تمتلك إسرائيل منظومة من أقمار التجسس الصناعية، تشتمل الآن على خمسة أقمار تجسس تختلف أعمارها في الفضاء وهي: “إيروس- أ1 EROS-A1″، و”إيروس – ب EROS-B” وقد أطلقا في الفضاء في ديسمبر/كانون أول 2000 وأبريل/نيسان 2006 على التوالي؛ و”أفق 5″ و”أفق 7″ اللذان أطلقا في مايو/أيار 2002 ويونيو/حزيران 2007 على التوالي, وأخيرا “تك سار TecSAR ” الذي أطلق في يناير/كانون ثاني 2008 من الهند.
وبالإضافة إلى ذلك هناك محطات القيادة والسيطرة على الأقمار الصناعية، وهي منشآت تحت الأرض، ثم هناك “مركز فك الشفرة الاستخباراتي الموحد”.
وقد بنيت هذه الأقمار كلها بواسطة شركة الصناعات الجوية والفضائية الإسرائيلية.
ويزود قمرا “إيروس” من شركة “إيمدج سات” التابعة لشركة الصناعات الجوية والفضائية الإسرائيلية “IAI” المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية بالصور، ولكنهما أيضا يخدمان جهات تجارية وحكومات أجنبية. أما قمرا ” أفق 5″ و”أفق 7″ فيعتبران أكثر الأقمار العاملة ذات القدرات العالية.
ورغم تقادم القمر “أفق 5” فإن منظومة الأقمار الصناعية تعتبره “طليعة في الفضاء”، ويقولون إنه ما زال يحقق نتائج ممتازة، وإنه مازال يعمل بدقة، ويستخدمونه في الأغراض التي يرونها مناسبة له، وقد رفعت قدراته بإضافة برامج جديدة.
أما “تك سار TecSAR” فيصفه المسؤولون عن إدارة الأقمار الصناعية الإسرائيلية بأنه بإطلاقه وجدوا أنفسهم في عالم جديد، وبأنه من الأقمار الأكثر تقدما، ويكمله نظام رادار يجعله “يرى” في جميع الظروف بما فيها السحب والدخان والغبار التي عادة ما “تعمي” مؤقتا الأقمار الأخرى، وأنه يزودهم بقدرات إستراتيجية وتكتيكية.
إن إطلاق هذا القمر قد دفع بإسرائيل إلى قمة نادي الدول القادرة على إنتاج الأقمار الصناعية. ويرى أحدهم أن مسؤولا دفاعيا لم يكن يمزح حينما قال “لدينا القدرة على أن نرى شعر وجه أحمدي نجاد”.
وتضم محطات القيادة والسيطرة على الأقمار الصناعية ضباطا من عمر 20 سنة وجنودا من عمر 19 سنة يقومون بتشغيل نظم استخباراتية قيمتها مئات ملايين الدولارات.
وقد انتخب هؤلاء من النوعيات ذات الصفات الشخصية الممتازة. وعادة ما يجند ثلاثون منهم سنويا ممن حصلوا على درجات عالية في الرياضيات وعلم الحاسبات في المدارس، ثم يرسلون إلى مدرسة الاستخبارات بعد أن يجتازوا اختبارات جادة حيث يتلقون دورة مكثفة وصعبة تستمر خمسة شهور ونصف شهر حيث يتحولون إلى رجال أقمار صناعية. وتشتمل كل نوبة عمل على 12 من الضباط والجنود من أولئك الذين يشكلون الوحدة.
أما “مركز فك الشفرة الاستخباراتي الموحد” فهو يتلقى أوامر التشغيل من وحدات القوات الإسرائيلية التي تحتاج إلى صورة أقمار صناعية، ويقوم المركز بالعمل كمقاول ملتزم، وينفذ المهمة حيث يبدؤون في تحديد المطلوب ودرجة أسبقيته، وبناء عليه يقومون بإصدار الأوامر إلى القمر الذي يحددونه، حيث يقوم عامل التشغيل بتحديد زاوية الكاميرا (أو الرادار في حال تك سار) مستخدما مجموعة من الأوامر التي يتوقع أن تحقق أفضل النتائج، حيث يوفر كل عبور للقمر فوق المنطقة كمية ضخمة من المعلومات.
وتعتبر صور القمر الصناعي عند وصولها إلى الأرض مادة خام، وتستخدم التكنولوجيا المتقدمة لاستخراج مطالب العميل الذي طلب الصور، والذي قد يكون رئيس الأركان أو قائد كتيبة في الميدان، أو قائد سرب يحضر لغارة، حيث يتم عصر كل قطرة من المعلومات قدر الاستطاعة منها بحيث يتلقى العميل التفاصيل التي طلبها، وقد تشتمل على بعض المفاجآت.
وفقا لمقال نشر في صحيفة “يديعوت أحرونوت ” يوم 7 مارس/آذار نقلا عن مصادر خارجية استطاعت إسرائيل أن ترصد أثر الأسلحة المهربة من إيران إلى سوريا، ومن هناك إلى حزب الله عن طريق أقمار التجسس الخاصة بها، كما استخدمت القوات الجوية الإسرائيلية معلومات أقمار التجسس في العملية التي قامت بها في المراحل الابتدائية من الحرب الثانية في لبنان بهدف تدمير صواريخ حزب الله ذات المدى البعيد.
كما تشير إلى أن استخدام أقمار التجسس لم يقتصر على العمليات الكبيرة حيث تستخدم أجهزة الأمن الإسرائيلية معلومات أقمار التجسس في العمليات الروتينية اليومية، وأن الصور ذات النوعية العالية التي تحصل عليها أقمار التجسس تساعد جهاز الأمن الداخلي “شين بيت” والوحدات الخاصة في التخطيط لعملياتها ذات الدقة الجراحية.
كذلك فإن بعض أكثر العمليات جرأة لقوات النخبة من الجيش الإسرائيلي نفذت معتمدة على معلومات تلقتها من صور أقمار التجسس الصناعية.
ويشير نفس المقال إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يتلقى صورا من أقمار التجسس عن إتمام كل مرحلة من المفاعل النووي في بوشهر، وتوثق هذه الصور أحداثها في نفس اليوم.
وأن هذه الصور عادة ما تكون واضحة جدا، ولم تترك فرصة للشك في أن إيران تتجه إلى أن تكون دولة نووية. ومن المفترض أن الاهتمام بهذا الأمر تجري الإجابة عنه بواسطة أقمار تجسس متعددة تعمل طوال الزمن ويغطي كل منهم قدرات القمر الآخر.
كذلك فإن مجلة “أفييشن ويك” نشرت تقريرا يقول إن أقمار التجسس الإسرائيلية لعبت دورا هاما في إزالة المنشأة النووية السورية. وقالت إن مصدرا إسرائيليا قال إن المنشأة لم تكن محاطة بوسائل دفاع جوي كثيرة.
وزعمت “أفييشن ويك” أن المعلومات جاءت من القمر “أفق 7” الذي يمكنه أن يكتشف أهدافا “أقل كثيرا من نصف متر” وأن هذه المعلومات نقلت إلى الوحدات التي قامت بالهجوم على المنشأة النووية.
كما ذكرت المجلة أن صور القمر نقلت مباشرة إلى “عقل” قنبلة فضائية قامت شركة “رافائيل لنظم الدفاع المتقدمة” بتطويرها، وأنه بفضل التكنولوجيا المتقدمة التي ساعدت القنبلة على مطابقة صورة الأرض الفعلية بالصور التي التقطها قمر التجسس، أمكن اكتشاف الهدف وتدميره.
وبالنسبة للفشل فرغم ما نشر في الصحف والمجلة الأخيرة فإن الواقع يقول إن النجاح لم يصاحب إسرائيل كثيرا رغم أقمار التجسس الصناعية التي لديها والتكنولوجيا المتقدمة التي تحدثت عنها.
فيمكن منذ البداية التسليم بأن أقمار التجسس الإسرائيلية قد أفادتها كثيرا في مجال الحصول على المعلومات، وأن معلومات أقمار التجسس كان لها دور في نجاح بعض أعمال القوات الإسرائيلية، لكن هذا أقل بكثير مما جاء على لسان المسؤولين في أحاديثهم إلى الصحافة، وأن إسرائيل لم تستطع أن تحقق فائدة كبيرة من هذه الأقمار.
فالقول إن إسرائيل استطاعت تتبع تدفق الأسلحة من إيران إلى سوريا إلى حزب الله ينقصه الدليل حيث من المستبعد أن تحصل إسرائيل على هذه المعلومات ولا تعترض تيار الأسلحة أو تخطر الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية بها بحيث يمكن اعتراضها.
ثم إن القول إن معلومات الأقمار ساعدت القوات الجوية الإسرائيلية على تدمير صواريخ حزب الله في المرحلة الأولى من حرب لبنان غير صحيح حيث استمر إطلاق الصواريخ بعيدة المدى على إسرائيل حتى يوم وقف إطلاق النيران.
أما عن أن معلومات أقمار التجسس الخاصة بإيران وأنها لم تترك مجالا للشك بأنها في طريقها إلى أن تكون دولة نووية، فمن المؤكد أنه لو أن لدى إسرائيل معلومة مؤكدة عن اتجاه إيران نحو التسلح النووي لكانت قد نقلتها إلى الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية ولكفت الولايات المتحدة الجدل القائم حول هذا الموضوع، بل لكانت الولايات المتحدة وإسرائيل ربما لم تنتظرا تصرف الأمم المتحدة وقامتا بمهاجمة الأهداف النووية الإيرانية.
أما عن دور الأقمار في الضربة الإسرائيلية ضد منشأة سورية نووية، فقد استطاعت إسرائيل تدمير المنشأة، لكنها لم تثبت بأي حال أنها منشأة نووية، كما أن سوريا أعادت بناءها ولو كانت نووية لما فعلت ذلك.
وهذه كلها أمثلة توضح الفشل في الماضي، أما الحاضر فإن استمرار انطلاق الصواريخ الفلسطينية من قطاع غزة يوضح مدى استمرار فشلها حتى بعد انطلاق القمر “تك سار”.
تتطلب مواجهة التحدي عربيا أولا التنسيق والتعاون بين القوات العربية وأساسا العمل على تحقيق أكبر درجة من السرية والإخفاء والخداع، وتغطية كل ما يمكن أن يشكل معلومات وهدفا لأقمارالتجسس الإسرائيلية، حيث إنه لا سلسلة “أفق”، ولا “تك سار” قادرة على الكشف عما هو تحت ساتر، وربما يكون هذا هو السبب الأكبر للفشل الإسرائيلي.
كذلك يمكن تقليل فرصة تعرض الهدف للاستطلاع الفضائي سواء بتقليل الفترة عموما أو بتفادي فترة عبور القمر لفضاء البلد وهي فترة قليلة نسبيا ولكن ذلك يتطلب معرفة توقيتات عبور القمر.
ثم إن هناك الخداع الذي يعتمد على إظهار الغرض على شكل مخالف لطبيعته وحقيقته سواء بإعطائه أهمية أكبر أو أقل من حقيقته. وإذا كانت بعض الأقمار تتأثر بالدخان والسحب والغبار فيمكن الاستفادة من وجودها في إخفاء المعلومات الهامة.
من جهة أخرى أثبتت حرب لبنان عام 2006 أن تقليل فترة تعرض الأسلحة وأطقمها وانسحابها إلى ملاجئ بمجرد انتهائها من تنفيذ مهمتها، يقلل من قدرة أقمار التجسس والوسائل الأخرى للحصول على المعلومات وبالتالي العدو من الاستفادة الأقمار.
وفي النهاية فإن مواجهة تحدي أقمار التجسس ممكنة عن طريق التصدي لها وتدميرها، وهو احتمال بعيد حاليا عن إمكانيات الجهات والقوى العربية، لكن ليس من المستبعد تماما أن يقوم طرف دولي بتدمير قمر تجسس إسرائيلي إذا تأكد له أنه يتجسس عليه، وهنا تستفيد الأطراف العربية معه.
وظيفة أقمار التجسس هي الحصول على معلومات، وإسرائيل في حاجة إلى أقمار للحصول على معلومات عن وطن عربي يمتد من الخليج إلى المحيط ومن المتوسط إلى خليج عدن.
والعرب ليسوا في حاجة إلى ذلك لوجودهم متداخلين في الأراضي المحتلة في فلسطين وحول إسرائيل بحيث يمكنهم الحصول على معلومات عن قوات إسرئيل بالعين المجردة، كما يمكنهم الحصول عليها بجميع وسائل الاستطلاع الأخرى، ودون الاستعانة بأقمار تجسس، ومثال ذلك التصوير الجوي المائل من داخل حدود الدولة المجاورة.
لكن هذا يتطلب تنظيما وتنسيقا للحصول على المعلومات، وتوفير وسائل الاتصالات التي تنقل هذه المعلومات فورا أو في أقل زمن ممكن.
كما يمكن الحصول على معلومات من دول أخرى في حال إمكان التعاون مع الدول، وخاصة الدول الإسلامية ودول عدم الانحياز، لكن ذلك يتطلب ترتيبات تختلف عما هو قائم بعد توقيع معاهدات مع إسرائيل.
خبير عسكري مصري
طلعت مسلم