حقن صحية “في العضل” من جيل المبادرات
بقلم : د . مجدى سعيد
من رحم المنع يولد المنح، ففي النصف الثاني من تسعينيات القرن العشرين، وبعد أن انسدت آفاق العمل الطلابي المسيس في الجامعات المصرية، انفتحت آفاق المبادرات الأهلية “غير المسيسة” من الجامعات أيضا، فمن رحم جامعة القاهرة خرجت “رسالة” و”مدرسة نماء” ومن رحم الجامعة الأمريكية خرجت “فتحة خير” ثم “نهضة المحروسة”، ومن رحم جامعات الزقازيق والإسكندرية وغيرها خرج “يوم الهندسة المصري و”صنع في مصر”، ومن رحم جامعة عين شمس خرجت “مصر شريان العطاء”، و”التكافل الطبي” و”رابطة أصدقاء الأطفال المرضى” و”إشراقة خير”، لكن الجميل أن جميع هذه المبادرات لم تتوقف على جيل المؤسسين، بل انتقلت روحها من جيل إلى جيل من الشباب، حتى صارت كل مجموعة من الشباب تخرج مبادرتها الخاصة بها.
“في العضل” هي المولود الجديد لهذه الروح الإيجابية في المبادرة الأهلية غير المسيسة، التي وجدت محضنا لها في نشاط القوافل الطبية التي كان ينظمها الأستاذ الدكتور أحمد سعيد المرسي الأستاذ بكلية الطب جامعة عين شمس ربما على مدار 40 عاما، لكنها أخذت دفعة شبابية جديدة منذ عام 1998، بتطوير نشاط التوعية الصحية في القوافل الطبية، وبعدما كان يتم تنظيم قافلة طبية واحدة في العام من خلال نشاط الجوالة بالكلية، صارت هناك 3-4 قوافل في العام. من هذا المحضن خرجت العديد من المبادرات الطبية والصحية، ومنها مبادرة الإعلام والتوعية الصحية التي يقدمها برنامج “في العضل”.
البرنامج الإنترنتي (إذا جاز التعبير) في العضل، والذي بدأ في فبراير من هذا العام 2014، اكتشف إمكانية أننا نستطيع أن نقدم بشكل أهلي تطوعي بسيط إعلاما بديلا يقوم به المواطنون، ويشاهده المواطنون، فقط:
– عندما نستطيع أن نقتنص فكرة (تيمة) لها قابلية الامتداد إلى آفاق لا نهائية.
– وعندما نستطيع أن نجعل تلك الفكرة تلبي احتياجا أساسيا لدى جموع الناس على اختلاف مشاريهم.
– وعندما نستطيع أن ننفذ تلك الفكرة بتكاليف وإمكانات بسيطة.
– وعندما نستطيع أن نجمع فريقا من المتطوعين المنسجمين سويا والمتوافقين حول تلك الفكرة.
عندئذ، وعندئذ فقط تتوافر لك مقومات النجاح، وهو ماجعل صفحة هذا البرنامج تحظى بإعجاب أكثر من 38 ألف فيسبوكي، رغم عمرها القصير، وذلك لأن حلقات البرنامج إضافة إلى ما سبق من مقومات نجاح قبلية، حظين بعناصر نجاح بعدين تمثلت في المحتوى السلس والمرتب وسهل التذكر، أما من ناحية الشكل فقد حظيت الحلقات بمستوى عالي من التقديم والحضور على الشاشة لمقدم البرنامج الدكتور أحمد رمزي، ومستوى جيد جدا من التصوير ومستوى جيد من الإضاءة والمونتاج رغم احتياجهما لبعض التطوير في رأي أحد الإعلاميين المتخصصين.
على الرغم من أن الإعلام الصحي يلامس احتياجا أساسيا لدى عموم الناس، إلا أنه لم يعد يحظى ببرامج جيدة على القنوات المصرية أو العربية حكومية كانت أو خاصة، فقد تراجع الاهتمام بالجيد منها مع تراجع الاهتمام بحزمة الإعلام العلمي بشكل عام بتنوعات موضوعاتها، حينما أكلت كل من السياسة والرياضة والترفيه شاشاتنا العربية، اللهم إلا بعض القليل النادر من البرامج الصحية والتي صار بعضها يمارس الدعاية الصريحة لعيادات الضيوف من الأطباء، ولا يجد المشاهد العربي إلا البرامج الأجنبية الصحية المتطورة مثل Doctors أو دكتور OZ كما تقول إحدى الزميلات المتخصصات في الإعلام العلمي والصحي.
حقن صحية “في العضل” من جيل المبادرات
برنامج في العضل، قرر أن يدخل إلى المساحة الصحية الواسعة من مدخل تصحيح المفاهيم المغلوطة، والشائعات الرائجة لنشر معلومات صحيحة وجديدة حول الشأن الصحي، وقد قدم البرنامج ذلك من خلال ذلك حزما من الحلقات تتكون من 21 حلقة تناولت ما له علاقة بشهر رمضان والصيام (8 حلقات)، والصيف والتصييف (7 حلقات)، والحج والعمرة (حلقتان)، إضافة إلى كوكتيل شكل أولى حزم البرنامج وتكون من خمس حلقات حول الفسيخ والحرارة والاكتئاب والكورونا. البرنامج يحظى بالانتشار على صفحات العديد من وسائل التواصل الاجتماعي فإضافة إلى الفيسبوك، هناك بالطبع اليوتيوب، والتويتر، والإنستجرام والآسك والساوند كلاود.
الجميل في المبادرة، أنها فتحت الآفاق وأعطت النموذج العملي لمبادرات مماثلة يمكن أن تتناول قضايا أخرى تمس احتياجات الناس تشمل: الزراعة والبيطرة والصيانة والبيئة والتعليم وغيرها، سواء قام بها هذا الفريق أو فرقا غيره، من خلال نقل الخبرة بين المبادرات، كما أنها تفتح الباب لتمدد نشاط فريق المبادرة ذاتها إلى مساحات كثيرة في المجال الصحي، وإلى آفاق رحبة سواء في تزويد وسائل الإعلام المختلفة بالمحتوى الصحي (ورقي وأونلاين وصوت وفيديو) أو في الانتقال إلى ساحة الفضائيات كشكل من أشكال مالئات الفراغات بين البرامج fillers، لكن الفريق يواجه تحدي الاستمرارية والاستدامة، ومن ثم عليه أن يفكر في أشكال ذلك سواء أكان اختيارهم الاستمرار كعمل غير الربحي أو العمل الربحي (التعاوني أو التجاري)، وأهم هذه التحديات إضافة إلى الاستمرارية، هو تحدي التطوير سواء في المحتوى أو الشكل، والذي في جزء منه يرتكز على تحدي التمويل، والذي يمكن أن يكون أحد بدائله ما يسمى بالتمويل الجماهيري أو الـ crowdfunding، والذي ربما تقف أمامه عقبة الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد واستهداف جميع أشكال العمل الأأهلي حتى غير المسيس منها، لكن إرادة النجاح لدى فريق العمل الشبابي المتطوع والتي استطاعت أن تبدأ في وسط تلك الظروف، قادرة بعون الله على الاستمرار، فبمثل هذه الروح الإيجابية في كافة مجالات الحياة نتجرع قطرات الأمل.
حقن صحية “في العضل” من جيل المبادرات
لمشاهدة الحلقات السابقة ومتابعة اللاحقة:
رابط صفحة الدكتور مجدي سعيد على الفيسبوك :
حقن صحية “في العضل” من جيل المبادرات
حقن صحية “في العضل” من جيل المبادرات