ابن رشد الفيلسوف الاندلسي الذي درس الفقه والطب والرياضة
Table of Contents
من هو ابن رشد
هو محمد بن أحمد بن رشد الأندلسي أبو الوليد ” الحفيد ” (520- 595 هـ – 1126-1198م)، المعروف بابن رشد، ولد في قرطبة بالأندلس، من أسرة عرفت بالعلم والجاه. وتوفي في مراكش.
عرفت عائلة ابن رشد بالمذهب المالكي، وجده ابو الوليد محمد (توفي 1126) كان كبير قضاة قرطبة تحت حكم المرابطين، وشغل والده ذات المنصب حتى مجيء الموحدين.
درس الكلام والفقه والشعر والطب والرياضيات والفلك والفلسفة، قدمه ابن طفيل لأبي يعقوب خليفة الموحدين عام 1182م فعينه طبيبا له ثم قاضيا في قرطبة، وتولّى ابن رشد منصب القضاء في اشبيلية، وأقبل على تفسير آثار أرسطو، تلبية لرغبة الخليفة الموحدي أبي يعقوب يوسف، وكان قد دخل في خدمته بواسطة الفيلسوف ابن طفيل، ثم عاد إلى قرطبة حيث تولى منصب قاضي القضاة، وبعد ذلك بنحو عشر سنوات أُلحق بالبلاط المراكشي كطبيب الخليفة الخاص.
لكن الحكمة والسياسة وعزوف الخليفة الجديد (أبو يوسف يعقوب المنصور 1184 – 1198) عن الفلاسفة، ناهيك عن دسائس الأعداء والحاقدين، جعل المنصور ينكب ابن رشد، قاضي القضاة وطبيبه الخاص، ويتهمه مع ثلة من مبغضيه بالكفر والضلال ثم يبعده إلى “أليسانه” (بلدة صغيرة بجانب قرطبة أغلبها من اليهود)، ولا يتورع عن حرق جميع مؤلفاته الفلسفية، وحظر الاشتغال بالفلسفة والعلوم جملة، ما عدا الطب، والفلك، والحساب.
كانت النيران تأكل عصارة عقل جبار وسخط اتهام الحاقدين بمروق الفيلسوف، وزيغه عن دروب الحق والهداية… كي يعود الخليفة بعدها فيرضى عن أبي الوليد ويلحقه ببلاطه، ولكن قطار العمر كان قد فات إثنيهما فتوفي ابن رشد والمنصور في السنة ذاتها (1198 للميلاد)، في مراكش.
خدمة ابن رشد في قصر الخليفة الموحدي ابو يعقوب
تولى القضاء عام 1169م في إشبيلية ثم في قرطبة. وحين استقال ابن طفيل من طبابة الخليفة اقترح اسم ابن رشد ليخلفه في منصبه، فاستدعاه الخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف إلى مراكش سنة 578هـ وجعله طبيبه الخاص، وقربه منه وقضى في مراكش زهاء عشر سنوات. وكان الخليفة أبو يعقوب يستعين بابن رشد إذا احتاج الأمر للقيام بمهام رسمية عديدة، ولأجلها طاف في رحلات متتابعة في مختلف أصقاع المغرب؛ فتنقَّل بين مراكش وإشبيلية وقرطبة، ثم ولاَّه منصب قاضي الجماعة في قرطبة ثم في إشبيلية، فلما مات أبو يعقوب يوسف وخلفه ابنه المنصور الموحدي زادت مكانة ابن رشد في عهده ورفعة وقرَّبه إليه، ولكن كاد له بعض المقرَّبين من الأمير، فأمر الأمير بنفيه وتلامذته إلى قرية اليسانة التي كان أغلب سكانها من اليهود، وأحرق كتبه، وأصدر منشورًا إلى المسلمين كافَّة ينهاهم عن قراءة كتب الفلسفة، أو التفكير في الاهتمام بها، وهَدَّد مَنْ يُخَالِف أمره بالعقوبة. وبقي بتلك القرية لمدة سنتين، وبعد تأكد السلطان من بطلان التهمة السياسية التي كانت وراء تلك النكبة عفا عنه واستدعاه من جديد إلى مراكش وأكرم مثواه كأحد كبار رجال الدولة. ثم إن السلطان نفسه أخذ في دراسة الفلسفة والاهتمام بها أكثر من ذي قبل. ولكن الفيلسوف لم يهنأ بهذا العفو فأصيب بمرض لم يمهله سوى سنة واحدة مكث بها بمراكش حيث توفي سنة 595هـ/ 1198م. وقد دفن بها، قبل أن تنقل رفاته في وقت لاحق إلى مسقط رأسه .
إسهامات ابن رشد
يعد ابن رشد في حقيقة الأمر ظاهرة علمية متعددة التخصصات، فهو فقيه مالكي، وقاضي القضاة في زمانه، وهو ذاته طبيب تفوق على أساتذته حتى ان أستاذه ابن زهر قال عنه: “ابن رشد أعظم طبيب بعد جالينوس”، وهو عينه فيلسوف عقلاني، وهو أيضا مترجم لأعمال أرسطو المرجعية والغرب فيما بعد، وهو أيضا فلكي ذي أعمال جليلة في المضمار، وهو نفسه المتكلم الذي تصدى لنقد المتكلمين باسم توافق المعقول والمنقول وعلى رأسهم الامام الغزالي.
محاولته التوفيق بين الشريعة والفلسلفة
من القضايا المهمة التي عمل عليها “مسألة التوفيق بين الشريعة والفلسفة”، وهي المسألة التي احتلت حيزًا كبيرًا في اهتماماته ودفعته للتوفيق بينهما وذلك لأسباب كثيرة من ضمنها أنه فيلسوف متدين، وذلك ما دفعه إلى أن يحرص على إظهار التوافق بين الدين والفلسفة، وجاء ذلك بعد حملة الغزالي وهجومه الضاري على الفلسفة والفلاسفة في كتابه “تهافت الفلاسفة”، وذكر الغزالي أن الفلسفة أدت بكثير من الناس إلى الكفر والإلحاد؛ فكان لزاما على الفقيه الفيلسوف أن يرد على هذا الزعم مبينا خطأه من صوابه.
ومن المبادئ التي اعتمدها “ابن رشد” في التوفيق بين الدين والفلسفة : أن الدين يوجب التفلسف، وأن الشرع فيه ظاهر وباطن، وأن التأويل ضروري للتوفيق بين الشريعة والفلسفة أو بين الدين والفلسفة.
وتوصل ابن رشد إلى “أن الدين أو الشرع يوجب النظر العقلي أو الفلسفي، كما يوجب استعمال البرهان المنطقي لمعرفة الله تعالى وموجوداته”، وذكر آيات كثيرة من القرآن الكريم تدعو إلى التفكر والتدبر، منها قوله تعالى : “فاعتبروا يا أولي الأبصار”، “أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء”، وصرح ابن رشد بأن الاعتبار ليس إلا استنباط المجهول من المعلوم، وهو القياس العقلي أو الشرعي والعقلي معا.
ودعا “ابن رشد” إلى مبدأ القياس، وصرح بأنه لا استغناء عنه، وعده ضروريًّا، وقال بأنه لا مانع من الاستعانة بما قاله الفلاسفة السابقون حتى ولو كانوا على غير ملتنا، ورد على من قالوا بأن الفلسفة تؤدي إلى الكفر بأن السبب ليس هو الفلسفة، ولكن من يتناول الفلسفة.
وفي المبدأ الثاني يذهر “ابن رشد” إلى أن نصوص الشرع لها معنى جلي قريب وواضح، وأيضا لها معنى خفي، أو بعبارة أخرى لها معنى ظاهر ومعنى باطن، ويصرح بأن الله تعالى راعى اختلاف نظر الناس وتباين قرائحهم فجعل للشرع ظاهرا وباطنا، فعلى العامة أن يقبلوا ظاهر النصوص دون جدل أو تأويل؛ لأنهم ليسوا أهلا لذلك، وإنما التأويل هو من شأن البرهانيين وحدهم لأنهم أهل لذلك، ولا ينبغي أن تذاع التأويلات على العامة، بل يجب أن تكون في وسط الخاصة فقط لمناسبتها عقولهم.
وفي مبدأ ضرورة التأويل ذهب ابن رشد إلى أن التأويل ضروري لصالح الدين والفلسفة، فإذا كان الدين يوجب النظر العقلي أو الفلسفي، فإنه من الواجب أن نلتمس تأويل ما لا يتفق معه من النصوص، وصرح ابن رشد بأن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع فإن هذا الظاهر يقبل التأويل حتى لا يصطدم الشرع والعقل.
وقسم “ابن رشد” المعاني من حيث التأويل وعدمه لأقسام أربعة هي: ما لا يجوز تأويله لموافقة ظاهره باطنه، وما لا يجوز أن يؤوله إلا الراسخون في العلم، وذلك عندما يكون المعنى الظاهر ليس مرادا من النص، وما لا بد من تأويله وإظهار هذا التأويل للجميع، وذلك إذا كان المعنى الظاهر رمزا لمعنى خفي، وما يؤوله العلماء لأنفسهم، وذلك إذا كان ظاهر المعنى رمزًا ولا يُعرف مدلوله إلا بعلم بعيد، مثل الحديث الشريف “الحجر يمين الله في الأرض” يؤوله العلماء لأنفسهم، ويقال للعامة إنه من المتشابه.
فكر ابن رشد
من وجهه نظ ابن رشد انه لا يوجد تعارض واضح بين الدين والفلسفة ،ويقول بأن الروح منقسمة إلى قسمين اثنين: القسم الأول شخصي يتعلق بالشخص والقسم الثاني فيه من الإلهية ما فيه. وبما أن الروح الشخصية قابلة للفناء، فإن كل الناس على مستوى واحد يتقاسمون هذه الروح وروح إلهية مشابهة. ويدعي ابن رشد أن لديه نوعين من معرفة الحقيقة، الأول معرفة الحقيقة استناداً على الدين المعتمد على العقيدة وبالتالي لايمكن إخضاعها للتمحيص والتدقيق والفهم الشامل، والمعرفة الثانية للحقيقة هي الفلسفة، والتي ذَكر بأن عدداً من النخبويين الذين يحظون بملكاتٍ فكريةٍ عاليةٍ توعدوا بحفظها وإجراء دراساتٍ جديدةٍ فلسفية.
ويرى ابن رشد أن العلاقة بين الحقيقة والشريعة، أو الفلسفة والدين، هي علاقة اتصال لا انفصال. وبذا فإن الأنبياء والفلاسفة يجب أن يتفقا، وإن كان النبي يقدم رسالته إلى عموم الناس، ليهديهم إلى سواء السبيل، والفيلسوف يوجه رؤيته إلى الخاصة، ويصيغ ما يقوله وعاظ الدين بطريقة أكثر اكتمالا وإحكاما واحتراما للعقل وتجنبا للغرق في المادية.
على هذا الأساس يدعو ابن رشد إلى التفرقة في الدين بين المعنى الحرفي، والمعنى الذي يعوزه التأويل والتفسير، ويكون العقل حَكما رئيسيا في هذه المسألة، فإن بدا لنا أن في القرآن نصا يتعارض مع العقل فعلينا أن نعتقد أن لهذا النص معنى آخر غير المعنى الحرفي المتداول على ألسنة الناس، ويجب علينا أن نبذل كل جهد مستطاع في سبيل تحصيله، دون ضعف حيال عموم الناس، الذين يتمسكون بالمعاني الحرفية ويقبلون القصص والرموز على حالها الوارد في النص القرآني فالعلماء والفلاسفة لهم الحق في أن يروا ما وراء المعاني الظاهرة ، وفي الوقت نفسه ينبغي عليهم أن يعلموا الدين تبعا لمدارك الناس، وعلى قدر عقولهم.
وهضم ابن رشد القسط الوفير من الفلسفة اليونانية، وشرح بإسهاب وجلاء واقتدار الكثير مما تركه أفلاطون وأرسطو، فوافق الأول في أن الفضائل الرئيسة المفضية إلى السعادة أربع هي: الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة، التي لا بد أن يتحلى بها الجميع، الحكام والحراس وأرباب الحرف وعموم الناس.
وقصر ابن رشد الخلود على العقل الجمعي للبشرية، الذي يتطور من جيل إلى آخر، أما عقل كل فرد على حدة فمآله الزوال، من وجهة نظره، وهي الفكرة التي ساهمت في دفع الفكر الأوروبي إلى التحرر خلال القرون الوسطى، خاصة أن ابن رشد شدد على الالتفات إلى التربية الأخلاقية في وجه التدين الشكلي.
وكان ابن رشد سابقا لعصره في إنصاف النساء، حيث أناط بهن دورا مهما في تربية الأجيال، فدعا إلى إصلاح وضع المرأة الاجتماعي، رابطا بين حدوث هذا واستمرار عطاء الحضارة الإسلامية وأنوارها. كما كان سباقا في الدعوة إلى التقريب بين المذاهب التي يراها أصحاب العقول الجامدة والمتعصبون والمتزمتون متنافرة بالضرورة. ولذا لم يكن جورج سارتون مبالغا وهو يؤرخ لمسار العلم في تاريخ البشرية حين قال: “ترجع عظمة ابن رشد إلى الضجة الهائلة التي أحدثها في عقول الرجال لعدة قرون”.
وقد اجتمع على معارضة ابن رشد السلطة والكنيسة وعلماء الدين المسلمون المتعصبون. فرجال الكنيسة الكاثوليكية غاظهم رفضه لسلطة رجال الدين، أي دين، وتخوفوا من تحريضه الناس على تحرير عقولهم حيال ما يقوله الوعاظ لهم، فطعنوا فيه، وكفروه، وسبوه بأفظع الألفاظ، ولذا وضعه دانتي في كتابه الشهير “الكوميديا الإلهية” في مقعد من الجحيم.
وأوغر بعض علماء الدين الإسلامي صدر السلطة على ابن رشد، فتم نفيه وحرق كتبه، وهنا يقول ابن حمويه: “لما دخلت البلاد، سألت عن ابن رشد، فقيل: إنه مهجور في بيته من جهة الخليفة يعقوب، لا يدخل إليه أحد، لأنه رفعت عنه أقوال ردية، ونسبت إليه العلوم المهجورة، ومات محبوسا بداره بمراكش”.
وقد اتهمه ابن تيمية في كتابيه “بيان تلبيس الجهمية” و”درء تعارض العقل والنقل” بأنه قام بتأويل العقيدة لتوافق فلسفة أرسطو، واعتقاده بالظاهر والباطن في الشريعة، وميله إلى أن البعث سيكون روحانيا فقط، وفتحه باب الاجتهاد حول هذه المسألة، وتعامله بحذر شديد من الأقوال المنسوبة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام.
ترك ابن رشد بصمة قوية على رجال دين مسيحيين على رأسهم توما الإكويني، ويهود من أمثال موسى بن ميمون، وهم من أعلام التجديد الديني في الغرب، وكانت لأفكاره مكانة في الجامعات الأوروبية حتى أواخر القرن السادس عشر، لتلعب دورا ملموسا في التمهيد للنهضة الحديثة التي شهدها الغرب.
وفي الشرق الإسلامي، لا تزال لأفكار ابن رشد آثار عميقة في آراء أولئك الذين يتصدون للأفكار المتطرفة والمتشددة، ويحيلون دوما إلى تصورات بشرية قديمة ويعتبرونها مرجعهم الأساسي، لا سيما تلك المناظرة التي تمت عن بعد بينه وبين أبي حامد الغزالي في كتابيهما “تهافت الفلاسفة” و”تهافت التهافت”.
علم الفلك
كان ابن رشد مغرماً بعلوم الفلك منذ صغره، فكان يلاحظ الفلكيين حوله يتكاتفون لمعرفة بعض أسرار هذه السماء في وقت الظلام، وحين بلغ الخامسة والعشرين من عمره بدأ ابن رشد يتفحص سماء المغرب من مدينته مراكش والتي من خلالها قدم للعالم اكتشافات وملاحظات فلكية جديدة، واكتشف نجماً لم يكتشفه الفلكيون الأوائل. وكان ابن رشد يتمتع بملكة عقلية باهرة، فكان يناقش نظريات بطليموس بل إنه نبذها من أصلها وأبدلها بنماذج جديدة تعطي تفسيرات أفضل لحقيقة الكون، وقدم للعالم تفسيراً جديداً لنظرية رشدية جديدة سميت «اتحاد الكون النموذجي». ومن بعض انتقاداته لنظريات بطليموس حول حركة الكواكب أن قال: «“من التناقض للطبيعة أن نحاول تأكيد وجود المجالات الغريبة والمجالات التدويرية، فعلم الفلك في عصرنا لا يقدم حقائق ولكنه يتفق مع حسابات لا تنطبق مع ما هو موجود في الحقيقة”.».
ثم انطلق يقدم الانتقادات الحصيفة حيال بعض الفرضيات التي قدمها الفلكيون في عصره. ثم قام بالمشاركة بوصف القمر بغير الواضح والغامض، وقال بأنه يحمل طبقات سميكة وأخرى أقل سماكة وتجتذب الطبقات السميكة نور الشمس أكثر من الطبقات الأقل سمكاً. وقدم للعالم وللغرب أول التفسيرات البدائية والقريبة علمياً لأشكال البقع الشمسية.
الأخلاق
انطلق ابن رشد في آرائه الأخلاقية من مذهبَي أرسطو وأفلاطون، فقد اتفق مع أفلاطون أن الفضائل الأساسية الأربع هي (الحكمة والعفة والشجاعة والعدالة)، لكنه اختلف عنه بتأكيده أن فضيلتي العفة والعدالة عامتان لكافة أجزاء الدولة (الحكماء والحراس والصناع)، وهذه الفضائل كلها توجد من أجل السعادة النظرية، التي هي المعرفة العلمية الفلسفية، المقصورة على «الخاصة». وقد قَصَرَ الخلود على عقل البشرية الجمعي الذي يغتني ويتطور من جيل إلى آخر. وقد كان لهذا القول الأخير دورٌ كبير في تطور الفكر المتحرِّر في أوروبا في العصرين الوسيط والحديث. وأكد ابن رشد على أن الفضيلة لا تتم إلا في المجتمع، وشدَّد على دور التربية الخلقية، وقد بسط ابن رشد أهم آرائه الأخلاقية من خلال شروحه على الأخلاق إلى نيقوماخوس لأرسطو وجوامع السياسة لأفلاطون. وأناط بالمرأة دورًا حاسمًا في رسم ملامح الأجيال القادمة، فألحَّ على ضرورة إصلاح دورها الاجتماعي في إنجاب الأطفال والخدمة المنزلية. وقد قال بعض الباحثين”: «“لقد تساءل الفيلسوف ابن رشد في القرن الثاني عشر الميلادي وهو يعاين انطفاء آخر أنوار الحضارة العربية التي سمت في الشرق الأوسط وأسبانيا إلى ذرى شاهقة عما إذا لم يكن هذا الانحطاط يرجع حزئياً على الأقل إلى الوضع الذي حبست فيه المرأة، وإلى انتباذها خارج الحياة الاجتماعية.”.»
الفيزياء
علم النفس
واستفاض ابن رشد في شرح أفكاره عن علم النفس من خلال تعليقاته الثلاثة التي عقب فيها عن محاضرة أرسطو بعنوان «عن الروح».فقد أبدى اهتمامًا كبيرًا بتفسير ذكاء الإنسان مستخدمًا الأساليب الفلسفية ومستندًا على تفسير أفكار أرسطو. وقد تبدلت مواقفه بصدد هذا الموضوع طوال فترة عمله مع تطور أفكاره. وفي تعليقه القصير، أول أعماله الثلاثة، تتبع ابن رشد نظرية ابن باغة التي تزعم بوجود «عقل مادي» يختزن صورًا معينة عن جميع الأشياء والمفاهيم التي يصادفها الإنسان. ويسخر «العقل الفعال» تلك الصور في تأسيس المعرفة الكلية عن هذا المفهوم. وفي تعليقه الأوسط، انتقل ابن رشد في نقاشه إلى أفكار الفارابي وابن سينا، قائلًا أن العقل الفعال هو ما يمنح البشر قدرة الفهم بصفة عامة، والتي تعرف بالعقل المادي. ومتى تصادف الإنسان في تجاربه الشخصية بمفهوم معين لفترة كافية، تنشط تلك القدرة، وتمنح صاحبها المعرفة الكلية عن هذا المفهوم (وهي فكرة مشابهة تمامًا لمفهوم الاستقراء في المنطق).
وفي تعليقه الأخير (وهو أطولهم وأكثرهم إسهابًا) اقترح هو الآخر نظرية أخرى عرفت باسم نظرية «وحدة الفكر». واقترح فيها بوجود عقل مادي واحد فقط، وهو لدى جميع البشر بصفة متطابقة، منفصلًا عن أجسادهم البشرية. وحتى يتمكن ابن رشد من تفسير أفكار الأفراد المختلفة، لجأ إلى استخدام مفهوم جديد سماه «الفكر» (باللاتينية cogitatio)، وهو عملية تتحقق بداخل أمخاخ البشر تشتمل لا على السعي إلى المعرفة الكلية، بل على «التدبر الفعال في الأشياء المعينة التي يصادفها الإنسان». ولاحقًا صارت تلك النظرية محل جدل حينما دخلت أول مرة أوروبا المسيحية؛ ففي عام 1229، كتب توما الأكويني نقدًا مفصلًا للنظرية بعنوان «عن وحدة العقل: دعوى ضد الرشديين».
مؤلفات ابن رشد
وضع أكثر من خمسين كتاباً في مجالات مختلفة:
– من شروحاته وتلاخيصه لأرسطو :
– تلخيص وشرح كتاب ما بعد الطبيعة (الميتافيزياء).
– تلخيص وشرح كتاب البرهان او الأورغنون.
– تلخيص كتاب المقولات (قاطيفورياس).
– تلخيص كتاب الأخلاق.
– تلخيص كتاب السماع الطبيعي.
– شرح كتاب النفس.
– شرح كتاب القياس.
مقـالاته كثيرة ومنها:
– مقالة في العقل.
– مقالة في القياس.
– مقالة في اتصال العقل المفارق بالإنسان.
– مقالة في حركة الفلك.
– مقالة في القياس الشرطي.
أشهر كتبه :
– كتاب مناهج الأدلة ، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية في الأصول.
– كتاب فصل المقال فيما بين الحكمة و الشريعة من الاتصال ، وهو من المصنفات الفقهية والكلامية.
– كتاب تهافت التهافت الذي كان رد ابن رشد على الغزالي في كتابه تهافت الفلاسفة.
– كتاب الكليات.
– كتاب “التحصيل” في اختلاف مذاهب العلماء.
– كتاب “الحيوان” .
– كتاب “فصل المقال في مابين الحكمة والشريعة من الاتصال”.
– كتاب “المسائل” في الحكمة
– كتاب “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” في الفقه.
– كتاب “جوامع كتب أرسطاطاليس” في الطبيعيات والإلهيات.
– كتاب “شرح أرجوزة ابن سينا” في الطب
فلسفته
عندما ننظر إلى كتاب فصل المقال لابن رشد نجد أنه قد آخى بين الفلسفة والمنطق فجعلهما مرتبطتين، ويعرف ابن رشد الفلسفة بأنها تعني المصنوعات التي يصنعها الصانع تدل عليه، وكلما عرفنا الموجودات معرفة أتم تكون معرفتنا بصانعها أتم، والشرع ندب (المندوب أي المستحب) إلى اعتبار الموجودات والنظر بها وبيان دلالتها، حيث دعا الشرع إلى اعتبار الموجودات لأن النظر في الموجودات نظر عقلي، وهناك أكثر من آية تشير إلى اعتبار الموجودات بالعقل.
ووفق ابن رشد تشير الآيات القرآنية إلى وجوب استعمال القياس العقلي، وبهذا يتضح تشديده على كلمات النظر، والاعتبار، والتفكر، والرؤية، ويعتبرها أدلة دينية على وجوب النظر العقلي في الموجودات، يفسر ابن رشد كلمة الاعتبار فيقول أننا من مقدمات معلومة نستنتج نتيجة مجهولة، أي من مقدمة كبرى فمقدمة صغرى نستنتج نتيجة، إذا سلمنا بالمقدمات الكبرى والصغرى ينتج عنها بالضرورة نتيجة، وبهذا الشكل سوّغ ابن رشد دراسة المنطق.
يميّز ابن رشد بين أنواع الأقيسة: القياس البرهاني: القياس الذي كلتا مقدمتاه صادقة. (وهو القياس السليم عنده) مثل: كل إنسان فانٍ..سقراط إنسان.. إذن سقراط فانٍ، والقياس الجدلي: القياس الذي إحدى مقدمتيه احتمالية أو كلتا مقدمتيه احتماليتان، والقياس المغالطي: هو القياس الذي فيه إحدى المغالطات.
ويقول “أبن رشد” أن الشرع أوجب النظر بالعقل في الوجود و أوجب دراسة المنطق من ناحية مفسرا آية “واعتبروا يا أولي الأبصار، معنى الأبصار القياس، وأوجب النظر في الوجود من علل الموجودات، والعلاقة بين ما يقرره العقل البرهاني وما تتفق به الشريعة، كل منهما يعبر عن الحق، والقضايا البرهانية العقلية هي حق، وما نطق به الشرع حق، والحق لا يضاد الحق بل يؤكده ويشهد له، أي ليس هناك تناقض بين الحكمة (الفلسفة) والشريعة، وكان مرجع ابن رشد النهائي هو العقل.
وفاة ابن رشد
توفي ابن رشد في المغرب في 10 ديسمبر 1198 ميلاديا .