قدر قاس حتّم على المحامى التونسي الشاب “محمد أمين بن يوسف”, التأقلم مع وضع لا مناص للخلاص منه، مرض عضال أصابه في ربيع عمره، انقلب إلى إعاقة مزمنة أحالته مبكرًا إلى كرسي متحرك، انطلقت رحلة الألم منذ صباه، وشكلت إصابته بفيروس خبيث منذ سن الثامنة لحظة فارقة قلبت مسار حياته، لكنها لم تكدّر صفوها.
محمد أمين بن يوسف، محام شاب، يشار إليه بالبنان ويعد أحد أمهر المحامين في أروقة المحاكم في تونس، يبلغ من العمر ثلاثة وثلاثين سنة فقط، وبالرغم من أنه من ذوي الاحتياجات الخصوصية، فهو رمز من رموز التحدي دون مبالغة… مرض غريب ومستعص لحق أعصابه، حاول التخلص منه، فأكدت له الطواقم الطبية التي أشرفت عليه أنه على مشارف الهلاك لا محالة، وأن المنية ستوافيه في حيز لا يتجاوز الستة أشهر.
انتظرت أسرة “الطفل أمين بن يوسف” حدث الوفاة، لكنه لم يأت، بل كانت الإعاقة المزمنة مآله الأزلي، ليبقى “الأستاذ” رهين كرسي متحرك.
عندما أدرك أن علي التعايش مع قدره استقبل الأمر برحابة صدر، شغفه بالعلم كان أقوى من الصعوبات بكثير، حصل عام 1999 على شهادة الباكالوريا شعبة رياضيات بامتياز من معهد المنزه السادس، وهو ما كان له حافزًا معنويًا هامًا أعطاه جوانح حلقت بها في أرجاء الحياة الجامعية الفسيحة.
بعد ذلك حصل “بن يوسف”, على الإجازة في القانون الخاص من كلية العلوم القانونية بأريانة، ومن ثم الماجستير في قانون الأعمال دفعة 2005.
أثر هذا التتويج في شخصيته أيّما تأثير، لأنه شعر حينئذ أنه لم يكن يوماً حاملاً لإعاقة، وأن العلم هو الفيصل الحقيقي بين الشخص المعوق والشخص السليم.
الوصفة الناجحة
لم يكن بمقدور، “بن يوسف” نظرًا لظرفه الصحية المضنية، أن يزاول تعليمه العالي بشكل طبيعي، لكن الله منّ عليه بوالدة تجاوز عطفها حدود الخيال، لقد كانت النبراس الذي أضاء الجسور أمامه، وكانت رفيقة دربه في حياته الدراسية من صغره، والجوائز التي حصل عليها هي أوسمة توشّح صدرها الدافئ. بحسب تعبيره.
شرع “بن يوسف”, منذ حصوله على الماجستير عام 2005 في ممارسة مهنة المحاماة، كمحام تحت التدريب لمدة ثلاث سنوات، ليقع ترسيمه في الاستئناف، ثم أمكن له فتح مكتب خاص، وبالتوازي، وهو حالياً بصدد إنهاء أطروحة دكتوراه في القانون الدولي الخاص”. لكن، عندما كان التنقل بين أروقة المحاكم، يتطلب هو الآخر مجهودًا بدنيا، فقد وجد “بن يوسف” يد الدعم في شخص والده الذي أحاط ابنه برعاية شاملة، حتى بات ظله الذي لا يفارقه.
أصبح والده المتقاعد هو رفيقه الذي يكل ولا يهدأ له بال وهو الذي يدين له بنجاحه في مسيرته المهنية، مثلما الأمر لوالدته في حياته الجامعية.
وعن مهنة المحاماة والولع بها، يقول أمين بن يوسف ” القدر اختار لي المضي في المهنة التي تعكس واقعي، فأصبجت أعشقها إلى حد النخاع”.
مهمته كمحام هي أن يكون لسان حال المُستضعفين، وأن يسعى لرفع غشاوة الظلم عن عين المجتمع، ووضعه الخاص يحتّم عليه أن يبذل مجهودات مضنية ومضاعفة للوصول إلى هذه الأهداف.
أصر “بن يوسف”, بتلك الحكاية, ألا يعيقه هذا القدر وألا يثنيه عن المضي قدماً في درب النبوغ، امتطى صهوة التحدي، وأطلق العنان لرغبة جامحة في كسر حواجز الألم واليأس، متسلحا بحب كبير للحياة والكد والمعرفة والشغف بمهنة المحاماة. استقبل “بن يوسف” قدره القاسي بابتسامة طفل بريء، وطوّعه إلى واقع وردي جميل تعامل معه في ما بعد بطموح الشاب اليافع، حكاية أمين بن يوسف هي، دون مبالغة، درس للشبان الذين التصق الخمول والتواكل بأذهانهم.