خبز الحيثيين يعود للحياة: مهندسة تركية تحيي وصفة عمرها 3500 عام بمكونات طبيعية
في إنجاز يربط الماضي بالحاضر، نجحت المهندسة الزراعية التركية توبا طوب قره في إعادة إحياء وصفة خبز الحيثيين القديمة، التي يعود تاريخها إلى 3500 عام.
هذا الاكتشاف المذهل، الذي تم في مدينة جوروم التركية، لا يمثل مجرد استعادة لوصفة طعام تاريخية، بل هو شهادة على الإرث الحضاري الغني للحيثيين وأهمية الحفاظ على الممارسات الزراعية والغذائية الأصيلة.
يعتمد هذا الاكتشاف على مكونات طبيعية بالكامل، مثل القمح غير المعدل وراثيًا وماء الينابيع والملح الصخري، مما يجعله نموذجًا للغذاء الصحي والمستدام في عصرنا الحديث.
تقف المهندسة الزراعية توبا طوب قره في صميم هذا المشروع الرائد، حيث قادت جهود إحياء خبيز الحيثيين بالتعاون مع جمعية نسائية محلية في قرية إلفان شلبي بولاية تشوروم. تُظهر هذه المبادرة التزامًا عميقًا بالحفاظ على التراث الثقافي والغذائي، بالإضافة إلى تعزيز الممارسات الزراعية المستدامة.
لم تقتصر مهمة المهندسة طوب قره على مجرد إعادة إنتاج وصفة قديمة، بل امتدت لتشمل الإشراف على جميع مراحل الإنتاج، من زراعة الحبوب الأصيلة إلى طحنها وخبزها، مما يضمن الحفاظ على أصالة وجودة المنتج النهائي.
خبز الحيثيين يعود للحياة: مهندسة تركية تحيي وصفة عمرها 3500 عام بمكونات طبيعية
سر خبز الحيثيين: المكونات الطبيعية والتقنيات التقليدية
يكمن سر خبز الحيثيين في بساطة ونقاء مكوناته، بالإضافة إلى التقنيات التقليدية التي تضمن جودته وقيمته الغذائية. يُصنع هذا الخبز باستخدام القمح المحلي غير المعدل وراثيًا، والذي يتم طحنه في طاحونة حجرية، مما يحافظ على جميع العناصر الغذائية والألياف الموجودة في الحبوب. أما الماء المستخدم فهو من ينابيع المنطقة، مما يضيف نكهة فريدة ونقاءً.
وأخيرًا، يُضاف الملح الصخري الطبيعي، الذي يمنحه مذاقًا مميزًا ويعزز من قيمته الغذائية. يتم العجين في أفران حجرية تقليدية باستخدام الحطب، وهي طريقة تضفي عليه قشرة مقرمشة ولبًا طريًا، بالإضافة إلى نكهة مدخنة مميزة تعكس أصالة الطهي القديم.
الأهمية التاريخية والأثرية: دور الألواح الأثرية في إعادة إحياء الوصفة
تكمن الأهمية الحقيقية لهذا المشروع في ارتباطه الوثيق بالتاريخ والحضارة الحثية العريقة. فقد وردت وصفة خبيز الحيثيين في ألواح أثرية اكتُشفت في المنطقة، والتي كانت في يوم من الأيام عاصمة الدولة الحثية. هذه الألواح، التي تعد كنوزًا أثرية، لم تقتصر على توثيق الأحداث التاريخية أو القوانين، بل شملت أيضًا تفاصيل دقيقة عن الحياة اليومية، بما في ذلك الوصفات الغذائية.
خبز الحيثيين يعود للحياة: مهندسة تركية تحيي وصفة عمرها 3500 عام بمكونات طبيعية
وقد تم تدوين هذه الوصفة لاحقًا في كتاب علمي عن المطبخ الحثي، شارك في تأليفه خبراء في فن الطهي والآثار. إن إعادة إحياء هذه الوصفة بناءً على هذه المصادر الأثرية الموثوقة يمثل جسرًا بين الأجيال، ويساهم في الحفاظ على جزء حيوي من التراث الثقافي للحضارة الحثية، ويقدم لمحة فريدة عن عاداتهم الغذائية.
دلالات المشروع وأهدافه
المبادرة ليست مجرد محاولة لإعداد «خبز قديم» بل لها أبعاد متعددة:
تراث ثقافي: إعادة ربط المجتمعات المحلية بماضيها وإبراز مطبخ حضارة غابرة. Anatolian Archaeology
صحة وغذاء مستدام: التركيز على القمح الأثري والممارسات العضوية يلقى صدى لدى المستهلكين الباحثين عن بدائل صحية. Anadolu Ajansı
سياحة ثقافية/طهوية: عرض الخبز في مراكز ثقافية ومحلية يمكن أن يجذب مجموعات سياحية مهتمة بالطعام التاريخي والتجارب الأصيلة.
كيف وُثِّقت الوصفة وأُعيدت عملياً؟
الخطوة الأولى كانت قراءة الألواح الأثرية ودمج نتائج دراسات الطهي التجريبية (experimental archaeology) التي يحللها طهاة وباحثون مختصون.
اعتمدت المهندسة الزراعية — بالعمل مع معلمات وفريق محلي — على نصوص الألواح كأساس، ثم اختبرت طرق طحن الحبوب، واستخدام السواخت الحجرية وطرق الخَبز في أفران حجرية تُشعل بحطب البلوط لضمان أقرب تجربة ممكنة للوصفات القديمة. النتيجة: مُعد يدوياً بخطوات شبيهة بتلك الموصوفة في الألواح.
خبز الحيثيين يعود للحياة: مهندسة تركية تحيي وصفة عمرها 3500 عام بمكونات طبيعية
التأثير الصحي والبيئي: فوائد استخدام المكونات الطبيعية والقمح غير المعدل وراثيا
يتجاوز تأثير إعادة إحياء خبز الحيثيين الجانب التاريخي والثقافي ليشمل أبعادًا صحية وبيئية هامة. ففي عصر تتزايد فيه المخاوف بشأن الأغذية المصنعة والمعدلة وراثيًا، يقدم هذا الخبز نموذجًا للغذاء الصحي والنقي.
إن استخدام القمح الطبيعي غير المعدل وراثيًا يضمن خلو الخبز من أي مواد كيميائية أو إضافات صناعية قد تكون ضارة بالصحة.
كما أن الاعتماد على ماء الينابيع والملح الصخري يعزز من القيمة الغذائية للخبز ويجعله مصدرًا غنيًا بالمعادن الأساسية. من الناحية البيئية، تدعم هذه المبادرة الزراعة المستدامة والحفاظ على التنوع البيولوجي للقمح، مما يساهم في حماية البيئة وتقليل البصمة الكربونية المرتبطة بإنتاج الغذاء الصناعي. هذا الخبيز ليس مجرد طعام، بل هو دعوة للعودة إلى الطبيعة والاستفادة من خيراتها النقية.
الخاتمة: الآفاق المستقبلية للمشروع وأهميته في الحفاظ على التراث الغذائي
يمثل مشروع إحياء خبيز الحيثيين خطوة مهمة نحو الحفاظ على التراث الغذائي العالمي وتعزيز الوعي بأهمية الممارسات الزراعية التقليدية.
تأمل المهندسة توبا طوب قره والتعاونية النسائية في قرية إلفان شلبي في جعل هذا الخبز التاريخي منتجًا معروفًا عالميًا، ليس فقط كسلعة غذائية، بل كرمز للثقافة والتاريخ.
إن هذا الإنجاز يفتح آفاقًا جديدة للبحث الأثري والتعاون بين علماء الآثار والمهندسين الزراعيين والطهاة لإعادة اكتشاف المزيد من الوصفات القديمة التي قد تحمل في طياتها حلولًا للتحديات الغذائية والصحية المعاصرة. خبز الحيثيين ليس مجرد قطعة خبز، بل هو قصة حضارة، وإرث يستحق أن يُروى ويُحتفى به للأجيال القادمة.