يتسابق الباحثون على إخراج ما في جعبتهم من مهارات بحثية لمساعدة المدرِّبين على تطوير مستوى اللاعبين وخطط اللعب.
Table of Contents
كرة القدم وتدقيق البيانات
يخضع لاعبو كرة القدم أنفسَهم لنوعٍ من تدقيق البيانات كان يرتبط عادةً برواد الفضاء؛ فهُم يرتدون ستراتٍ وأشرطةً يمكن من خلالها استشعار الحركة وتتبُّع المواقع باستخدام نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، فضلًا عن حساب عدد لمسات الكرة من كلِّ قدم. كذلك تسجل كاميرات مُثبَّتة في زوايا متعددة كل شيء بدءًا من ضربات الرأس التي يظفر بها اللاعب، بل وحتى مدة احتفاظ اللاعب بالكرة. ولفهم هذه المعلومات والاستفادة منها، تستعين معظم الفِرَق الكبرى في عالم كرة القدم حاليًا بمحللي أداء، من بينهم علماء متخصصون في الرياضيات والبيانات والفيزياء؛ نجحت تلك الأندية في استقطاب هؤلاء الخبراء، وإقناعهم بترك الشركات والمختبرات الكبرى التي كانوا يعملون بها، مثل شركة «ميكروسوفت»، والمختبر الأوروبي لفيزياء الجسيمات «سيرن» CERN، الذي يقع بالقرب من جنيف في سويسرا.
محلل الأداء .. الأفكار والاستنتاجات
وفي المقابل، نجد أن الأفكار والاستنتاجات التي يخرج بها محللو الأداء تنعكس على أرضية الملعب في صورة تغييرات في طُرق اللعب. يتجه المهاجمون، مثلًا، إلى تقليل التسديدات التي يطلقونها من مسافات بعيدة، وأصبح اللاعبون في مركز الجناح يعتمدون على التمريرات القصيرة بدلًا من إرسال الكرات العرضية، كما أخذ المدربون يهتمون بالاستحواذ على الكرة في نصف ملعب الخصم – وجميعها تغييرات تكتيكية مبنية على أدلة قوية، تهدف في جملتها دعم أهداف المدرب.
البيانات الضخمة وفلسفة الفِرَق وسلوكها
يقول دانيال ميميرت، العالم المتخصص في الألعاب الرياضية بالجامعة الألمانية للرياضة في كولونيا: “البيانات الضخمة بدأت عصرًا جديدًا في كرة القدم؛ فقد غيرَتْ من فلسفة الفِرَق وسلوكها، وكذلك كيفية تحليل أساليب الفريق الخصم، وكيفية تطوير المواهب واكتشاف اللاعبين الموهوبين”.
يعزو عديد من المحللين قدرًا من النجاح الذي حققه مؤخرًا نادي «برينتفورد إف سي» اللندني إلى خوارزمية داخلية تتولى تقييم اللاعبين عبر الدوريات المختلفة، ومن ثم تضع يد النادي على لاعبين قيمتهم السوقية مقدَّرة بأقل من قيمتهم الحقيقية.
أما فريق تحليل بيانات الأداء بنادي «ليفربول»، الذي يضم فيزيائيين سابقين بمختبر «سيرن» وجامعة كامبريدج بالمملكة المتحدة، فقد وضع نموذجًا يمكنه تقييم ما إذا كانت تحركات اللاعب على أرضية الملعب تزيد من احتمالات نجاحه في تسجيل أهداف. وبالشراكة مع نادي «برشلونة» الإسباني، نشر علماء الرياضة في جامعة لشبونة بالبرتغال العام الماضي تحليلًا لمدى استمرارية الفرص الناتجة عن أنواع مختلفة من التمريرات في المباريات.
الدروس المستقاة
أحد الدروس الهامة المستقاة من تحليل البيانات هو أنه لا يحسُن باللاعب التسديد على المرمى عندما لا يكون قريبًا منه. يقول رامينيني الذي يعمل محلل بيانات بشركة «ميكروسوفت» : “إذا تابعتَ مباريات أيٍّ من دوريات العالم، لوجدتَ أن اللاعبين قبل عشر سنوات كانوا يسددون على المرمى من مسافاتٍ أبعد كثيرًا مما يشيع الآن. حدث ذلك كله لأن محلِّلي الأداء جعلوا يتساءلون: لماذا تُسدد على المرمى من مسافةٍ كهذه، إذا كانت احتمالية إصابة الهدف لا تتجاوز 2% فقط؟!
ما الخطوة القادمة؟
يؤكد الخبراء المعنيون بتحليل بيانات كرة القدم، كدأب العلماء المُجيدين عمومًا، أنه لا تزال هناك حاجة لمزيد من الأبحاث. تطمع سارة رود، عالمة البيانات السابقة في شركة «ميكروسوفت» التي تركت نادي «آرسنال» الإنجليزي العام الماضي بعد ما يقرب من عقد من العمل في تحليل البيانات لصالح النادي اللندني، في الحصول على فيض البيانات والقياسات التي تنتجها سيارة السباق عن بُعد، والتي تساعد في دعم الفِرَق لتعديل الأداء وتحسينه.
تقول رود: “ننظر دائمًا إلى سباقات سيارات «فورميولا 1»، ونقول إنه سيكون من الرائع الحصول على هذا المستوى من البيانات. ثمة جوانب كثيرة في كرة القدم لم تخضع بعدُ للقياس، أو قِيسَتْ غير أننا لم نتوصل بعد إلى كيفية ترجمة تلك القياسات إلى رؤًى وأفكار”.
لعلَّ الخطوة التالية على طريق التطوير تتمثل في التوصل إلى بيانات تُظهر اتجاهات اللاعبين، بل والكيفية التي يغيرون بها اتجاهاتهم. تقول رود: “ما زالت بيانات التتبُّع، على ما يبدو، تفتقر إلى مستوى الدقة المنشود. فما زلنا عاجزين عن تسجيل لقطات لحركات المراوغة البسيطة أو تغيير الاتجاه التي يؤديها لاعب بقصدِ إفقادِ المدافع توازنَه، أو مَنْح حارس المرمى بعض الوقت”.
د/ حاتم جاد الحق
دكتوراة في الكيمياء العضوية واستشاري في مجال الصباغة والتجهيز
عضو نقابة المخترعين المصرية
المصدر/ مجلة nature