العبقرية مواهب تحتاج إلى من يرعى شجرتها وينميها، ولا يكون ذلك إلى في مؤسسات التنشئة الاجتماعية في المجتمع، الأسرة، والمدرسة، والنادي، والجمعية، وما إليها. ولولا ما تقوم به تلك المؤسسات من أدوار، لدفنت الكثير من المواهب، ولا نصرفت الكثير من العبقريات في مصارف شتى، ليست بالضرورة مفيدة للنشء ولا للمجتمع ذاته.
الطفل النيجيري تانيتولوا أديومي Tanitoluwa Adewumi البالغ من العمر ثماني سنوات، والذي وصلت أسرته المسيحية إلى نيويورك عام 2017 طلبا للجوء السياسي، هروبا من هجمات بوكو حرام في شمال نيجيريا، ولا زالت الأسرة تقيم في مأوى للمشردين، حيث لم يتم الرد على طلب لجوئهم بعد، بينما تم إلحاق “تاني” وشقيقه الأكبر بإحدى المدارس القريبة. ويعمل والده حاليا سائق أوبر ليساعد الأسرة في دفع الفواتير.
في المدرسة وجد الصبي فرصة لتعلم الشطرنج خارج المقرر الدراسي مع مدرس الشطرنج بدوام جزئي راسل ماكوفسكي، والذي قرر التنازل على رسوم نادي عباقرة الشطرنج الخاص بالمدرسة، وعلى الرغم من ظروف “تاني” الصعبة إلا أنه حقق نجاحا في نادي ناشئي الشطرنج بالمدرسة، ما مكنه من الحصول مؤخرا في مارس 2019 على بطولة نيويورك للشطرنج، ففي التاسع والعاشر من مارس، شارك “تاني” في بطولة الولاية، وفاز فئة الأطفال من عمره، من رياض الأطفال إلى الصف الثالث، بخمسة انتصارات وتعادل واحد، متفوقا على الأطفال من بعض المدارس الخاصة الأكثر تميزا في البلاد. وإلى جانب كونه بطل الولاية، كان “تاني” قد فاز قبل ذلك بسبع جوائز في عدة مسابقات مختلفة للشطرنج، وقد عبر “تاني” بعد فوزه ببطولة الولاية عن أمله في أن يصبح أصغر بطل عالمي للشطرنج.
وبسبب الظروف التي تعيش فيها أسرة “تاني”، وبعد فوز تاني ببطولة نيويورك، بدأ معلمه ماكوفسكي حملة على صفحة GoFundMe بهدف جمع ما يكفي من المال حتى تتمكن أسرته من العيش خارج مأوى المشردين، قائلا: “عندما فاز بهذه البطولة – ووجدت أنه كان يعيش في ملجأ بلا مأوى – لم يكن ذلك على ما يرام”.
واستجابة للحملة تبرع الناس حتى الآن بمبلغ 98 ألف دولار أمريكي، متجاوزا هدف الحملة الأولي وهو 50 ألف دولار أمريكي.
وفي الخامس والعشرين من مارس 2019 كشف عمود جديد نشر في صحيفة نيويورك تايمز عن حصول “تاني” وأسرته على منزل، وعلى عروض بمنحة دراسية من ثلاث مدارس خاصة، كما أصبح لديه حساب مصرفي من ستة أرقام، قرروا تكريسه للكنيسة التي ساعدتهم، ولغيرهم من المهاجرين الأفارقة الذين يكافحون مثلهم.
وفي تعليقها على فوز “تاني” ببطولة نيويورك، عبرت مديرة المدرسة عن سعادتها قائلة: “إنه مثال ملهم على أن تحديات الحياة لا يمكنها أن تحد من فرص أحد”.
وهو ما يمكن أن يعبر عن قيمة ما أنجزه “تاني”، بالرغم من ظروفه وظروف أسرته الصعبة، وإذا كان لمعلمه ومدرسته الدور الأكبر في تجاوزها، فإن للتغطية الإعلامية ودعم العشرات من جمهور صفحات التواصل الاجتماعي، وحملات التمويل الجماعي دورا كبيرا في الاحتفاء بالناجحين، ودفعهم إلى الأمام لتحقيق آمالهم.
د. مجدى سعيد