معظمنا يعرف “التليسكوب الفضائي هابل”، ولكن لا يعرف الكثيرون أن هذه الاسم أطلق تكريما لملاكم ومحامٍ يدعى (إدوين هابل)، وهو واحد من أعظم علماء الفلك في العصر الحديث، إلا أنه اشتهر في الأساس كملاكم خاض المباراة النهائية ضد بطل فرنسا عام 1920م.
وبعدما اعتزل “هابل” الملاكمة اجتذبه علم الفلك فاشترى تلسكوبا خاصا وبدأ بدراسة الكون، وقبل دخوله في هذا المجال لم يكن العلماء يملكون طريقة لحساب عمر الكون- ولم يكونوا متأكدين من وجود شيء خارج مجرة التبانة.
ولكن هابل اكتشف في عام 1924 أن الأسماء تتوسع وأن المجرات تتباعد وأن النجوم تنطلق بسرعة خارقة، ولأن هذا التوسع يحدث في كل اتجاه (انطلاقا من نقطة مركزية واحدة) افترض أن الكون تشكل من انفجار مركزي عظيم حدث قبل 13مليار عام- وهو ما ثبت صحته حاليا وأشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون) (سورة الذاريات الآية 47).
أما عن هابل (التلسكوب) فيعد واحدا من أعظم الأدوات الفلكية على الإطلاق.. بل يمكن القول أنه قدم إلى الحضارة الإنسانية في عشرة أعوام فقط معارف لم تقدمه العشرة قرون الماضية مجتمعة.
وبدأت فكرة نقل التلسكوب إلى الفضاء الخارجي منذ اختراع الصواريخ وغزو الفضاء، فكثيرا ما حلم الفلكيون بنقل تلسكوباتهم البصرية فوق الغلاف الجوي للأرض للحصول على صور أفضل للكون.
فمراقبة السماء من سطح الأرض أشبه بمراقبة مصابيح الشارع من (قعر المسبح)؛ الغلاف الجوي- الذي نعيش في قعره- ملوث وغير شفاف ويسبب انحرافا في مواقع النجوم رغم أن التلسكوبات الأرضية المشهورة تقع فوق الجبال العالية وفي مناطق بعيدة عن أضواء المدن إلا إن صورها لاتصل لدقة ووضوح أي تلسكوب متواضع يحمل للفضاء الخارجي.
والتليسكوب هابل- بالإضافة لوجوده خارج الغلاف الجوي- يتمتع بميزتين مهمتين: الأولى إمكانية توجيهه من الأرض (حسب الطلب) لمراقبة هذه المجرة أو تلك النجمة، وخلال السنوات الماضية اكتشف مجرات ونجوم وكواكب في كل اتجاه- وعلى أبعاد سحيقة لم يتخيل العلماء وجودها.
أما الميزة الثانية فهي أن “هابل” يعمل كعين تخترق الزمن وترى من الماضي ما قد يكون اندثر الحاضر..فبعض الصور التي التقطها التليسكوب تعود لنجوم تبعد عنا بلايين السنين الضوئية، وحين يلتقط صورا على هذا البعد فكأنه يرى حال تلك النجوم قبل بلايين السنين (حين انطلق ضوءها باتجاهنا لأول مرة).. وبفضل هذه الصور (التي يمكن رؤية بعضها في موقعي Nasa أو space.com) أعلن العلماء في مايو 1999م أن عمر الكون لا يقل فعلا عن 13 بليون عام- كما افترض هابل منذ البداية.
الطريف أن مشروع التلسكوب عانى من الفشل في بدايته وشكل إحراجا لوكالة ناسا، فبعد سنوات من تأجيل إطلاقه تم اكتشاف عيب في عدسته الرئيسية سببت انحرافاً في الرؤية، وحينها وقعت ناسا في حرج شديد لأن هذا الانحراف (رغم انه لم يزد عن سمك الشعرة) جعل تلسكوبات الهواة أفضل منه بكثير.
ولم تتوفر ميزانية لتصليح التلسكوب حتى ديسمبر 1993م حين انطلق المكوك الفضائي في مهمة خاصة لتركيب عدسة جديدة وكاميرات أكثر قوة. ومن يومها اكتسح هابل أعظم التلسكوبات الأرضية وقدم معلومات لم تتح للفلكيين منذ فجر التاريخ. واليوم بلغ مجموعة ما قدمه 20 ألف صورة نوعية لم يكن بالإمكان الحصول عليها لو بقينا في “قعر المسبح”.