العالمة المصرية الدكتورة “لطفية النادي” أم الفيزياء النووية المصرية, هي أول من حصل على درجة الدكتوراة فى مجالها فلقبت بـ”أم الفيزياء النووية“, قامت بتأسيس أول معهد لعلوم الليزر فى مصر والشرق الأوسط وإفريقيا, تلاميذها (ومنهم صاحب نوبل أحمد زويل) أصبحوا علماء فى جامعات مصر والعالم, رغم بلوغها تخطيها العقد الثامن إلا انها لم تترك البحث العلمي وتعمل حالياً على بحث لإذابة جلطات الشرايين دون جراحة, ليس هذا فحسب بل تحلم بإنشاء أول محطة ليزر لتوليد الكهرباء فى مصر, قال لها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر: “انت فخر لمصر”.
فى ردها على سؤال حول أهم درس تعلمته لطفية النادى وهي في سن فى الـ 87 قالت: “الإخلاص، ثم الإخلاص، والتمسك بالحلم لآخر نفس”.
في ستينيات القرن الماضي, حصلت لطيفة النادي, (وتحديداً عام 1957) جلست أول حاصلة على درجة الدكتوراة فى الفيزياء النووية فى مصر مع زوجها، بعد أول شهرين من الزواج، وقالت له أنها تخشى الحمل والإنجاب لسبب قد يوقف كل طموحاتها المهنية والعلمية وينهى مسيرتها قبل أن تسترسل، سألها الزوج عن السبب، فقالت له أنها تتعرض فى بعض الأحيان لإشعاعات ذرية أثناء أوقات عملها فى معمل أنشاص، وأن تلك الإشعاعات لا تؤثر عليها لكنها قد تسبب تشوهات للجنين فى حالات الحمل، وجلست العالمة الصغيرة تنتظر رأى زوجها الذى يحلم بأول ذريته، هل يوافق على تأجيل حلم الإنجاب، أم يكتب سطر النهاية مبكرا لرحلتها العلمية؟.
وفى منتصف عام 1960 زار الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر مفاعل أنشاص، والتقى مجموعة نابغة ومنتقاه من علمائه، وكان بينهم نفس لطيفة النادي، ورأى فيها عبد الناصر من الذكاء والقوة والنبوغ العلمى ما جعله يوقف حديثه ليوجه حديثه لها قائلا ” أنا لست خائفاً على مصر طالما فيها سيدات مثلك”.
الإصرار على العمل رغم بلوغ الـ 87
وهى تكمل عامها الـ87.. إلا انها تصر على مواصلة العمل بالجامعة دون انقطاع, فهى ترى انها لازالت تملك أحلاماً أخرى، ولأنها تحب معملها وتلامذتها وتجاربها، ولأنها “لو لم تذهب للعمل تشعر بالشلل على حد قولها، فهى لم تشعر يوماً ما بالملل من العمل والبحث، ودائما تشعر بمسئولية تجاه الأجيال الجديدة والشباب.
تقول انها تشعر بالفخر أنها أدخلت دراسات الليزر فى مصر، وأسست أول مركز لعلومه فى مصر وإفريقيا، خاصة أنه وقتها لم يكن هناك من العلماء من يدرك أهمية علوم الليزر ومستقبله.
الاتجاه إلى الليزر رغم أن تخصصها فيزياء نووية
بعد توقف مفاعل أنشاص فى مصر، جاءتها فرصة من دولة ألمانيا للتبرع لمصر بجهاز ليزر فائق وغالى جدا سحيقق نقلة لمصر فى هذا المجال، وكان الشرط أن يدخل دورة العمل مباشرة، ولم يكن فى مصر من يجيد التعامل معه، فطلبت منها الجامعة تغيير مجالها من الذرة لليزر وان تعمل على الجهاز، فى البداية رفضت ثم راجعت نفسها ووافقت، وانطلقت بعدها تستخدامات الليزر فى مصر.
طول الوقت كان هناك عقبات فى كل شىء، بداية من دخولها كلية العلوم، إما لأنها سيدة، أو لضعف التمويل، أو لأمور متعلقة بأولويات الدولة، لكن فى موضوع الليزر يسّرها الله بمن قام بالدعاء لها، ووقتها كان لابد من بناء مركز ذو طابع خاص داخل الجامعة، وذهبت للدكتور كمال الجنزورى، وكان وزير تخطيط حينئذ، وطلبت منه مساعدتها من أجل الحصول على تمويل من أمريكا لشراء أجهزة أخرى، وبالفعل, وساعدها الجنزوري فى الحصول على التمويل، واستطاعت من خلال تلك الأجهزة إنجاز مجموعة رائعة من الأبحاث، وحدث تبادل بين مصر وأمريكا وألمانيا وفرنسا فى الأبحاث والدراسة والتطبيق.
لقب “أم الفيزياء النووية”
اختارات الدكتورة لطيفة ذلك المجال لأنها كانت تحب العلوم والمعامل، وحينئذ لم تكن الفتيات يقبلن على العلوم المعقدة، فكانت هي أول فتاة تحصل على درجة الدكتوراة فى الفيزياء النووية، ومع مرور السنين والأبحاث والنجاحات ظهر لقب “أم الفيزياء النووية”، والحقيقة أنها كنت محظوظة بأسرتها وعائلتها ودعمهم لها، خاصة زوجها الذى وافق على تأجيل حلمه بالإنجاب فى بداية الزواج, لمدة 7 سنوات لأنها كانت حينئذ تعمل فى مفاعل أنشاص وخشيت أن يتضرر الجنين من التعرض لبعض الإشعاعات.
توقف الحلم
للأسف توقف ملف الطاقة الذرية تماماً بعد العدوان الثلاثي على مصر, رغم التفوق المصري على كل الدول التى حولها بمن فيهم دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكانت الأبحاث المصرية أكثر تطورا منهم، لكن فجأة توقف التمويل، وأصبحت مصر غير قادرة على شراء المعدات، أو تنفيذ عمليات الصيانة، أو تطوير الأدوات، ففهمت الدكتورة لطيفة أنه لم يعد من أولوية القيادة السياسة، وللأسف البعض من العلماء أصيب بإحباط، وسافر وهاجر بعضهم إلى روسيا وأمريكا، لكن هي وبعض الزملاء أصرت على البقاء فى مصر والتطوير فى مجالات أخرى.
لا أنسى أبدا أنه ذات مرة عندما رأنى وتعرف عليّ، أوقف حديثه وقال لى :”أنا مش خايف على البلد طالما فيها ستات زيك كده، طول ما أنتم موجودين أنا بالنسبالى ده كفاية”، وكانت تلك الكلمات حافزا كبيرا لى على مدار سنوات عملى.
هى والسادات
لم تلتقى العالمة المصرية بالرئيس السادات سوى مرة واحدة، لكن علاقتها كانت قوية بزوجته السيدة جيهان السادات، بحكم أنها كانت تدرس بجامعة القاهرة وقتها، وكانت تحب دعم المرأة بقوة، وتتذكر أنها أرسلت لها ذات مرة لزيارتها، وفوجئت بها تطلب منها الاستعداد للترشح للانتخابات عن دائرة مصر الجديدة، فاعتذرت لها وقالت لها: “يافندم أنا بتاعت علم ومعامل فقط”.
لم قرينة السادات تكن سعيدة، برد العالمة المصرية, وحكت لها أنها لم تستطيع الحصول على حقها فى رئاسة القسم داخل كليتها لأنها امرأة، فكيف ستنجح فى الانتخابات، فانزعجت زوجة الرئيس جدا، وما كان منها إلا أن رفعت سماعة التليفون فورا واتصلت بعميد الكلية، وقالت له “إنت معطل توقيع قرار الدكتورة لطفية ليه”، فقال لها “أبدا يافندم دى إجراءات”، وفى خلال 24 ساعة بعد المكالمة كانت كل الإجراءات انتهت وصدر قرار تعيينها رئيساً للقسم بفضل مكالمة من جيهان السادات.!!
السيرة العلمية
- ولدت الدكتورة لطفية النادي في يوم 11 أغسطس عام 1934،
- رغم أن مجموعها كان يدخلها كلية الطب إلا أنها التحقت بكلية العلوم، وحصلت على بكالوريوس العلوم بتقدير امتياز.
- أكملت تعليمها فحصلت على الماجستير والدكتوراه.
- تم اختيارها للعمل كمعيدة بكلية العلوم، إلا أنها فضلت العمل في هيئة الطاقة الذرية، وعملت بالفعل لسنوات في مفاعل أنشاص.
- بسبب الحروب التي خاضتها مصر ولضعف التمويل والإنفاق على مشاريع الطاقة الذرية، تحولت للعمل بالجامعة وتدرجت في المناصب حتى وصلت لمنصب رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم جامعة القاهرة.
- ينسب إليها الفضل في تأسيس المعهد القومي لعلوم الليزر، والذي تولت رئاسته لسنوات طويلة منذ إنشائه حتى أحيلت للتقاعد.
- عضو في كثير من المؤسسات العلمية العالمية، كما تم انتخابها عضوا باللجنة الدولية لليزر فائق القدرة، وأشرفت على العشرات من رسائل الماجستير والدكتوراه، كما دربت عشرات الباحثين في مجال الليزر.
التكريمات
حصلت الدكتورة لطفية النادي على جائزة الدولة التقديرية، وحصلت على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، كما كرمتها الحكومة الفرنسية بمنحها وسام فارس سنة 2004، وما زالت الدكتورة لطفية النادي تذهب للجامعة حتى الآن، لتلتقي تلاميذها وطلابها الذين تعلمهم وتنقل لهم خبراتها التي كونتها عبر عشرات السنين.