محمد حسن: العالِم المصري الذي صمم الطواحين الصامتة
حصل “محمد حسن” على مجموع مرتفع في الثانوية العامة، وفي أثناء اجتماع العائلة لكتابة استمارة الرغبات التي يُحدد فيها الشخص الجامعة التي يرغب في الالتحاق بها، نصحه “مَثَلُه الأعلى” بدخول كلية الهندسة ضمن التخصصات العامة، والابتعاد عن تخصص البترول الذي قد يحدُّ من فرصه في الحصول على وظيفة مرموقة نتيجة التغيرات التي طرأت على ذلك القطاع في السنوات الأخيرة. نفذ الشاب نصيحة الأخ الأكبر، والتحق بكلية هندسة المطرية التابعة لجامعة حلوان، واختار قسم “ميكانيكا القوى” مجالًا لدراسته.
كانت محاضرة الفيزياء هي المحاضرة الأولى التي يتلقاها “محمد حسن” في الكلية. بعدها، انتقل الطلاب إلى “معمل الفيزياء”، وهناك تعرف الطالب على مصطلح “المُعيد”. يقول محمد حسن -في تصريحات خاصة لـ”للعلم”- إنه قرر منذ اليوم الأول أن يكون مُعيدًا في الجامعة، “وجدت أن المعيد شاب صغير يتمتع بالاحترام من الجميع رغم صغر عُمره. تخليت عن فكرة العمل في شركة بترول مثل أخي، وقررت أن أدرس بجد لكي أحصل على تلك الوظيفة!”.
في عام ١٩٩٧، تخرج “حسن” في الكلية بترتيب الثاني على دفعته، وهو الأمر الذي أهله للحصول على الوظيفة التي يحلم بها. “دخلت حقل البحث العلمي، تصورت أن الطريق سيكون ممهدًا، إلا أنني وجدته مليئًا بالألغام!”.
بعد أن التحق “حسن” بالوظيفة الجامعية، بدأ في البحث عن موضوع لرسالة الماجستير، “وقتها كان مجال الطاقات المتجددة لا يزال مجالًا جديدًا، فقررت أن يكون موضوع رسالتي تحويل طاقة الأمواج إلى طاقة كهربائية”.
بحث “حسن” عن أستاذ جامعي يقبل تسجيل ذلك الموضوع كرسالة ماجستير، كانت رحلة البحث شاقة؛ إذ لم يكن ذلك المنحى البحثي رائجًا في مصر على الإطلاق. وفي النهاية وجد ضالته في الأستاذ الجامعي حازم هيكل، الذي يقول عنه “حسن” إن الفضل يعود إليه فيما وصل هو إليه حتى الآن.
أتم “حسن” رسالة الماجستير، ثم اتجه إلى ألمانيا للحصول على درجة الدكتوراة. وهناك صُدم بالواقع الجديد.
فلكي تحصل على تلك الدرجة العلمية من ألمانيا.. يقول “حسن” في تصريحات خاصة لـ”للعلم”: “يجب أن تعمل جنبًا إلى جنب مع الصناعة.. وأن تترجم أبحاثك بشكل كامل إلى طريقة تستفيد بها الصناعات المتعددة.. وهذا هو سر تفوُّق ألمانيا في الصناعات، ربط مُخرَجات البحث العلمي بالصناعة بشكل كامل”.
في جامعة “أوتو فون- غريكي” العريقة، قام محمد بتسجيل رسالة في تصميم التوربينات المخصصة لتوليد الطاقة من الأمواج. وبعد أشهر معدودة، طلب منه المشرف على رسالته إعداد ملخص بحثي بخصوص مشروع تقدمت إحدى الشركات بطلب لتنفيذه، “كان المشروع يتعلق بطاقة الرياح.. وبمجرد رؤية العرض المقدم من الشركة وطبيعة التصميمات وقعتُ في حب طاقة الرياح على الفور، وقررتُ إضافة موضوع طاقة الرياح إلى رسالتي العلمية”.
بعد ١٠ أيام من طلب المشرف، قدم “حسن” فكرةً لتطوير التصميم، تبنَّت الشركة الفكرة وقدمت منحةً لتنفيذها. وبعد نحو عام، نفذ “حسن” فكرته على الطبيعة، ونشر ورقة علمية تعرض تصميمًا متكاملًا لرفع كفاءة نوع معين من توربينات الرياح يُسمى “سافونيوس”. وبعد أشهر، تمكَّن من تسجيل براءة اختراع بعد أن نجح في رفع كفاءة تلك التوربينة من ١٨٪ إلى ٤٨٪ عبر إجراء تعديلات على تصميم ريشة التوربين. “وإلى الآن تستخدم الشركة التي مولت بحثي الجامعي ذلك التصميم في إنتاج توربينات سافونيوس.. استفادت الشركة من التمويل، واستفادت الجامعة، واستفدت أنا أيضًا من الناحيتين العلمية والمالية.. هكذا يعمل البحث العلمي في ألمانيا”.
في عام ٢٠١٤، تلقَّى “حسن” عرضًا للعمل في ألمانيا، غير أنه فضَّل العودة إلى مصر لتصميم تكنولوجيات تلائم المجتمع. “حين كنت في ألمانيا أيقنت أن مصر لن يُمكنها المنافسة في استخدام التوربينات الكبيرة لتوليد طاقة الرياح.. لذا قررت العودة والبحث عن طريقة لتمتلك مصر تكنولوجيا توليد الطاقة من الرياح.. كان الحل في توربينة داريوس”.
هناك نوعان من توربينات الرياح، أولهما التوربينات ذات المحور الأفقي، كتلك الموجودة في محطة الزعفرانة المصرية. تُعرف تلك التوربينات بطواحين الهواء، وتحتاج إلى تقنيات عالية لتشغيلها، ومساحات هائلة لاحتوائها، وسرعات رياح كبيرة لتدويرها. أما النوع الثاني فهو التوربينات رأسية المحور، وهي أنواع صغيرة للغاية، يُمكن استخدامها في مساحات صغيرة، وتعمل عند سرعات رياح تبلغ ٥ أمتار في الثانية.
من أنواع التوربينات أفقية المحور توربينة “داريوس”. ابتكر العلماء تلك التوربينة في ثلاثينيات القرن الماضي، تتميز “داريوس” بحجمها الصغير، الذي يؤهلها لتوضع فوق أسطح المنازل، وسهولة التحكم بها، وتصميمها المدمج والبسيط، وانخفاض تكاليف تصنيعها. غير أن صوتها مرتفع للغاية وكفاءتها منخفضة، لذا أهملها المصنِّعون طيلة العقود الماضية. قرر “حسن” دراسة تصميم تلك التوربينة، وابتكار طريقة لزيادة الكفاءة.
كانت المشكلة الأولى هي الصوت المرتفع لتوربين “داريوس”، ما يجعل من الاستحالة استخدامها في المناطق السكنية. درس “حسن” صوتيات تلك التوربينة، ونجح بالفعل في تصميم “ريشة” تخفض الصوت بنسبة تقترب من الـ١٠٠ ٪، “أحدث ذلك البحث دويًّا كبيرًا، لدرجة أن المصنِّعين بدأوا في إنتاج تلك التوربينة المهمَلة من جديد”، كما أثَّر التصميم الكبير على مستوى الكفاءة التي ارتفعت بمعدل ٧٪ مرة واحدة لتصل إلى نحو ٤٠٪.
في عام ٢٠١٩، بدأ “حسن” مرحلةً جديدةً في حياته؛ إذ قرر استخدام توربينات الرياح الصغيرة في توليد الطاقة من الأمواج. نشر “حسن” ١٠ أبحاث في مجلات ذات مُعامل تأثير قوي خلال العام المنصرم. وتتركز أبحاثه في الوقت الحالي على دمج أنظمة توليد الطاقة من الرياح والأمواج للحصول على مستويات عالية من كفاءة التوليد بتكاليف منخفضة.
يصف “حسن” ما يحدث في مجال البحث العلمي في مصر بـ”النزيف”؛ فالجامعات تنهار بسبب هجرة العقول التي تُعد “الطاقة الكامنة” لمصر. يأمل “حسن” أن يتوقف ذلك “النزف” خلال العام الحالي عن طريق تطبيق إستراتيجيات مستنيرة للتعامل مع البحث العلمي وربط مخرَجاته بالصناعة. كما يحلم أيضًا بأن تمتلك مصر في المستقبل القريب تكنولوجيات صناعة مولِّدات الطاقة المتجددة. “وهو أمر ليس عصيًّا على التنفيذ إطلاقًا، خاصةً إذا ما قررنا البدء في صناعة التوربينات الصغيرة”.