نجوم العلوم ..
نقطة مضيئة في سماء الإعلام العربي
بقلم : د. مجدى سعيد
أن تظل إيجابيا، أن تظل تضع بصمتك وتضيف إلى من حولك: أسرتك، قريتك، مجتمعك، أمتك، للإنسانية، بالعلم والتنمية، تبتغي مرضاة الله، قبل ثناء من حولك، هذا هو معنى وجودك في الحياة، وإلا فإنك تفقد هذا المعنى، ويفقد الآخرون قيمة وجودك بينهم .. هذا ما نعتزم تقديمه في هذه الزاوية التي تحمل عنوان “نقاط مضيئة” والتي نقصد بها الأفراد والمبادرات والمسابقات والفعاليات والأنشطة والجمعيات والمؤسسات بل وحتى القرى والأحياء والمجتمعات والشركات والكليات والمراكز التي تقوم بعمل نشاط إيجابي متميز في مجالات العلوم و/ أو التنمية الدائرة الجغرافية للاهتمام تشمل بالأساس مصر والعالم العربي (وأحيانا خارج هذه الدائرة)، الهدف من تلك الزاوية هو بث الأمل من خلال مثل تلك النقاط المضيئة، في أن الناس قادرون على إيقاد الشموع حتى في أحلك الليالي سوادا، وأنهم قادرون على الخروج من دائرة لعن الظلام.
***
في مقالي الأول في إطار تلك الزاوية أود أن ألقي الضوء على حدث إعلامي/ علمي ، وهو برنامج “نجوم العلوم”، وهو البرنامج الذي يعد بحق نقطة فريدة وسط عدد ضئيل من النقاط المضيئة في بحر من الظلمات الإعلامية التي تحيط بنا.
تأتي فرادة البرنامج من أنه ربما يكون البرنامج العلمي الأكثر جذباً والذي ينافس في شهرته وجذبه تلال البرامج والقنوات الترفيهية والرياضية (الكروية تحديدا) والسياسية والدينية (وهي الدوائر الأربع التي تحظى بنصيب الأسد وسط مجالات عمل الإعلام الفضائي العربي، ويكفي للدلالة على هذه الحظوة لدى الجمهور أن المعجبون بصفحته على الفيسبوك يبلغون 2 مليون و 300 ألف تقريباً.
السبب الثاني في فرادة البرنامج تأتي من كونه جاء منذ عام 2009 بمبادرة ودعم كامل من مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع Qatar Foundation وهي المؤسسة العلمية الرئيسية في دولة عربية ووجه الفرادة هنا هو كون المؤسسة مؤسسة رسمية (حكومية)، وهذا شيء فريد في عالمنا العربي، فنحن نعرف مثلا قناة للبحث العلمي تدعمها أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان، وأقدم دولة عرفت العلوم والبحث العلمي في العالم العربي الحديث ومع ذلك فلا هي تحظى بالدعم المادي الكافي، ولا تتمتع بمثل هذه الجماهيرية.
السبب الثالث لفرادة البرنامج هو أنه عرض على واحدة من أهم الفضائيات المعروفة بتركيزها على الترفيه وهي فضائية إم بي سي 4، ومن ثم فهو يقدم الدليل والبرهان العملي على إمكانية أن تنافس العلوم صناعة الترفيه في عقر دارها، ومن هنا يأتي السبب الرابع لفرادة البرنامج، وهو أنه يقدم الدليل والبرهان العملي على أن الجمهور يقبل على العلوم، عندما تقدم له بشكل جذاب، وهو ما يرد على مقولة “الجمهور عاوز كدة” المنتشرة على أفواه ملاك ومنتجي السفه الإعلامي والسينمائي.
أما سر تميز البرنامج فهو أنه قد بنى على التيمة التي استشرت في العالم العربي منذ عدة سنوات وهي تيمة “تلفزيون الواقع” ومن ثم فإن إدارة البرنامج تصفه بأنه من نوع Docu-reality أي الواقعي الوثائقي، وهي التيمة التي اشتهرت أكثر في مجال الفنون (الغناء بشكل أكبر)، ولكنها أثبتت حضورها هنا في مجال العلوم أيضا. السبب الثاني لتميز البرنامج هو القيمة المالية العالية للجوائز التي تقدم، والتي تبلغ 600 ألف دولار، موزعة على أربعة مستويات (300، و150 و100، و50 ألف دولار على التوالي)، والتي يأتي تحديد الفائزين بها عبر تقييم مستفيض من قبل لجنة تحكيم علمية عالية المستوى، ومن خلال تصويت الجمهور عبر الهاتف والرسائل النصية القصيرة عبر الجوال.
كما قلنا فإن البرنامج كان قد ظهر في عام 2009، على خلفية اهتمام شبابي متصاعد بالمسابقات العلمية وبالاختراع والابتكار – سوف يأتي الحديث عن تجلياتها في مقالات قادمة إن شاء الله – وقد مثل هذا الاهتمام حالة من الحراك في المياه الراكدة للتوعية والتنشئة العلمية، وفي عام – 2013 – قدم البرنامج الدورة الخامسة له، فبعد حملة بحث واسعة شملت ثلاث مراحل من التصفيات، من ضمنها جولة على ثمان دول عربية تم اختيار ستة عشر شابا وشابة من الشباب العرب من مختلف الجنسيات والاختصاصات الأكاديمية من قبل لجنة تحكيم من كبار المتخصصين في مجالات الهندسة والعلوم والتصميم وإدارة الأعمال، وفي كل مرحلة من هذه المراحل الأربعة تقوم لجنة تحكيم مؤلفة من مجموعة من الخبراء من أعضاء دائمين وزوار متخصصين بتقييم المشتركين ومشاريعهم. للمشتركين العشرة المتأهلين من مرحلة الإثبات الأولي للفكرة الحق في اختيار شريك عمل ينضم إليهم في المختبر لمساعدتهم خلال المراحل المتقدمة. أما الحفل الختامي الضخم للبرنامج/ المسابقة فقد جمع المشتركين الأربعة المتأهلين من مرحلة الإدارة والتسويق لإطلاق مشاريعهم رسميا.
تجاوز مرحلة التصميم خمسة من المشاركين الستة عشر، وهم من انحصرت بينهم المنافسة للفوز بالجوائز الأربع، وهم على الترتيب وفقا لدرجاتهم في تلك المرحلة محمد دومير من الجزائر بابتكار أحذية تشخيصية للهجن، ووليد جان من السعودية بابتكار تحرير ميكانيكي للغة الكفيف، ومحمد الكواري من قطر بابتكار لتحكيم آلي لأهداف كرة القدم، وشريف يحيى من مصر بابتكار برنامج مترجم لأصوات البكم، وأخيرا أنور المجركش بابتكار وسادة ذكية للصم.
تبقى القيمة الأساسية للبرنامج في أنه يغرس الشغف بالعلم في أوساط أجيال من الشباب العربي، لأنه يجعل التميز العلمي أساسا للمنافسة، كما أنه لا يغرس هذا الشغف كحالة شعورية ولا شعورية فقط، بل إنه من خلال المراحل المختلفة للمنافسة، والمناقشات التي تتم مع لجنة التحكيم عن الابتكارات والمشاريع البحثية، والمشاركة الجماهيرية المطلوبة من الجمهور في تقييم المتنافسين وما يقدمونه، كل ذلك يعلم المشاركين والجمهور المشاهد والمتابع ماهي متطلبات المراحل المختلفة لتحويل الأفكار إلى منتجات، وهو ما يساهم في تعميق حالة الحراك العلمي الشبابي في العالم العربي، وربما يساهم في تحويل تلك الابتكارات إلى منتجات عربية بالفعل، وهو ما يرجح بقيمته ربما المئات من البرامج الفضائية التي تنفق عليها المليارات دون طائل يذكر.