ينوء العالم تحت عبئ ملايين الأطنان مما يسمى بالمخلفات أو البواقي الزراعية والنباتية، والتي لا يعاد النظر فيها وفي الإمكانات الكامنة فيها.
إلا أن العالم بات يعرف اهتماما علميا واقتصاديا بها في العقود الأخيرة، نظرا لما تقدمه من إمكانيات بناء مواد متجددة متوافقة مع التوجه نحو ما يعرف بالاقتصاد الدائري الذي يعرف كلمة “مخلفات”، والذي ينبني منذ البداية على أن هناك حياة دائمة ومتجددة للمنتج.
من هولندا غربا إلى إندونيسيا شرقا عرفت شركة ناشئة اسمها كوكوباليت CocoPallet أسسها باحث هولندي طريقها لإحياء ممارسة إندونيسية قديمة، لحل مشكلة بيئية جديدة في دول جنوب شرق آسيا، عبر إنتاج منتج جديد يحقق عدة أهداف: استثمار مورد متجدد، حل مشكلة بيئية تتمثل في تراكم قشور جوز الهند في بعض مناطق بلدان تلك المنطقة التي تتكثف فيها أشجار جوز الهند ويستهلكه الناس بكثرة.
تعود جذور القصة إلى أكثر من 20 عاما عندما انتقلت بذرة الفكرة من إندونيسيا إلى هولندا، حيث أن أصلها يعود إلى ممارسة إندونيسية تقليدية، يمارسها عدد قليل فقط، حينما صادف جان فان دام Jan Van Dam، عالم الألياف النباتية في جامعة فاجينينجن Wageningen University، هذه التكنولوجيا الرائعة عندما قدم له رجل من إندونيسيا نموذجا أوليا لمنصة نقل مصنوعة من جوز الهند، وكما يصفها عالم النبات الهولندي في تصريح لصحيفة دي فولكس كرانت de Volkskrant الهولندية، كانت المنصة “صلبة كالصخر، ومادة اللوح تشبه الخشب لكنها مصنوعة من قشر جوز الهند، كان ذلك جديدا بالنسبة لي”. كانت المنصة مصنوعة تقليديا من قشر جوز الهند المبشور والمعالج بالبخار، وفي معامل الجامعة، تم إحياء التقنية المنسية تقريبا بواسطة جان فان دام وفريقه بطريقة حديثة.
بحث فان دام وفريقه عن إدخال تحسينات على طريقة الإعداد، وتوصلوا إلى تقنية يتم من خلالها ضغط قشر جوز الهند معا عند درجة حرارة عالية”، حتى يذوب اللجنين الطبيعي في جوز الهند ويشكل مادة للربط، مما يجعل المنصات المنتجة مقاومة للنمل الأبيض، الذي يمثل مشكلة كبيرة مع الخشب. بعد ذلك بوقت قصير، أطلق الفريق مشروعا تجريبيا في الفلبين، لكنه فشل لعدد من الأسباب المحلية.
وكانت التكنولوجيا الثورية ستختفي مرة أخرى لو لم يقابل ميشيل فوس Michiel Vos جان فان دام بعد ذلك بعدة سنوات، حيث توجه بالسؤال لعالم النبات عن نصيحته حول بدائل للأخشاب، وهنا كانت إجابة فان دام “لماذا لا تستخدم قشور جوز الهند؟ ففي أي مكان في آسيا يمكن العثور عليه مجانا تقريبا على جانبي الطريق”.
وبالفعل لم يضيع فوس أي وقت في تحويل الفكرة إلى نموذج عمل ناجح وتكشفت له الفوائد ببطء على مر السنين.
المنصات التي تنتجها شركة CocoPallet الناشئة هي منتج مستدام بامتياز، يعادل في قوته المنصات الخشبية والبلاستيكية، ويستطيع حمل 3 آلاف كجم، وله العديد من المزايا البارزة من الناحيتين البيئية والاقتصادية، فهي مصنوعة بالكامل من قشر جوز الهند المهمل في البلدان الآسيوية، حيث تتحول 85% من قشور جوز الهند إلى نفايات تلوث البيئة غما بالإلقاء في الشوارع ومجاري المياه أو بالحرق، ولأن هذه المنصات تقدم البديل فهي تقلل قطع الغابات التي تصنع منها المنصات الخشبية في أوروبا لتصدر إلى دول آسيا وغيرها، فضلا عن ذلك فإن العمل لتجهيز تلك المنصات يفتح آفاق العمل أمام الفقراء في الدول المنتجة لجوز الهند، وفي النهاية وعندما تنتهي دورة حياة المنصات يمكن أن يتم استخدامها كمخصب للتربة.
د. مجدي سعيد