رغم كون الباحثة المصرية الدكتورة “غادة محمد عامر”، أمٍّ لأربعة أبناء, إلا ان ذلك الأمر لم يحول بينها وبين تفوقها العلمي والأكاديمي, فهي نائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، وأستاذ الهندسة في جامعة بنها، والمدير التنفيذي لمختبر الابتكار، والمشرف على مكتب دعم التكنولوجيا لعلوم الابتكار في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، تم اختيارها مؤخراً ضمن قائمة أهم 20 إمرأة فى العلوم تفوقاً بالعالم، وضمن قائمة أقوى 100 امرأة عربية في قائمة “أرابيان بيزنس”، وأفضل 5 مهندسات فى أفريقيا ضمن كتاب “الصعود للقمة” الصادر من الاتحاد الدولى لجمعيات التعليم الهندسى ومجلس عمداء الهندسة العالمى بالولايات المتحدة، وجرى استعراض سيرتها الذاتية والعلمية, بمنهج الصف الرابع الابتدائى بالمدارس المصرية.
ولدت الدكتورة غادة لأسرة مكونة من أب من النوبة بجنوب مصر وأم من مدينة طنطا بمحافظة الغربية، وأخت، محبين للعلم وأن العلم أساس كل شىء، حيث وجهتها الأسرة لاستغلال كل طاقتها لتقديم أشياء مفيدة لها وللمجتمع، قائلة: “الوالدة لما كانت تقولى عاوزة تحافظى على شكلك ومكانك حافظى على علمك ودراستك وفكرك، والفلوس ملهاش قيمة والعلم أكثر قيمة”.
من صغرها وهي تعشق مجال الهندسة، وتحب بلدها, وتتمنى تقديم شىء يفيده فى هذا المجال وبالفعل سعت لذلك، على الرغم إنها تربت خارج مصر لكنها مصرية 100%، ووالدىها دائما كان يشاركنها فى أنشطة السفارة المصرية والاحتفالات وانتصارات حرب الـ 6 من أكتوبر، وكان دائما يقولا لها أنت مصرية كونى دائما فخورة بوطنك.
فور التحاقها بكلية الهندسة أجرت أول بحث لها وكان عن الطاقة بعنوان: “أجهزة الوقاية والقطع”، تصنيفها ضمن أفضل 20 سيدة فى العالم تأثير أثقل العبء عليها بأن تعمل على رفع اسم مصر عالياً والتغيير للأفضل فى حياة الأشخاص، ودفعها للعمل أكثر لتكون أكثر نفعاً للعالم، تقول: “أخدم الناس طواعية.. والمال وحب الناس سيأتي.. سيأتي”.
دعم العائلة
دعمتها عائلتها حتى تحقق نجاحها العلمي والمهني, فوالدها, أستاذ جامعي في كلية الهندسة، ووالدتها مدرّسة رياضيات، ولها شقيقة واحدة فقط، والدايها كانا يشجعاها دائماً على تحقيق رغباتها، فكان والدها يدعمها كثيراً، وتتفهم أمها الأمر جداً وتعاملها كصديقة، حتى في طفولتها، كانت تعرف متى تكون الصديقة ومتى تكون الأم الحازمة، فاعتمدت في تربيتها على الولاء لها ولأبيها. وقد أجبرها المجتمع الشرقي “الذكوري” على منافسة الرجال طوال الوقت، فكانت تتعجب عندما نعود من دولة الكويت حيث كان يعمل والدها، فيسأله أصدقاؤه في كل مرة: أين ابنك؟ ألم تنجب ولداً بعد! كانت حينها لا تزال طفلة وتتعجب من السؤال، وتقول لوالدها لماذا يسألون عن الصبي؟ وما الذي يحققه لوالده أكثر من الفتاة، وكان يجيبها بأن الصبي يخلّد اسم والده بعد وفاته، فقررت أن تنافس الرجال وتخلّد اسم والدها حتى بعد مماته، فسجلت على كتبها المدرسية منذ كانت في المرحلة الابتدائية: “الأستاذة المهندسة غادة محمد عامر”، وكان هدفها أن تصبح أستاذاً في كلية الهندسة مثلما كان يحب والدها… وحتى في ممارسة الهوايات والرياضات، كانت تنافس الذكور، فحصلت على بطولات في الشطرنج، وهي لعبة يصنفها المجتمع بأنها “رجالي”، كما لعبت كرة القدم، وحين كنت طفلة لم تكن هناك فرق مخصصة للفتيات فكنت تلعب مع الذكور.
ورغم كونها بين أكثر 20 امرأة مؤثرة في العالم الإسلامي، ونائب رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا وأستاذاً جامعياً، إلا أنها لم تسع يوماً إلى أي منصب أو توصيف وظيفي باستثناء التحاقها بهيئة التدريس الجامعي في كلية الهندسة، لكنها منذ طفولتها كانت تبحث عن التغيير والنجاح، فلم تقرأ روايات رومانسية، بل قرأت عن العالمة سميرة موسى، وكانت تتمنى أن تجتهد حتى تنال نصيباً من نجاحها وعلمها، كما كانت مولعة بالعالم الدكتور فاروق الباز ومهاتير محمد. وهنا تقول الدكتور غادة “سبحان من حقق أمنياتي إذ تشرّفت بالعمل مع الدكتور فاروق الباز في المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، وقابلت مهاتير محمد في أحد المؤتمرات وجلست الى جواره على المنصة وتحدثنا في الموضوع المطروح للنقاش”.
تلك العلامات أكدت لها أن تمني الخير والنجاح دائماً ما يحفز العقل الباطن للإنسان ويسخّر له كل عوامل النجاح، فكانت طوال عمرها تبحث عن النجاح والتميز في مجالها، وكثيراً ما تحقق أمنياتها، وهذا ما يلخص في علم الطاقة البشرية بنظرية قانون الجذب.
هي وتربية الأولاد
لم تشعر في قرارة نفسها بأن أبناءها الأربعة قد أعاقوا طموحها المهني والعلمي، خاصةً في ظل ما يشاع في مجتمعاتنا العربية من أن الأم العاملة الناجحة تكون فاشلة في تربية أبنائها. تقول د. غادة “أبنائي الأربعة قدموا لي الدعم وكانوا سبباً في نجاحي، وسأصارح كل الأمهات بأن الأبناء هم الاستثمار الأكبر في الحياة، وعنصر من عناصر النجاح، لكن المهم هو حسن إدارة الوقت وتنظيمه بين العمل والأبناء، فمثلاً أنا لا أهدر وقتي في المكالمات الهاتفية، والدليل على ذلك فواتير هاتفي المحمول التي تكون دائماً منخفضة القيمة، والأهم من ذلك أنني أعتبر أبنائي الأربعة بمثابة أصدقائي المقربين فنتناقش بأمور العمل وكيفية مواجهة ضغوط الحياة، كما أُطلعهم على سير نجاحي… وبناء على ذلك، أنصح كل امرأة عاملة ألا تلتفت إلى انتقادات المجتمع التي تحد من طموحاتها، وأؤكد لها أن من الصعب تغيير المجتمع بأكمله، لكن من السهل علينا أن نعزز ثقتنا بأنفسنا، لذا انشغلي بنفسك واهتمي بأبنائك وتابعي نجاحك، فهكذا تساهمين في تغيير الثقافة الاجتماعية الى الأفضل”.
السر في تنظيم الوقت
كونها زوجة وأمّاً لأربعة أبناء وتمارس أكثر من أربع وظائف في الوقت نفسه، رغم ذلك تستطيع التوفيق بين كل هذه الأمور. وهنا تقول “السر يكمن في حسن تنظيم الوقت، فالأمومة لم تكن عائقاً أمامي على الإطلاق، وأتذكر جيداً كيف تصادف يوم ولادة ابني الأكبر محمد، طالب في كلية الهندسة، مع اليوم الأول في دراسة الماجستير، وكان ذلك بتاريخ 1 تشرين الأول/أكتوبر 1996، ولم أحضر محاضراتي حيث دهمتني آلام الولادة صباحاً، أثناء تقديمي محاضرة بصفتي معيدة في كلية الهندسة، وانتقلت إلى المستشفى بسيارة الإسعاف، ورغم ذلك لم تتجاوز إجازة وضعي أكثر من أسبوع راحة في المنزل، وكنت أذهب من مدينة طنطا إلى القاهرة من أجل محاضرات رسالة الماجستير، وأترك رضيعي مع إحدى العاملات في الكلية الى حين انتهائي من المحاضرة وعودتي من ثم إلى طنطا بالقطار. وأعتقد أن شغف ابني محمد بكلية الهندسة- جامعة القاهرة يعود الى اصطحابي له أثناء تحضير الماجستير. ومع بلوغ محمد الشهر التاسع من عمره، فوجئت بحملي الثاني، وتزامنت ولادة ابني أحمد، وهو طالب في الثانوية العامة، مع ذهابي أيضاً إلى كلية الهندسة في جامعة القاهرة، بعدما وقعت من القطار على بطني ونقلت على الفور إلى المستشفى وولدت في اليوم الأول من الشهر الثامن بسبب انفجار المشيمة. رغم تلك المعاناة ما بين العمل والدراسة، واصطحابي لطفليّ الاثنين من طنطا إلى القاهرة لإتمام دراسة الماجستير، والتزاماتي الأسرية والزوجية، لم أشكُ يوماً من مشاكل العمل وضغوطه لزوجي أو حتى لأبي، إذ كنت أخشى أن يطالباني بالاستقالة أو الحصول على إجازة، وكان متنفسي الوحيد في الشكوى ابناي، رغم صغر سنّهما، وكونهما لا يفقهان شيئاً في أمور الحياة وقتها. حتى بعد إنجابي لابنيَّ التوأم إيلاف ومصطفى، وهما طالبان في الصف السادس الابتدائي، ما زال أبنائي الأربعة متنفسي في الحياة، فهم أصدقاء عمري واستثماره الأمثل”.
دعم الزوج
الدكتورة غادة, هي زوجة للدكتور عبدالله عبدالعزيز النجار رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا، وهو أستاذ جامعي في الفيزياء، أي المجال نفسه مجالها تقريباً، تجد معه حواراً فكرياً راقياً وشيقاً، فضلاً عن دعمها العلمي، فهو أستاذ فيزياء طاقة شمسية، وهذا العام كانت تدرس الطلبة في الجامعة طاقة متجددة، فساعدها في التحضير للمنهج الدراسي الجديد، ودائماً تستعين برأيه في مقالاتها العلمية التي تكتبها في الصحف العلمية، وعندما تخطط لمشروع فهو يقدم لها رؤية واضحة يدعمها بها، الى جانب نظرته الثاقبة إلى الآخرين… وفي حياتهم الأسرية هو نعم الزوج والأخ والصديق، – على حد قولها – كذلك هو صديق مقرب من أولادها وحريص على حسن المعاملة والرقي، وتجمع بين أبنائها وأبنائه مودة وصداقة، فهو دائم الحرص على توطيد العلاقة الأسرية وتقديم الدعم الأسري للجميع.
شهادة الأبناء
على مدار أربع سنواتٍ من الزواج، يؤكد الدكتور عبدالله عبدالعزيز النجار فخره بزوجته الدكتورة غادة عامر، كأمٍّ وزوجة وأستاذة جامعية وناشطة في المجال العام التكنولوجي، لافتاً إلى أنها منذ تطوعها للعمل في المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا كانت محط أنظار الجميع بسبب نشاطها وتفوقها العلمي والعملي، خاصة في ما يخص العمل الابتكاري ودعم الأفكار. ويقول الدكتور عبدالله بصفته أستاذاً جامعياً وعضواً برلمانياً سابقاً، إنه لا يخجل من الاعتراف بأنه تعلم من زوجته التفاؤل وعدم الانسياق وراء الطاقة السلبية، ومقاومة الإحباط بالمزيد من العمل. ويلفت رئيس المؤسسة العربية للعلوم والتكنولوجيا إلى إنه، بالإضافة إلى براعة زوجته كأمّ، فإن تنوعها الثقافي والعلمي قد انعكس على أبنائها، محمد الأكبر طالب في كلية الهندسة وعازف عود، أحمد طالب في الصف الثالث الثانوي وعاشق لكرة القدم، أما التوأم مصطفى وإيلاف فهما لا يزالان طالبين في الصف السادس الابتدائي، حيث يعشق إيلاف الرسم ويهوى مصطفى كرة القدم والعزف على الغيتار.
أما أبناء الدكتورة غادة عامر الأربعة فيؤكدون دائماً أنهم يستمتعون بصداقة أمهم، وأنهم لا يشعرون بابتعادها عنهم على الإطلاق رغم كثرة مشاغلها، حيث تنظم أوقات عملها أثناء وجودهم في المدرسة، وإذا كان لديها عمل إضافي في المنزل فيتزامن مع وقت مذاكرتهم، حيث يجتمعون جميعاً.