اعتزاله استراحة محارب أم نداء الأعمال الإنسانية؟!
غيتس يرفع يده نهائياً عن إمبراطورية “مايكروسوف
بيل غيتس… ربما يكون الثراء المادي الذي وضعه على قمة لائحة أثرياء العالم لسنوات عدة هو أهم ملمح في شخصيته والمكون الرئيس في تشكيل مكانته العالمية، وربما يكون تأثيره على النهضة التكنولوجية في عالم اليوم أحد أهم المفردات التي جعلته يتصدر واجهات الصحف والبرامج المتلفزة ومواقع الإنترنت، ولكن يظل البعد الإنساني والعمل الخيري الذي دفعه إلى تخصيص نسبة مئوية من أرباح مايكروسوفت الهائلة لأعمال الخير، يظل هذا الجانب هو الأكثر تأثيرًا على المستوى الإنساني رغم غياب التركيز الإعلامي على هذا الجانب الرائع في شخصية إمبراطور المال والتكنولوجيا… والإنسانية.
من هو بيل غيتس؟
هو وليام هنري غيتس، ولد في سياتل، واشنطن في 28 أكتوبر 1955، وهو ثالث أغنى شخص في العالم ومؤسس شركة مايكروسوفت للبرمجيات مع صديق الطفولة بول آلان منذ 33 عامًا، والتي بدأت كشركة متواضعة للغاية في سرداب تحت منزله، والآن أصبح غيتس يملك أكبر نصيب فردي من أسهم مايكروسوفت، التي جعلته واحدا من أشهر المستثمرين في مجال الحاسبات الشخصية والبرمجيات في العالم، إن لم يكن أشهرهم وأكثرهم قوة ونفوذًا بالفعل، وعلى الرغم من امتلاكه شعبية واسعة إلا أن سياسة الشركة تتعرض للانتقادات بتهم مناهضة المنافسة، والروح الاحتكارية ما أدى إلى دخولها في منازعات قضائية عالمية استقطبت اهتمام العالم، وكان أشهرها ثورة المستخدمين الأوروبيين لبرامج مايكروسوفت.
ورغم هذا فقد اشتهر غيتس بأنه من أكثر الأشخاص في العالم تصديًا للأعمال الخيرية والإنسانية، على مستويات نشر التعليم التكنولوجي، وذلك من خلال مشروع كمبيوتر لكل طفل في دول العالم الثالث، فقد شاركت مايكروسوفت في هذا المشروع الإنساني التعليمي، فضلاً عن دعمه الكبير والمؤثر لصناديق مكافحة الأمراض وعلى رأسها السرطان والإيدز، بجانب مشاركته المالية في دعم حملات مكافحة الأمراض في القارة السمراء والمناطق الفقيرة في العالم. كما يدعم غيتس المراكز الخيرية في العالم، والبحوث العلمية بمبالغ طائلة عن طريق مؤسسة بيل ومليندا غيتس التي افتتحت عام 2000.ووفقا لقائمة مجلة فوربس لأثرياء العالم، حصل بيل غيتس على الترتيب الأول بين عامي 1995 و2007 و تقدر الأن ثروته ب 58 مليار دولار أميركي. ولكن في عام 2008 تراجع ترتيبه إلى المركز الثالث.
الاعتزال المفاجئ… هروب إلى الأعمال الخيرية أم استراحة محارب؟
وبشكل مفاجئ رفع بيل غيتس يده نهائياً عن إمبراطورية “مايكروسوفت” وقرر أن يغادرها في 27 يونيو الجاري ليصبح الرئيس غير التنفيذي لمجلس ادارة المجموعة ويتفرغ لمؤسسته الإنسانية. وفي الوقت ذاته يتسلم دفة القيادة صديقه المقرب ستيف بالمر صديقه منذ سنوات الدراسة في جامعة هارفارد والذي يعمل منذ حوالى 8 سنوات كرئيس تنفيذي لمايكروسوفت.
ورغم الانسحاب الذي غلفته الدموع والعواطف الجياشة، ورغم التأكيدات أن بيل غيتس قرر التفرغ للأعمال الإنسانية إلا أن ذلك الانسحاب يثير العديد من علامات التعجب، فقد ذهب الإمبراطور طواعية وتخلى عن قيادة إمبراطوريته في وقت دقيق بالنسبة إلى المجموعة العملاقة التي تمر بظروف ليست على ما يرام كنموذج اقتصادي وبرامج ومنافسة وسط الكيانات والتكتلات التكنولوجية الاقتصادية العملاقة، وكان فشلها في شراء شركة “ياهو” صاحبة المرتبة الثانية عالميا في مجال الإعلانات على شبكة الانترنت، كان ذلك الفشل بمثابة الضربة المؤلمة التي قوّضت آمال الإمبراطورية العملاقة في استعادة النفوذ والسيطرة على مجال تكنولوجيا المعلومات واقتسام كعكة إعلانات الإنترنت التي تسير بخطى متسارعة للتربع على قمة سوق الإعلانات في العالم.
وبعد مفاوضات ماراثونية تلقت مايكروسوفت ضربة قاسية الأسبوع الماضي عندما أعلنت “ياهو” شراكة واسعة مع “غوغل” التي أصبحت المجموعة الأولى عالميا على شبكة الانترنت ووضعت حدا لمحادثاتها مع “مايكروسوفت” برفضها عرض ستيف بالمر لشراء محرك البحث “ياهو” فقط.
من جانب آخر أشار الخبراء إلى أن مستقبل نظام التشغيل “ويندوز” الذي يشغل أكثر من 90 % من الحاسبات في العالم، وبرامج “اوفيس” وهما يشكلان المصدر الرئيس لدخل مايكروسوفت، أشار الخبراء إلى أن مستقبلاً غامضاً في انتظارهما بعد اشتداد المنافسة على الصعيد البرامجي وتوجيه العديد من الانتقادات لأنظمة وبرامج مايكروسوفت في الفترة الأخيرة وظهور كيانات جديدة تنتج برامج أكثر سهولة وأقل كلفة وبعيدة من الروح الاحتكارية التي تعد أهم نقاط الضعف في مايكروسوفت. فنظام “ويندوز الجديد”، الذي صدر عام 2006 أثار الكثير من الانتقادات ولا يتقدم بالمستوى المطلوب، ولم يتم بيع أكثر من 150 مليون نسخة لان الكثير من الشركات تفضل الاحتفاظ بالنسخة السابقة اكس بي.
من جانب آخر فإن الخدمات الجديدة ليست غير مقنعة فحسب بالنسبة إلى”ويندوز اكس بي” بل تبين ان فيستا غير متجانسة مع كثير من البرامج. وهو الأمر الذي دفع “مايكروسوفت” وبشكل مؤقت لقبول مواصلة توفير خدمة ويندوز اكس بي لكن هذه الخطوة التي تحمل الكثير من التنازلات ستتوقف في 30 يونيو.وبدورها تواجه برامج “الأوفيس”، منافسة شرسة من برامج الانترنت المجانية مثل “ستار أوفيس” و”أوبن اوفيس”. ويضاف إليها البرنامج الحر لمنافستها “آي بي ام” المعروف بـ”لوتوس سيمفوني”.
بالمر القائد الجديد… هل يعيش في ظل الإمبراطور؟
هو صديق مقرب من غيتس منذ سنوات الدراسة الجامعية، وسوف يصبح المسؤول الأول عن إمبراطورية مايكروسوفت بعد اعتزال بيل غيتس، الأمر الذي يجعل الأضواء مسلطة عليه بقوة في الفترة القادمة، خاصة أنه فشل في الاستحواذ على ياهو، ورغم ذلك فإن القدر يمنحه مكافأة كبيرة بعد فشله في حسم هذه الصفقة التاريخية، كما أن بالمر سوف يعيش في ظلال وجلباب غيتس لفترة كبيرة إلى أن يستطيع إثبات جدارته ومكانته، خاصة أن غيتس يملك شهرة طاغية ويتمتع بكاريزما إعلامية متوهجة، الأمر الذي يجعل مهمة خليفته صعبة للغاية.
وعلى الرغم من أنه أصبح مديرا تنفيذيا عام 2000، فإن بالمر يمكن أن يوصف بأنه نشط في مجال التسويق لا يتعب وخطيب مفوه ومعروف بتصرفاته الصريحة والمباشرة في اجتماعات مبيعات شركة مايكروسوفت. ولكنه كما يقول زملاؤه لديه غموض كبير في استراتيجيته التي يعتمد عليها في كثير من المواقف، الأمر الذي يعزز المخاوف من تراجع “إمبراطورية بيل غيتس”
ووفقًا لمجلة فوربز الأميركية تبلغ ثروة بالمر أقل من مليار دولار أميركي، فقد خسر المدير التنفيذي لشركة مايكروسوفت والرئيس الحالي، معركة شراء ياهو. حيث إنه لم يستطع أن يدبر مبلغ 47 مليار دولار أميركي من أجل خوض الصراع للإستحواذ على هذه الشركة. فأثناء الثلاثة أشهر التي سعى فيها للإستحواذ على ياهو انخفضت أسهم شركة مايكروسوفت بنسبة 10%. ويمتلك بالمر 400 مليون من أسهم شركة مايكروسوفت لهذا فإن قيمة ممتلكاته في الشركة انخفضت من 13 مليار دولار أميركي إلى 12 مليار دولار أميركي أثناء تلك الفترة. وقد قدرت فوربز أن صافي الإجمالي لبالمر في عام 2007 كان 15 مليار دولار أميركي.
محمد حامد – إيلاف