يكشف كتاب «مفاهيم حقوق الإنسان والدولة في الإسلام» لمؤلفه شمس الدين الكيلاني بطريقة مبهرة ما يختزنه الإسلام من بذور حول حقوق الإنسان ودولة الشورى.
مفاهيم حقوق الإنسان والدولة في الإسلام
وقد سجل الخطاب القرآني والحديث الشريف بداية انبثاق المكانة اللائقة المعطاة للشخص البشري وتكريم الإنسان بالاستخلاف في الأرض، فأزيل الطابع الأسطوري عن العالم..
واستبدل سيناريو البعث الدوري للعالم بسيناريو جديد يعطي القيمة الكبرى للأحداث الإنسانية باعتبارها تجسيداً لإرادة الله في التاريخ، بعد أن صار البشر خلفاء الله هذه التجربة من الوعي التاريخي المرتكز على الإيمان والمسؤولية الفرديين أمام الله، تستدعي تكاثف الجهود من أجل التلاقي مع إرادته المتعالية، لقد بشر الإسلام بالمساواة والإخاء الإنسانيين وبشر بوصايا للإنسانية: «لا تقتل، لا تكذب، لا تقترف الزنى»، و«أمر بالمعروف ونهى عن المنكر»، وكلّها وصايا تشكل ضمانة مطلقة لصيانة الحقوق التعاقدية للمدنية الحديثة.
منذ انقضت التجربة النبوية في المدينة، يضاف إليها تجربة الخلفاء الراشدين الأربعة، ما انفك المسلمون يحلمون باستعادة «مدينة فاضلة» تحكمها المبادئ التي طبقها النبي وأصحابه الخلفاء الأربعة، لذا يمكن تمييز لحظتين تاريخيتين مرّ بهما الوعي الإسلامي بحقوق الإنسان، فهناك اللحظة القرآنية/النبوية، واستمرارها، وتليها اللحظة الفقهية، التي عمل بها كلّ مذهب على حدة.
فإذا ما قارنا النصوص التدشينية الكبرى (القرآن، الحديث، المعاني التي قدمها العهد الراشدي) سنجدها مشبعة باهتمام عميق بالإنسان وبحقوقه وبعظمته، وبالتأكيد على قيم العدل والمساواة، والأخوة الإنسانية التي لا تكترث باللون أو العرق، وتشكل أصولاً حية لحقوق الإنسان المعاصرة.
إنّ مصطلح طاعة الله يقوم على الإقرار بالوحدانية، وسيرتكز على النطق بالشهادة وزاد في تكريم الإنسان بأن حوله خليفته في الأرض، وهذا التكريم ينعكس في حماية الروح البشرية، كما حرّم الانتحار وقتل الجنين، والميثاق بين الناس، سمّاه الشورى «وشاورهم في الأمر».
وحمّل جميع الأفراد مسؤولية حماية العدل «كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته» والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم فرائض الإسلام، وصار ميزان التفاخر الوحيد لديهم، هو السمو الأخلاقي، وما يقدمه المرء من صالح الأعمال، واعتبر الإسلام «الحرية» هي الأصل، وأكد على حرية العبيد، وكرم بني آدم دون تمييز بين الرجل والمرأة، وحرم وأد البنات.
وسخر من حزن العرب حين يرزقون بإناث، وأعطى حقوق المرأة في الإرث والطلاق، ويضع شرطاً قاسياً للزواج بأربعة: «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة». ولم يجبر أهل الكتاب على الإسلام، وكرس لهم حقوقاً معترفاً بها، العدل، وحق المقاضاة: التوحيد، ونزعة المساواة، سيتألف معهما مبدأ العدل «إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان»، وهذه المفاهيم زحزحت المفاهيم القبلية وهذبت الأخلاق.
في العصر الحديث خضع تطوّر الدولة العربية والإسلامية لتطوّر خاص لا يمكن إرجاعه إلى مفاهيم دولة الخلافة، أو إلى تجربة بناء الدولة، لقد لعبت الهيمنة الغربية والنضال من أجل الاستقلال الوطني والقومي، دوراً حاسماً على تطوّر الدولة، وعلى طريقة أدائها وتركيبها ووظائفها، وعلى شكل خاص من الشرعية، وهذا ما جعل مسألة الحداثة تطرح في سياق مختلف عمّا جرى عليه في أوروبا الحديثة، حيث احتلت مهام التحرّر القومي مكان الصدارة في سلّم أولويات الحداثة.
عن البيان الاماراتية