عيوب البطاريات , بينما تمتلئ خزانات وقود السيارات في غضون دقائق، تستغرق بطاريات السيارات الكهربائية وقتًا طويلًا في الشحن. ولتهيئة السوق من أجل جذب مزيد من الانتباه إلى السيارات الكهربائية، يسعى العلماء بدأب نحو تطوير تكنولوجيا الشحن السريع للبطاريات.
تُعَد البطاريات واحدةً من أهم سُبل العيش في عصرنا الحالي، وتنقسم إلى نوعين رئيسيين من حيث الاستخدام، وهما: بطاريات قابلة للشحن مثل بطاريات الهواتف النقالة واللاب توب والسيارات، والأخرى بطاريات غير قابلة للشحن نظرًا إلى أن التفاعل الكيميائي يمكن أن يحدث مرةً واحدةً وفي اتجاه واحد فقط، مثل البطاريات التي تُستخدم في ساعة الحائط أو في سماعات الأذن لضعاف السمع.
وبالرغم من اختلاف تقنيات تشغيلهما واستخداماتهما، يتشابه كلا النوعين في تركيبهما الكيميائي. فقد ابتكر العلماء العديد من البطاريات التي تحتوي على معادن مختلفة، فهناك بطاريات الرصاص وبطاريات الزنك والكربون وبطاريات الزئبق وبطاريات النيكل والكادميوم، وتشهد العقود الأخيرة نموًّا متزايدًا في تطوير بطاريات الليثيوم التى يمكن توظيفها كمصدر مستدام للطاقة في السيارات الكهربائية.
في هذا الإطار، نشر باحثون -من مختبر أرجون الوطني بالولايات المتحدة الأمريكية- دراسةً في دورية “الطاقة وعلوم البيئة” (إنيرجي أند إنفيرومينتال ساينس)؛ بحثًا عن استخدام الأشعة السينية X-rays من أجل الوقوف على أوجه القصور في بطاريات الليثيوم في أثناء عمليات الشحن السريع.
قال “دانيال أبراهام” -قائد الفريق البحثي- في تصريحات خاصة لـ”للعلم”: إن سرعة شحن البطاريات عامة وبطاريات المركبات الكهربائية خاصةً تُعَد شيئًا بالغ الأهمية؛ إذ نسعى لتقليص مدة الشحن إلى خمس عشرة دقيقة أو ربما أقل، واستطرد قائلًا: “إنه من خلال رؤية مسار أيونات الليثيوم Lithium-ions وتوزيعها وانتشارها داخل قطب البطارية تُتاح لنا فرصة الوصول -بدقة بالغة- إلى الأسباب المتباينة لتقادُم عمر بطاريات الليثيوم في أثناء الشحن السريع.
يتكون البناء الداخلي للبطارية من أربعة أجزاء، هي: قطبان أحدهما موجب والآخر سالب، يفصل بينهما غشاء نفاذ، وهما مغموسان في الكهرل أو الإلكتروليت Electrolyte، وهو أي مادة تحتوي على أيونات الأملاح الذائبة في الماء، ووظيفته تحفيز انتقال الأيونات بين القطبين، أي توصيل التيار الكهربائي.
شرح دانيال لـ”للعلم” قائلًا: “إنه في أثناء شحن البطارية تنتقل أيونات الليثيومLi+ من القطب الموجب (الليثيوم) إلى القطب السالب (الجرافين)، وتنعكس هذه العملية في أثناء تفريغ شحن البطارية أي استخدامها، وأضاف قائلًا: “إن مشكلة تكنولوجيا الشحن السريع تكمن في سرعة انتقال الأيونات بين القطبين، ما يؤدي إلى استهلاكها في أثناء الشحن والتفريغ، ووجدنا أن جُل هذا الاستهلاك يكون بالقرب من الغشاء الفاصل بين القطبين، على عكس أطراف البطارية”.
أوضح دانيال لـ”للعلم” قائلًا: “إنه في حالة الشحن البطيء، تنتقل أيونات الليثيوم المنبعثة من القطب الموجب لتستقر تدريجيًّا بين طبقات الكربون (الجرافين) المتراصة بعضها فوق بعضٍ، في عملية تسمى بـ”تداخل الليثيوم”، ولكن من ناحية أخرى، في أثناء الشحن السريع، تترسب أيونات الليثيوم على سطح الجرافين على شكل معدن، وتسمى في هذه الحالة بـ”طلاء الليثيوم”، واستطرد قائلًا: “إن عملية طلاء الليثيوم للقطب السالب تتسبب في منع تداخُل الأيونات بين طبقات الكربون، ومن ثم تنخفض كفاءة البطارية بصورة ملحوظة، وحينئذٍ لا يمكن للأيونات الانتقال بين القطبين بانسيابية.
وأشار “دانيال” إلى أن معدن الليثيوم المتراكم على سطح الجرافين يؤثر كيميائيًا على الكهرل، إذ يختزله فيصير صلبًا يعوق حركة أيونات الليثيوم، وبمرورالوقت تحتفظ البطارية بطاقة أقل بداخلها.
وبسؤال “دانيال” عما إذا كان من الممكن إضافة مادة كيميائية إلى البطارية تمنع تراكُم الليثيوم على الجرافين لتفادي عملية الطلاء، فأجاب قائلًا: “إنه من غير الممكن إضافة أي مادة إلى مكونات البطارية؛ لأنها بالتبعية ستغير خصائص الكهرل الكيميائية، ولن تغني عن عملية طلاء الليثيوم”.
جدير بالذكر أن إحدى طرق طلاء الأجسام المختلفة تتم بطريقة مماثلة لفكرة البطارية؛ إذ يوضع الجسم المراد طليه مكان القطب السالب، ويوضع المعدن المستخدم في الطلاء (الذهب، الفضة، النحاس… إلخ) مكان القطب الموجب في وجود الكهرل، ويتم توصيل القطبين بالكهرباء فتنتقل أيونات الطلاء من القطب الموجب إلى القطب السالب ليترسب على الجسم.
ولدراسة حركة أيونات الليثيوم داخل البطاريات التي تعمل بخاصية الشحن السريع، استخدم الباحثون الأشعة السينية، ولرؤية منطقة بعينها في قلب البطارية استخدم الباحثون تقنيةً يُطلق عليها “تشتت الأشعة السينية باستخدام الطاقة” لالتقاط صور ثنائية الأبعاد للجرافين المطلي بالليثيوم، واكتشفوا أن الأماكن التي يترسب عليها معدن الليثيوم تقع بالقرب من الغشاء الفاصل بين القطبين.
قال “جون أونسيكنسي” -الباحث الثاني بالدراسة- لـ”للعلم” في تصريحات خاصة: “اعتمدنا على تغيير الطول الموجي للأشعة السينية لتعيين البنية البلورية للجرافين؛ وذلك لأنه من المواد البلورية التي لها ترتيبٌ فريدٌ في الذرات -ذراته لها شكل سداسي تشبه قرص العسل- عوضًا عن تغيير زاوية إسقاط الأشعة، وأضاف قائلًا: “إن كلتا الطريقتين تُستعمل في قياس البنية البلورية للجرافين طبقًا لمعادلة براج، ولكن تغيير الطول الموجي باستخدام الطاقة يسمح للأشعة بالنفاذ بسهولة من المعدن الخارجي للبطارية إلى داخلها”.
واستطرد جون حديثه قائلًا: “إن دخول الليثيوم بين طبقات الجرافين يؤدي إلى امتداده؛ إذ تتضخم بنيته الشبكية البلورية بدرجات متفاوتة، وهنا يأتي دور الأشعة السينية التي تتشتت باختلاف درجة التضخم لتظهر على شاشة جهاز الأشعة السينية في صورة قمم تختلف كثافتها باختلاف مقدار الليثيوم داخل الطبقات”.
وقال “ستانلي ويتنام” -الأستاذ بجامعة بينجامتون بنيويورك والأب المؤسس لبطاريات الليثيوم القابلة للشحن- معلقًا على الدراسة: “إن هذه الدراسة جيدة، فقد أثبتت ما كان يتوقعه علماء البطاريات بشأن الليثيوم، ولكن ما ننتظره هو إيجاد وسائل تجعل تقنية الشحن السريع فعالة وآمنة”.
واتفقت معه في الرأي “يانج هورن” -الباحثة وأستاذة الطاقة في معهد “إم آي تي” للتكنولوجيا- قائلةً: “إن نتائج الدراسة بالغة الأهمية، كما أنها تحمل فائدة كبرى؛ لأنها تتيح رؤى جديدة لمواجهة تحديات تكنولوجيا الشحن السريع، كما تسعى لمواجهة هذه التحديات باستخدام الإستراتيجيات الممكنة”.
من جهته عقب “دانيال” على تعليق “ستانلي” قائلًا: “إننا لا نمتلك حلولًا في الوقت الراهن، ولكننا نعكف حاليًّا على بحثٍ جديدٍ نرجو من خلاله الحصول على شحنٍ سريعٍ فعالٍ وآمنٍ للبطاريات”.
وقال “جون أونسيكنسي”: “إن جل تركيزنا في هذا البحث هو على البطاريات الزرية (البطارية الدائرية الصغيرة)، ولكننا نعمل بدأب على تطبيق هذا البحث على البطاريات كبيرة الحجم، مثل بطاريات الهواتف الذكية وبطاريات السيارات الكهربائية؛ لدراسة سلوك الليثيوم فيها”.
واختتم “دانيال” حديثه لموقع “للعلم” قائلًا: “إن ثمة ثلاثة مقترحات يمكننا من خلالها تقليل معدل ترسيب الليثيوم على الجرافين (طلاء الليثيوم)، وهي: تصميم قطب يسمح بانتشار أسرع لأيونات الليثيوم، واستخدام جرافين يسمح بإدخال أيونات الليثيوم بين طبقاته بوتيرة سريعة، وأخيرًا شحن البطارية عند درجات حرارة مرتفعة قليلًا، مثلًا عند 45 درجة مئوية”.