Table of Contents
كنتاكي.. النجاح يأتي بعد الثانية والستين
- هجر الدراسة ترك المنزل هربا من بطش زوج أمه.. وعمل مساعد حداّد ورجل إطفاء وعامل نظافة
- كان ينام في السيارة ويستحم في الحمامات العامة لكنه كان يردد دائماً لنفسه عبارة “لابد أن تنجح”
- كنتاكي ما زالت تحتفظ بـ”سر الخلطة” المكونة من 11 نوعا من الأعشاب والتوابل في ورقة بخطه
- “هارلاند” عاش حياة تشرد.. وقضى 90 عاماً في الكفاح والعمل دون أن يستسلم لليأس أبدا
- أحد أصدقائه: كان دائما ما يعمل بجد وكد وجهد وتصميم وعزم قلما وُجد في شخص في هذا العمر
- سيرته تؤكد أن العظمة ليست ألا تسقط أبدا.. بل العظمة أن تسقط ثم تعود لتنهض من جديد
ليست العظمة ألا تسقط أبدا، بل العظمة هي أن تسقط ثم تعود لتنهض من جديد، وإن أكثر الناس حكمة ليس هو صاحب أقل الإخفاقات، ولكنه الشخص الذي يحوّل فشله إلى نجاح مبهر.
هذه العبارات تلخص سيرة حياة هارلاند ساندرز، مؤسس سلسلة مطاعم “كنتاكي” الأمريكية الشهيرة، أحد أكثر المطاعم نجاحا حول العالم، وصاحب “الخلطة السرية” لطهي الدجاج، التي توصل إليها الرجل منذ نحو نصف قرن، ولم يُكشف النقاب عنها حتى الآن.
ومسيرة “ساندرز” من الفشل إلى النجاح، هي أمثولة رائعة للكفاح المستمر بلا كلل، فقد بدأ الرجل كفاحه في معترك الحياة صبيا لم يتجاوز بضعة أعوام، ولم يعرف اليأس أبدا، لكنه لم يحقق النجاح إلا بعد أن تجاوز الثانية والستين من عمره!
بحثا عن المغامرات
وُلد هارلاند ساندرز في ٩ سبتمبر عام ١٨٩٠ بمقاطعة “هينرفيل” في ولاية إنديانا الأمريكية، لأسرة فقيرة تتكون من الأب والأم و3 أطفال، وصار “هارلاند” يتيما بوفاة والده مبكرا، إذ لم يكن عمر الطفل يتجاوز 6 أعوام حينما رحل والده فاضطرت والدة “هارلاند” للعمل في مصنع لتعليب الطماطم لكي توفر لأطفالها الطعام.
وكان “هارلاند” يبقى في البيت لكي يرعى أخيه وأخته، ويعد لهما الطعام، ولم يكن يعلم أن هذا العمل الغريب على من في عمره يخبئ له في المستقبل أرباحا بملايين الدولارات، وشهرة عالمية فاقت بعض رؤساء أمريكا.
بدأت مغامرة الصبي “هارلاند” عندما بلغ 10 أعوام من عمره، حيث عمل في إحدى المزارع المحلية. وفي عام 1902 تزوجت والدته برجل آخر، وانتقلت العائلة إلى مدينة “جرين وود” في نفس الولاية. ولم تكن علاقة الزوج الجديد على ما يرام مع أطفال زوجته، فقد كان يعتبرهم مصدر إزعاج دائم، ما دفع “هارلاند” لهجر الدراسة وترك المنزل بعد عام من زواج والدته، وذهب للعيش في مزرعة قريبة حيث كان مكان عمله.
وبعدها عمل في مهنة طلاء عربات الخيول في مدينة “إنديانابوليس”، ثم انتقل مرة أخرى للعمل في مزرعة تقع جنوب إنديانا، وبعدها انتقل إلى مدينة “نيو ألاباني” حيث عمل في وظيفة قاطع تذاكر “محصل” في شركة مواصلات خاصة.
وبحثا عن المغامرات، زوّر “ساندرز” في تاريخ ميلاده ليصبح أكبر من عمره الحقيقي، لكي يتمكن من الالتحاق بالجيش الأمريكي، وأصبح الفتي جنديا وأتم خدمته كسائق شاحنة في كوبا عام 1906. وبعد تسريحه من الخدمة العسكرية عاد إلى عمه مجدداً والتقى هناك بشقيقه الأصغر الذي جاء هارباً من زوج والدتهما، كان عمهما يعمل في شركة قطارات،
فضمن للشاب وظيفة مساعد حداد في ورشة. غير أنه لم يستمر في العمل كثيراً، فبعد شهرين انتقل إلى مدينة “جاسبر” ليعمل كعامل نظافة مهمته تنظيف أحواض القطارات من الرماد عند وصولها إلى المحطة، فقد كانت القطارات وقتها تعمل بالفحم، كما عمل أيضا “رجل إطفاء”.
وعلى عكس ما هو شائع من أنه لم يستكمل دراسته، عاد “ساندرز” ليدرس مجددا بالمراسلة، واستطاع أن يكمل المرحلة الثانوية، وأن يلتحق بعدها بكلية الحقوق لدراسة القانون في جامعة “لاسال” في إنديانا. واشتغل المحاماة لمدة ثلاث أعوام بعد أن تزوج من فتاة تدعى “كلوديا” أنجب منها ولدا وابنتين.
وانتهى عمل الرجل بالمحاماة بعد أن دخل في شجار مع أحد الموكلين، وقرر أن يرجع إلى حيث تعيش والدته، وعاش هناك فترة مع زوجته، ثم حصل على عمل في السكة الحديد بولاية بنسلفانيا، ثم انتقل بعدها للعمل مع شركة تأمين ولكنه طرد من العمل بدعوى أنه “مشاغب”!
لابد أن تنجح!
انتقل “ساندرز” مع زوجته إلى ولاية نيوجيرسي، ولم يترك باباً للرزق إلا وطرقه، فبعد أن شغل كل هذه الأشغال التي صقلت شخصيته، كان لابد أن يفكر بعقلية رجل الأعمال وليس ذلك العامل الذي ينظف أحواض القطارات.
وكان “ساندرز” يعمل وقتها في محطة للوقود على الطريق السريع المؤدي إلى ولاية “كنتاكي”، ولاحظ أن عددا كبيرا من المسافرين يسألون عن مطاعم قريبة تقدم وجبات سريعة دون جدوى، فخطرت بباله الرجل فكرة تحضير وجبات الدجاج المقلي في مطبخ المحطة وبيعها للزبائن مع سلطة الخضار. وكان يقول: إن أفضل ما فعلته في حياتي هو تعلم الطبخ، وإذا بعت ما أطبخ فإن طعمه لن يكون أسوأ من المأكولات التي تقدم في المطاعم!
وبدأ “سانذرز” وكان قد بلغ الأربعين من عمره، يعد وجبات جاهزة للمسافرين على الطرق في محطات الاستراحة، وطور فكرة قطع الدجاج المقلي الشهيرة في عام 1930، وأنشأ مطعماً صغيرا ليبيع فيه قطع الدجاج المقلي داخل محطة وقود في مقاطعة نورث كوربين بولاية “كنتاكي” الزراعية.ر
وكان ينام في السيارة ويستحم ذقنه في الحمامات العامة لتوفير المال، كما كان يردد دائماً عبارة «لابد أن تنجح».
وبالفعل، لاقت فكرته نجاحاً كبيراً واستحساناً من الناس دفعته إلى افتتاح مطعم صغير إلى جانب المحطة أطلق عليه اسم «ساندرز كورت أند كافيه» ثم ما لبث أن حول المحطة إلى مطعم كان يستوعب 142 شخصاً. (الحربي).
الخلطة السرية.. لدجاج كنتاكي
وتأكيدً لنجاحاته وريادته في عالم الوجبات السريعة في تلك السنوات المبكرة، نجح ساندرز في عام 1940 في ابتكار ما أصبح يُعرف بعد ذلك بـ”الخلطة السرية” التي مازالت سراً غير معروف إلى يومنا هذا، وهي عبارة عن خليط من 11 نوعاً مختلفاً من البهارات والتوابل الخاصة طوره “ساندرز” بنفسه في مطبخه.
كانت الأمور تسير على ما يرام، حتى أن عمدة مدينة “كنتاكي” منح “ساندرز” لقب “كولونيل” وكان عمره آنذاك 45 عاما تقديرًا له على إجادته للطهي. ولكن في مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، تعرضت طموحات “ساندرز”
التجارية لضربة قاصمة، حين تحول الطريق السريع الذي كان مطعمه يقع عليه إلى طريق فرعي، حيث جرى استبداله بطريق آخر جديد أوسع به، الأمر الذي خفض أعداد زبائن المطعم بطبيعة الحال، وجعله مجرد مطعم هامشي لا يكاد يعرفه أحد، فانصرف عنه الناس، وبار كل شئ، واضطر “ساندرز” لبيع كل ما يملكه بالمزاد العلني.
وبعد سداد جميع ديونه للموردين، اضطر الرجل الذي دخل مرحلة الكهولة إلى التقاعد ليعيش من أموال التأمين الحكومية، أو ما يعادل 105 دولارات شهريًا. وبعدما وصل أول شيك من أموال التأمين الاجتماعي إلى الرجل جلس ليفكر ويتدبر، ثم قرر أنه ليس مستعدًا بعد للجلوس على “كرسي هزاز” في انتظار أموال الحكومة الهزيلة.
وبعدما خسر “هارلاند” من تجربته السابقة لم يستسلم فبدأ بتحضير خلطته السرية وعرضها على المطاعم، ولكنه أصيب بخيبة أمل أخرى، فخلال عامين لم يستطع إلا إقناع 5 مطاعم فقط، فكان خلال هذه السنتين يسافر من ولاية لأخرى من أجل بيع الخلطة الجاهزة.
وكان عليه أن يتصرف بسرعة وإلا فإن المستهلكين كانوا سينسون دجاجه وخلطته السرية، ولذلك قرر البدء في بيع تراخيص لمطعمه ولخلطته السرية بنظام التوكيل التجاري، وكان يحصل على عمولة قدرها 5 سنتات عن كل قطعة دجاج يتم بيعها في المطاعم التي تعاقد معها بأسلوب “الفرانشايز”.
ونجح الرجل في إقناع بعض المستثمرين الصغار باستثمار أموالهم في الدجاج المقلي الشهي، وهكذا كانت النشأة الرسمية الأولي في عام 1952 لسلسلة مطاعم “كنتاكي فرايد تشيكن” الشهيرة باسم “كى إف سي”، وكان عمر مؤسسها 62 عاما، وهو يتذوق لأول مرة طعم النجاح بعد فشل استمر لعقود طويلة.
وحققت طريقة التوسع الأفقي تلك نجاحاً هائلاً بدون أن يتكبد “ساندرز” أي تكاليف أو مخاطر تُذكر، وبحلول العام 1960 كانت سلسلة مطاعم “دجاج كنتاكي المقلي” تملك أكثر من 600 فرع في الولايات المتحدة وكندا.
ويقول “ساندرز” عن رحلته الصعبة “لقد كانت أياماً صعبة, كنت أخلط الأعشاب بالتوابل كما يٌخلط الإسمنت في المباني، كانت زوجتي كلوديا هي ساعدي الأيمن، وهي التي تصنع العلب، كما كانت تقوم بدور مشرفة المخزن، وهي التي توصل الطلبات إلى المنازل بنفسها من خلال دراجة صغيرة”.
وقال عنه صديق له يدعى جون براون “إن هارلاند لم يكن إنساناً حالماً، إنما كان يسعى بكل جوارحه لأن يكون شخصا معروفاُ ورجلاً كبير القدر والقيمة. وعلى الرغم من نجاحه على الصعيد المحلي فإنه لم يكن سعيدا، وكان يريد أن يكون أكبر بكثير مما هو عليه. لذلك، كان دائما ما يعمل بجد وكد وجهد وتصميم وعزم قلما وُجد في شخص في هذا العمر مطلقا”.
واستطاع الرجل تأسيس سلسلة مطاعم “دجاج كنتاكي” حتى وصل عددها إلى 200 مطعم. وفي عام 1963 بلغ عدد فروع مطاعم كنتاكي 600. وفي تلك الفترة قرر مؤسسها بيع امتياز مطاعم “كنتاكي” إلى رجلي الأعمال جان براون جاك ماسي، مقابل مليار دولار وراتب شهري قدره 40 ألف دولار ثم بعد ذلك 75 ألف دولار مدى الحياة، مع مقعد دائم له في مجلس الإدارة ظل محتفظا به حتى وفاته .
وأصيب ساندرز بسرطان في الدم عام 1980 وتوفي في شهر ديسمبر من نفس العام، بعد أن قضى 90 عاماً في الكفاح والعمل دون أن يستسلم لليأس أبدا، وظل وجهه المميز بلحيته الصغيرة شعاراً لطعم الدجاج المميز حول العالم، كما صار جزءاً من التاريخ الأمريكي، فهو أحد ألمع الشخصيات في تاريخ الولايات المتحدة.
ولا زالت مطاعم “كنتاكي” تواصل انتشارها حتى بلغت فروعها أكثر من 17 ألف فرع حول العالم، وتخدم أكثر من 12 مليون زبون يومياً في أكثر من 115 بلداً وإقليماً، ولا زالت شركة كنتاكي تحتفظ بـ”سر الخلطة” التي تتكون من 11 نوعا من الأعشاب والتوابل مكتوبة في ورقة عليها إمضاء الكولونيل هارلاند ساندرس نفسه،
ومعها 11 قارورة تحتوي على هذه الأعشاب والتوابل، محفوظة في مكان آمن داخل قبو في مقر الشركة الرئيسي في مدينة لويس فيل بولاية كنتاكي.