نقص اليود يهدد 1500 مليون فرد في العالم بالتخلف
تشير تقديرات “منظمة الصحة العالمية” إلى أن هناك نحو 1500 مليون فرد في العالم يسكنون في مناطق تعاني من ندرة في وجود عنصر اليود، وبالتالي فهي عرضة للإصابة بمضاعفات نقص اليود في الجسم، وهذه المناطق توجد بنسبة 90% في قارتي آسيا وإفريقيا، ويوجد نحو 20 مليون طفل في العالم يعانون من إحدى درجات التخلف الناتج عن نقص اليود.
وأظهرت دراسة أجراها “معهد بحوث تغذية الطفل” في ألمانيا إلى أن أكثر من مليار شخص في العالم يعانون من نقص اليود، الأمر الذي يعرضهم لخطر إصابة أكبر بمرض “الدراق” أو بتضخم الغدة الدرقية، إضافة إلى اعتلالات ملحوظة في النمو واضطرابات ذهنية ونفسية وحركية.
وأكد د. “توماس ريمر” – الاختصاصي في المعهد – ضرورة اهتمام الدول الصناعية بتوفير عنصر اليود في التربة، واستندت الدراسة إلى متابعة نوعية الغذاء ومستوى اليود في 3 رجال تراوحت أعمارهم بين 31 عامًا إلى 49 عامًا و3 نساء كان متوسط أعمارهن 24 عامًا إلى 25 عامًا، بحيث تناولت عينة البحث ثلاثة أنواع مختلفة من الأغذية شملت غذاء عاديًا يضم مواد حيوانية ونباتية وغذاء شبيهًا ولكنه غني بالبروتين وغذاء نباتيًا لبنيًا (أي يحتوي على الخضراوات ومنتجات الألبان فقط)، لمدة خمسة أيام لكل منها ولم يحتو أي من الأغذية السابقة على الملح اليودي أو الأطعمة الغنية باليود.
وأظهرت تحاليل عينات البول بعد 24 ساعة من تناولهم أفراد العينة للوجبات، أن كمية اليود الذي تم طرحة تجاوز الكمية التي تناولها الأشخاص في كل نوع من الغذاء ومع ذلك أظهر الأشخاص الذين تناولوا الغذاء النباتي اللبني أعلى تناقضات، حيث كانت كمية اليود التي طرحوها ضعف ما حصلوا عليه من الوجبات أي 40 مايكرروجرامًا مقابل 20 مايكروجرامًا فقط في الوقت الذي تبلغ فيه الكمية المسموح بتناولها من اليود 150 مايكروجرامًا.
وحذر الباحثون من خطورة أن تبقى كمية اليود منخفضة لأشهر عدة، لأن ذلك قد يؤدي إلى الإصابة بمشكلات تضخم الغدة الدرقية أو القصور الدرقي، مشيرين إلى أن النباتيين الذين لا يتناولون منتجات الألبان الغنية باليود يتعرضون لخطر أعلى.
من أشهر الأمراض الناجمة عن نقص اليود “تضخم الغدة الدرقية” المعروف علميا باسم “الدراق”، الذي يحدث بسبب عدم قدرة الغدة الدرقية على إفراز هرمون “الثيروكسين” لنقص اليود ومع انخفاض هذا الهرمون تفرز الغدة النخامية الهرمون المنبه للغدة الدرقية لتزيد من إفرازها، وفي حالة نقص اليود وازدياد إفراز الهرمون المنبه للغدة الدرقية يكبر حجمها في محاولة لزيادة إفراز الهرمون دون جدوى.
وتظهر علامات نقص هرمونات الغدة الدرقية في الفرد متمثلة في التبلد والخمول والميل للنوم المستمر، وقد يصل الأمر في الأطفال إلى حدوث تخلف في النمو الجسماني والذهني بدرجاته المختلفة، وفي الحالات الشديدة لنقص اليود قد يصاب الطفل “بالقماء” وهي البلاهة مع قصر القامة وتكون غير قابلة للشفاء.
كما يؤدي نقص اليود إلى التخلف الاقتصادي والاجتماعي حيث تنخفض قدرة الناس على التعلم والإنتاج في العمل، وفي المجتمعات الزراعية تتأثر الحيوانات بنقص اليود فيقل إنتاجها من اللحم واللبن والصوف والبيض وتزيد قابليتها للإجهاض والعقم مما يؤدي إلى الانهيار الاقتصادي.
والمعروف أن “اليود” هو عنصر غذائي أساسي وحيوي يدخل في تكوين هرمون الغدة الدرقية اللازم للنمو والتطور الجسماني والعقلي وكثير من وظائف الجسم المهمة، ويعتبر أحد العناصر الأساسية في مكونات التغذية الجيدة.
ويرى الخبراء أن الإنسان العادي يحتاج إلى كميات قليلة جدا من اليود فى الجسم تبلغ 150 ميكروجرام، أي أن الفرد يحتاج طيلة حياته إلى كمية من اليود لا تزيد على ملعقة صغيرة، وبالرغم من ذلك فهو بحاجة دائمة إلى اليود يوميا في ملح طعامه، كما تترواح نسبة احتياج الاطفال والمراهقون من اليود ما بين 90 ـ 150 ميكروجرام من اليود يوميا.
ويوجد اليود في التربة والماء، وتوجد مناطق كثيرة في العالم فقيرة في هذا العنصر خاصة تلك المناطق الجبلية والبعيدة عن البحر وبالتالي تكون الأغذية المنتجة محلياً فقيرة في اليود، سواء كانت أغذية المحاصيل الزراعية أو أغذية حيوانية.
ويختلف نقص اليود عن نقص المغذيات الدقيقة الأخرى في أنه لا يمكن التغلب عليه عن طريق تناول أغذية أخرى من البيئة لأن كل الأغذية فقيرة في هذا العنصر، وعندما تكون التربة غنية بعنصر اليود، تكون الحاصلات الزراعية “الفواكه والخضروات” التي تنمو على هذه التربة والأغذية الحيوانية ومنتجاتها “اللحوم والدواجن واللبن والبيض” مصادر غذائية جيدة له.
ويوجد عنصر اليود بنسبة كبيرة في مياه البحار والمحيطات، وبالتالي تزيد نسبته في الأسماك والنباتات المائية والطحالب والأعشاب البحرية، ومن العوامل التي تمهد للإصابة بنقص اليود الإكثار من تناول بعض الأطعمة التي تحتوي على مركبات تقلل الاستفادة من اليود في الجسم مثل الكرمب والبصل والفت والفول السوداني، المياه المحتوية على نسبة عالية من الكالسيوم والفلورين، التلوث الميكروبي وأمراض نقص التغذية مع انخفاض المستوى الاقتصادي والاجتماعي.
تعمل منظمة اليونيسيف العالمية، بالتعاون مع مجموعة من المنظمات بالصحة في شتى أنحاء العالم من أجل القضاء على نقص اليود من خلال تعميم معالجة الملح باليود، وتعد تجربة دولة الصين واحدة من أهم قصص النجاح في التسعينيات من القرن الماضي، إذ ارتفعت معدلات استخدام اليود من 39 % إلى 95 % على مدى 10 سنوات.
وكانت تجربة المملكة الأردنية من التجارب المهمة على المستوى العربي، حيث حققت زيادة في نسبة اليود من 5% إلى نحو 90 %؛ وفي بنجلادش ازدادت فيها نسبة إضافة اليود من 20 إلى 70 %، وفي بلدان أمريكا اللاتينية مثل بيرو تاريخ طويل من الالتزام بإضافة اليود إلى الملح؛ وفي أفريقيا، تشكل نيجيريا وكينيا قصتي نجاح ملحوظتين.
ومن أسباب النجاح الكبير في معالجة الملح باليود خلال التسعينيات من القرن الماضي الدعوة الواسعة على الصعيد الوطني، بغية بلوغ هدف القضاء على نقص اليود.
وجددت اليونيسف دعوتها إلى الحكومات لكي تلتزم بالقضاء على نقص اليود والتشجيع على مشاركة منتجي الملح كوسيلة لدعم هذه العملية، كما تعمل اليونيسف بنشاط مع المجتمع المدني والمدارس لصنع وزيادة الطلب على الملح المعالج باليود.
وتعد جمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية واحدة من أكثر البلدان تضرراً في العالم بسبب تضاريسها الجبلية ومناخها الذي تهب فيه رياح موسمية، مما يحول دون تمكن التربة من الاحتفاظ بالمغذيات الدقيقة، وبدعم من اليونيسف، تلتزم حكومة لاوس ومنتجو الملح بتحسين التغذية باليود وتنفيذ مشروع “القضاء على الاضطرابات الناجمة عن نقص اليود”، وأسفرت هذه الشراكة عن استخدام أكثر من 90 % من الأسر المعيشية في لاوس الملح المعالج باليود حالياً.
ونجحت الجهود المبذولة من كافة المنظمات والحكومات في الحد من مشكلة نقص اليود في الاطفال الحديثي الولادة من خلال تشجيع استهلاك املاح الطعام المحتوية عليه في العالم خلال العقود القليلة الماضية.
وبالفعل ارتفعت نسبة العائلات التي تستخدم هذا النوع من الأملاح في دول العام النامي من 20 % في عام 1990 إلى نحو 70 % خلال العام 2008 الماضي، ويقدر الخبراء أن ما يقرب من 91 مليون طفل يولدون سنويا في العالم يحظون بالحماية الصحية من نقص اليود من خلال استهلاك هذا النوع من الأملاح.
إسلام نبيل