفضاء المصرية وكبيرة مهندسي الأنظمة المتعددة بجامعة هيوستن بالولايات المتحدة الأمريكية، التي زارت مصر مؤخرًا في مهمة علمية في مجال تصميم سفن الفضاء متعددة الأنظمة والاتصالات والتدريب في مجال الأنظمة الهندسية لسفن الفضاء- : إن الحكومات المصرية المتعاقبة اكتفت في تعاملها مع العلماء بإرسال خطابات للمحافظات التي ينتمي إليها هؤلاء العلماء لدعوتهم في احتفالات الأعياد القومية لكل محافظة حتي يحدث نوع من الربط بينهم وبين بلدهم!
وتُوصي د. غادة بتخصيص ميزانيات في السفارات المصرية بالخارج للاجتماع بهؤلاء العلماء المتميزين بصفة دورية ودعوتهم للمؤتمرات العلمية، مشددًة علي أن لهم أسبقية الدعوة عن غيرهم من علماء العالم كافة ، مطالبًة بأن تقوم شركات السياحة الوطنية بدعوتهم في رحلات سياحية متخصصة، وأن تسعي كل أجهزة الدولة إلي تدعيم إحساس هؤلاء العلماء بمصريتهم حتي يمكن أن يشكل منهم ” لوبي” في الخارج يدعم موقف مصر والأمة العربية في أي قضية نكون طرفًا فيها، خاصةً أن هؤلاء العلماء يحتلون مراكز مرموقة في البلاد التي يعملون بها، مع اعتبارهم سفراء لوطنهم في الخارج.
وقالت إن تعامل الحكومة المصرية مع هذه العقول كان بمنطق المشاركة الشرفية في الاحتفالات القومية، وكانت النتيجة تدني مركز مصر بين الدول في مجال البحث العلمي حتي أصبحت الهوة واسعة بيننا وبين أشد منافسينا بالمنطقة وهو الكيان الصهيوني ، إذ تراجع ترتيب مصر بين الدول في مجال البحث العلمي عام 2007م إلي المركز 135، بينما قفز ترتيب الصهاينة إلي الـ14، بل تقدمت علينا دولة عربية أخري وهي الإمارات التي احتلت المركز 65 بين دول العالم، أما عام 2000م فقد كانت مصر في المرتبة الـ 114 بينما كان ترتيب الإمارات الـ 70 في حين كان الكيان الصهيوني في المرتبة الـ 21، والسبب معروف هو أن مصر تخصص 0.8% من ميزانيتها للبحث العلمي في حين يخصص الكيان الصهيوني 5% من ميزانيته للغرض نفسه ، بالإضافة لميزانية وزارة الدفاع التي يخصص منها جزء للأبحاث العلمية العسكرية.
مثال آخر علي القطيعة بين النظام القائم وبين العلماء ما حدث مع عصام حجي الذي عاد إلي مصر الأسبوع الماضي حاول جاهدا أن يجد نقطة التقاء بينه وبين الجامعة ولكنة فشل في أن يصل إلي شيء فقدم استقالته معلنا انضمامه إلي حركة 9 مارس، تضامنا مع الوضع السيئ الذي يعاني منه أعضاء هيئة التدريس في مصر بالإضافة إلي الوضع السيئ الذي يعاني منه البحث العلمي.
وقال د. حجي: عندما كنت في مهمة علمية خاصة بتدريب عدد من رواد الفضاء بولاية ألاسكا في 14 مارس الماضي جاءني مندوب من وكالة ناسا يحمل لي رسالة مهمة من القاهرة وعندما قرأتها صعقت حيث أكدت إدارة الكلية صدور قرار رقم 194 لسنة 2005 بأن رحلتي العلمية تستمر سنتين تنتهي في الأول من يناير 2008 وأنه طبقا للائحة الخاصة بشئون الأفراد سيطبقون ضدي نص المادة 117 من قانون تنظيم الجامعات التي تنص علي «يعتبر عضو هيئة التدريس مستقيلا إذا انقطع عن عمله أكثر من شهر بدون إذن ولو كان ذلك عقب انتهاء ما رخص له فيه من إعارة أو مهمة علمية أو إجازة تفرغ علمي أو إجازة مرافقة الزوج ذلك ما لم يعد خلال 6 أشهر علي الأكثر من تاريخ الانقطاع».
وأشار د/ حجي إلي أن الغريب في الأمر أن العلماء الحقيقيين داخل جامعة القاهرة ينصحونني بإرسال ما يفيد بأنني مرافق لزوجتي ولست في مهمة علمية مع كبري المؤسسات العلمية العالمية مع العلم إنني عضو هيئة تدريس بجامعة باريس وحاصل علي الجنسية الفرنسية ، ووافق الفرنسيون علي إيفادي لناسا حتى أنقل لهم العلم!.
الأغرب من ذلك أن حجي يؤكد أن هناك المئات من العلماء الشباب المصريين الذين يسعون إلي العلم في أوروبا وأمريكا ويعانون الأمرين مثلما أعاني، مشيرا إلي أن جامعة هيوستين بها أكثر من عشرة علماء مصريين مهددين بالفصل من جامعاتهم المصرية بسبب القانون العقيم الذي ينظم العلاقات العلمية بينهم وبين جامعاتهم .
ويصف الدكتور عصام حجي حال البحث العلمي بمصر بأنه غير صحي برغم ما تتمتع به مصر من كفاءات متميزة ونادرة جدا ووجود علماء في كثير من المجالات، مشيرا إلي أن مصر فيها عقول لا تقل عن أي دولة متقدمة لكن الفرصة ليست متاحة لهم، ومن ثَمَّ فنحن في حاجة إلي إصلاح مالي، بالإضافة إلي ضرورة ربط مراكز البحوث بمواقع الإنتاج مع استثمار النبوغ الفطري الذي يتمتع به الشعب المصري من خلال الاهتمام بالعلم قبل كل شيء.
هذه الحرب التي تقودها المؤسسات الروتينية داخل مصر ضد علماء المهجر تهدد بقطع آخر طرف الخيط الرفيع الذي يجعل هؤلاء العلماء يرتبطون بوطنهم الأم ، وتقطع آخر أمل في نقل العلوم الحديثة والتطور لمصر اقتداء بالتجارب العديدة الناجحة مثل الصين والهند وماليزيا التي استفادت بعلمائها المنتشرين في بقاع العالم ، خاصة أن مصر لديها مئات الآلاف من التخصصات القادرة علي تغيير صورة الحياة علي أرضها ، ففي الطب يوجد بالولايات المتحدة 47 جراحا وطبيب قلب متميزا جدا، وفي نفس المجال يوجد بكندا 11 طبيبًا، وفي أستراليا 7 أطباء، و66 طبيباً بالاتحاد الأوروبي، أما في مجال الطب النووي يوجد ثلاثة بالولايات المتحدة واثنان بكندا ومثلهم بأستراليا وستة في الاتحاد الأوروبي، وفي تخصص العلاج بالإشعاعات يوجد بالولايات المتحدة 10 علماء متخصصون وبكندا واحد، وفي أستراليا ثلاثة أما الاتحاد الأوروبي فيوجد به ستة، هذا بالإضافة لباقي التخصصات مثل علم المناعة والسموم.
وفي الهندسة يوجد بمجال هندسة المؤثرات الميكانيكية بالولايات المتحدة 42 عالمًا مصريا و7 بكندا وواحد بأستراليا، و7 بدول الاتحاد الأوروبي، وفي هندسة المدن والسدود يعمل بالولايات المتحدة 31 عالمًا وبكندا 14 و10 في الاتحاد الأوروبي، وفي مجال المايكرو إليكترونيات يعمل بالولايات المتحدة 52 عالمًا، و14 بكندا، و8 بأستراليا، 19 بدول الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تخصصات الهندسة النووية واستخدامات أشعة الليزر، وتكنولوجيا الأنسجة.
أما رجال الأعمال المتميزون بالخارج فمنهم 44 في بيوت الخبرة الأمريكية، و41 ببيوت الخبرة الكندية، و8 في أستراليا و132 بالاتحاد الأوروبي، إضافة إلي تخصصات السياحة والتصدير والاستيراد، وتخطيط الصناعة.
بتصريف عن البديل