المجلةبنك المعلوماتعباقرةمبدعوننابغون

جعل خدمة وعلاج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة هدف ورسالة

“أقسم بالله العظيم، أن أراقب الله في مهنتي. وأن أصون حياة الإنسان في كافة أدوارها، في كل الظروف والأحوال، باذلاً وسعي في استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأستر عوراتهم، وأكتم سرّهم. وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلاً رعايتي الطبية للقريب والبعيد، الصالح والطالح، والصديق والعدو”.

جعل خدمة وعلاج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة هدف ورسالة

هذا هو “قَسم الطبيب” الذي أرسته مؤتمرات الطب الإسلامي منذ زمن، سعيا إلى إظهار الوجه الإنساني المضيء لمهنة الطب العريقة. فقد يتمكن الكثيرون من الحصول على شهادة “بكالوريوس الطب”، لكنهم لن يتحلوا جميعاً بصفة “الطبيب الإنسان”، فالطبيب الإنسان يتميز عن أقرانه، بحب الناس، وقبل ذلك رضا الله تبارك وتعالى، وكما أن لكل مهنة شروطها، فمن أهم شروط مهنة الطب هو أن يكون الطبيب إنساناً في تعامله مع مرضاه، وزملاء عمله.

من هذا المنطلق الإنساني الرفيع، يسعى الأستاذ الدكتور حسن على سليمان، أستاذ طب الأطفال بجامعة الأزهر، ورئيس وحدة أعصاب الأطفال وذوى الاحتياجات الخاصة بمستشفى سيد جلال التعليمي الجامعي، إلى خدمة مرضاه جميعا، سواء من أهالي شبرا الخيمة حيث تقع عيادته، أو مرضاه بمستشفى جامعة الازهر، خدمة حقيقية دون اهتمام لما قد يجنيه من مال، قلّ أو كثُر.

جعل خدمة وعلاج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة هدف ورسالة
جعل خدمة وعلاج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة هدف ورسالة

وعلى غير عادة كبار الأطباء يضع “الدكتور حسن علي” سعراً رمزياً بسيطاً نظير الكشف، وفي أحيان كثيرة يتنازل عنه للمريض اذا لمس بنفسه حالته وحاجته، بل ويقوم بإعطاء المريض العلاج المجاني أيضا، إذا ما توفر لديه، كما أنه فوق ذلك يمضي وقتاً مطولاً في الكشف لكي يشخص الحالة جيدا ويستمع للآلام التي تُنهك الأطفال في أوقات المرض الصعبة!

يُلقبه أهل حى شبرا الخيمة الذين التقيت بهم فى عيادته المتواضعة بـ “الطبيب الإنسان”، إذ يدرك د. حسن علي أن مهنة الطب إنسانية قبل كل شيء، وقد سمّى أجدادنا الطبيب “حكيمًا”، لما هو عليه من الحكمة والأخلاق الرفيعة في التعاطي مع مسببات المرض وعوامل الشفاء، وهو ما يجب أن يتصف به الأطباء في كل زمان ومكان .

إن رحلة الدكتور حسن علي مع الطب، هى رحلة متواصلة من الأحلام والآمال والتعب والعرق والجهد، فقد وُلد الطبيب فى منطقة بهتيم بحي شبرا الخيمة، وعاش فيه حتى حصوله على درجة البكالوريوس من كلية طب الأزهر، وعُين بعد ذلك مُعيدا بنفس الكلية، ثم قام بالتدريس في الكلية، حتى حصلت على درجة الأستاذية، وهو يعمل الآن بمستشفى سيد جلال التابع لجامعة الأزهر، وقد ترقى على مر السنين حتى أصبح رئيساً لوحدة أعصاب الأطفال بالمستشفى.

حصل د. حسن علي على درجة الدكتوراه عام 1992، ثم دبلوم الأمراض النفسية والعصبية، تخصص دقيق عام 2000، ثم دبلوم الأشعة التخصصية عام 2018. وكل هذا من أجل خدمة الفرع الذي تخصص فيه، وهو الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

 

واستقى الطبيب مثله الأعلى من أسرته، فقد كان والده محباً للخير، وكذلك كانت الوالدة (أمد الله في عمرها)، ومنهما تشرّب الرجل حب الخير، وهو حريص على هذا الخير المستمر كل الحرص، حيث يعمل بكل ما أوتي من إمكانيات على دعم ومساعدة كل من يحتاج إلى المساعدة والدعم، ولا يفرق في ذلك بين شخص وآخر مهما كانت مهنته، أو خلفيته الاجتماعية.   

والطريف أن حلم د. حسن الأول لم يكن الطب، بل كان الالتحاق بكلية الزراعة وهي مجال والدة رحمه الله. ولكنه حصل على مجموع كبير فى الثانوية الأزهرية، الأمر الذي أهله للالتحاق بكلية طب جامعة الأزهر. وذلك بتشجيع من أسرته التي قدمت له كل أوجه الدعم والمساندة لاستكمال طريقه في مهنة الطب.

وتمثّل مهنة الطب للدكتور حسن، “كل الخير” حسب تعبيره، فهى واحدة من أنبل المهن وأشرفها، لكونها مهنة الإنسانية الأولى، التي يعمل بها من يحملون الرحمة في قلوبهم. وهو يقول عن ذلك: “لو عاد الزمان بي إلى الوراء، وخُيّرت بين الطب والزراعة، لاخترت الطب دون تردد، لأنها مهنة تمثل معنى العطاء ورعاية الناس”.

أما الرسالة التي يسعى د. حسن لإيصالها إلى تلامذته من شباب الأطباء، فهي الاخلاص الشديد في العمل والاهتمام بالمريض والعمل على خدمته ليل نهار، بلا كلل أو ملل، فهذا هو منهجه فى حياته العملية: “خدمة المريض هي هدفنا، وهى رسالتنا السامية”. وذلك من منطلق أن العلاقة بين الطبيب والمريض، هى علاقة إنسانية خاصة يحددها الطبيب وحده ويتحمل مسؤوليتها أمام الله وأمام نفسه وضميره والمجتمع.

ويقول د. حسن أن “دراسة علوم الطب والتخصص في أحد فروعه ليست بالسهولة أو بالبساطة بمكان، وتحتاج إلى سنوات كثيرة حتى تصل إلى ما تصبو إليه، خاصة إذا اخترت علم دقيق كعلم الأعصاب. ورغم كل عمري المهني مازلت أتعلم وأخوض الاختبارات العلمية حتى إننى حصلت عام 2018 على دبلوم الأشعة التشخيصية. وكل يوم يمر علىّ لابد أن أذاكر فيه وأتعلم. فكل مريض له خارطة علاج خاصة به وحده، وهذا هو يدفعني إلى مزيد من التعلم، بشكل يومي”.

ويعتبر أن “التحدي الأكبر” الذي يواجهه، كطبيب، هو خدمة المريض فى مكان واحد يجد فيه كل ما يحتاجه، رفقاً به وتخفيفا عن كاهله. وهو يقول: “إن ذلك ما سعيت إليه من سنوات. حيث الكشف ثم التشخيص وتقديم العلاج. ونحن بفضل الله فى مستشفى سيد جلال لدينا وحدة متكاملة فيها أشعة مقطعية وأشعة رنين ورسم مخ ورسم عضلات، ومعمل تحاليل. وحجرة تكامل حسي، وقياسات نفسية وعقلية، ثم تدخل مبكر لذوي الإعاقة والاحتياجات الخاصة، ثم تنمية مهارات، وتخاطب، ثم تكامل حسي. كل ذلك لخدمة المريض فى جميع الاتجاهات، بحيث يأخذ خدمة كاملة فى الوحدة التى لدينا بمستشفى سيد جلال”.

وقد وُلدت فكرة الوحدة الخاصة بطب “الأطفال ذوي الإعاقة” بمستشفى سيد جلال التعليمي الجامعى عام 1992، وكان في صدارة أهدافها خدمة المرضى من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، خدمة مجانية متكاملة.

ولدى د. حسن أمنية على المستوى المهنى شرع بالفعل في تحقيقها، وهى استكمال مشروعه الخاص المتمثل فى انشاء مركز خاص يخدم ذوي الاحتياجات الخاصة. وهذا المشروع يقدّمه هو وفريقه الطبي من شباب الأطباء “قربة لله تبارك وتعالى”.

وعن السبب الذي دفعه هو وزملائه الأطباء إلى إنشاء هذه الوحدة، ويقول د. حسن: “لقد رأيت المريض مشتتا فى بقاع الأرض، حيث يحتاج الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة إلى الكثير من الفحوصات الطبية، لذلك حرصت على إنشاء هذا المكان لجمع كل الخدمات تحت سقف واحد، حرصاً على سلامة المرضى.. حيث التشخيص والعلاج معا”.

ويضيف: “ليس لهذا المكان، بفضل الله، مثيل – على حد علمي- فى مصر أو الوطن العربي، حيث تتميز الوحدة بوجود أطباء على أعلى درجات الكفاءة، فضلا عن وجود فريق آخر غير طبي من المساعدين، يساعد الأطباء على التكامل الحسي والقياسات النفسية، والتخاطب، والتدخل المبكر، وهي إمكانيات غير موجودة إلا فى وحدتنا هذه، التي تتمتع بوجود أشعة مقطعية ومعمل متكامل وأشعة رنين ورسم عضلات، ورسم مخ، ووحدة للتشخيص”.

وحتى وقتنا الراهن، لا تقبل الوحدة تبرعات، وهى قائمة على الجهود الذاتية فقط، ويديرها مجموعة أطباء يقومون بالإنفاق عليها من أموالهم الخاصة. وقد تقبل الوحدة تبرعات فى حالة إنشاء جمعية خيرية، تتولى هذه الأمر وفق القانون.

وتعمل الوحدة يوميّ الاثنين والأربعاء من كل أسبوع، وذلك من الساعة الثامنة صباحا حتى الرابعة عصرًا… أما باقى أيام الأسبوع، فتعمل الوحدة على إجراء التحاليل والإشاعات.

وأسرة د. حسن هي “أسرة طبية” بامتياز، فزوجته طبيبة بارزة تعمل استشاري نساء وتوليد، والابن الأكبر يعمل فى مجال الصيدلة، والابنة التى تليه أخصائية أمراض نفسية وعصبية. ولكن هناك استثناءات من ذلك، بطبيعة الحال، فالابنة الثانية خريجة لغات وترجمة، والابن الأصغر يدرس الهندسة.

زر الذهاب إلى الأعلى