لم تقتصر الإسهامات العربية الإسلامية في الحضارة الإنسانية على الرجل فقط، بل شملت المرأة أيضًا إحدى هؤلاء العالمات؛ وهي مريم الأسطرلابي (أو الأسطرلابية)، والتي نبغت في مجالات الفلك، والرياضيات، والهندسة. ولم نقع لها على تاريخ وفاة أو ميلاد، ولكن الثابت في المراجع أنها عاشت في العصر العباسي بفترة حكم سيف الدولة الحمداني
انها ابنة العالم الجغرافي والفلكي المشهور كوشيار الجيلي المتوفى سنة (420هـ/ 1029م) لتبدع وتصمم وتصنع آلة الأسطرلاب «المعقَّد».
Table of Contents
علم الأسطرلاب
وعلم الأسطرلاب لمن لا يعرف – أو الأصطرلاب – هو فرعٌ من فروع علم الهيئة الذي يقصد به علم هيئة السماء. ويتناول دراسة الأجرام السماوية البسيطة، ومواقعها، وحركتها الظاهرة بالقبة السماوية، وضبطها؛ فيُعَرِّفه حاجي خليفة بكتابه «كشف الظنون» قائلًا: «هو علم يبحث فيه عن: كيفية استعمال آلة معهودة (يقصد آلة الأسطرلاب)، يتوصل بها إلى معرفة كثير من الأمور النجومية، على أسهل طريق، وأقرب مأخذ، مبين في كتبها كارتفاع الشمس، ومعرفة الطالع، وسمت القبلة، وعرض البلاد، وغير ذلك».
أصل كلمة أصطرلاب أو أسطرلاب
«وأصطرلاب: كلمة يونانية، أصلها بالسين، وقد يستعمل على الأصل، وقد تبدل صادًا؛ لأنها في جوار الطاء، وهو الأكثر، يقال معناها: ميزان الشمس، وقيل: مرآة النجم، ومقياسه. ويقال له باليونانية أيضًا أصطرلافون،
الجدير بالذكر أيضًا هنا أن نذكر أن أول اختراع له كان بمدينتنا الإسكندرية بالعصر الإغريقي على يد الإغريقي كلاوديويس البطلمي سنة (320 ق.م
الأسطرب لا والـ جي بي إس
وأيًّا ما كان تعريفه، وإذا ما قارناه بمثيله بوقتنا الحالي نستطيع أن نقول إنه الـ«GPS» (Global Positioning System) – النظام العالمي لتحديد المواقع – ومن هنا نرى الإسهام الهام لمريم الجيلي بابتكارها الاسطرلاب المعقَّد، والذي كان نواة لهذا النظام العالمي؛ حيث تعددت أنواع الاسطرلابات وقتها ما بين: الأسطرلاب المسطح (ذي الصفائح)، والأسطرلاب الكروي، والأسطرلاب ذي الحلق.
كان لابتكارها وتصنيعها لهذا الأسطرلاب بالغ الأهمية في كيفية الرصد، وتحديد الأماكن والمواقيت، وتحديد الأشهر والتقاويم أيضًا. وإن لم يأتِ ذكرها في كتب التراجم والسير العلمية تفصيلًا دقيقًا عن حياتها، وكيف عاشت وتوفيت هذه العالمة، غير أنها أسهمت في نقلة علمية في مجال علم الفلك وتصنيع الأسطرلابات لتظل سيرتها باقية الذكر ليومنا هذا.
وفقًا لكتاب «طبقات المحدثات» للباحث محمد أكرم ندوي – الباحث بمركز أكسفورد للدراسات الإسلامية.
ولم يقتصر دور العالمات على الحديث فقط، بل سائر العلوم الدينية؛ فنجد كثيرًا من النساء الفقيهات اللاتي ورد ذكرهن بموسوعة «الضوء اللامع لأهل القرن التاسع» للعلَّامة شمس الدين السخاوي، ليصل عددهن ما بين فقيهة ومحدثة إلى ما يربو على الألف. هذا فضلًا عن النساء اللاتي اشتهرن في مجالي الأدب والشعر؛ حيث يزخر تاريخنا بهن.
أمجد المحمدي