الأطفال هم عماد المستقبل، وبحسب إعدادهم وتربيتهم وتعليمهم يتشكل مستقبل الأمم، وانطلاقًا من هذه الرؤية قامت بعض المدارس الأمريكية برصد الأطفال النابغين في المراحل التعليمية الأولى، من أجل اكتشاف مواهبهم ورعايتهم لتحقيق مستقبل أفضل للشعب الأمريكي.
وقامت مدرسة “فيبي هيرتس” الابتدائية بعمل معرض للمخترعين الصغار، يقومون فيه بعرض كافة مخترعاتهم، والتي بالرغم من بساطتها إلا أنها تنم عن مواهب مبكرة وميول ابتكارية لا بأس بها بين هؤلاء الأطفال الصغار.
وفازت “سبنسر ماكفاي” التي تعد واحدة من أصغر المخترعات الأمريكيات بالجائزة الأولى عن اختراعها الذي هو عبارة عن ماكينة لإطعام الطيور ولإخفاء مفاتيح المنزل في الوقت ذاته، وهي طالبة بالصف الثاني في المدرسة الابتدائية، وكانت هناك العديد من الاختراعات الأخرى التي أثارت انتباه الزائرين، مثل باب لمنزل الكلب يعمل بالطاقة الشمسية تمنعه من الحفر أسفل منزله للهروب منه، وأداة لتنظيف غرف الأطفال الفوضوية المليئة باللعب الملقاة في كل مكان، والتي تتكون من ملقاط مغناطيسي، إضافة إلى مصيدة فئران للعقود القادمة.
تقوم المدارس الأمريكية بمحاولة تحفيز الأطفال على الاختراع والابتكار، وهو شيء أساسي في تلك المدارس، وتقوم تلك المدرسة في إحدى ضواحي ولاية سان دييجو الأمريكية بعمل معرض سنوي للمخترعين الصغار، وتشجع الأطفال تحت سن 12عامًا على محاولة اختراع أدوات لتخفيف مشكلات حياتهم اليومية.
وامتلأت ساحة العرض بالكثير من الاختراعات التي تلبي مختلف الاحتياجات، ويعد ذلك دليلاً على حرص الطلاب على الاختراع، كما تقوم قناة ABC الأمريكية بعرض برنامج (المخترع الأمريكي)، وهو في قائمة أفضل20 برنامجًا ترفيهيًا في القنوات الأمريكية، ويعرض البرنامج في أفضل أوقات ذروة المشاهدة على القنوات، ولكن البرنامج يقصر الاشتراك فيه على المخترعين الذين يبتكرون منتجات تستطيع (جذب أكبر عدد من المستهلكين)، كما يقول موقع البرنامج على الإنترنت.
ولكن في مدرسة “فيبي هارتس” الوضع ليس كذلك، فليست تلك الاختراعات بهدف الربح وتحويلها إلى منتجات تجارية، ولكن الغرض منها هو تنشيط ذهن الطلاب وتحفيزهم على الإبداع، وتقتفي خطى المخترعين الكبار أمثال توماس أديسون وصمويل مورس وجورج واشنطن كارفر وجوناس سالك الذين تميزوا بالغزارة في الاختراعات لكل الأغراض.
وفي هذا المعرض اصطفت الاختراعات الذكية في صفوف متراكمة، وبعضها عبارة عن نماذج أولية قيد التطوير، وخلف كل اختراع هناك لوحة عرض رائعة توضح كيفية عمل تلك الاختراعات وكيف تم صنعها والهدف من صناعتها وأهميتها.
وقام “ديفين هاتفيلد” باختراع (الكاب المبرِّد)، الذي يهدف إلى تبريد رأس مرتديه في الأيام الساخنة، ويحتوي على شقاقات بها جرابات ثلجية يمكن استخدامه أثناء المباريات، كما يمكن أن يستخدم للاستجمام في أي وقت، ويوضح ديفين سبب اختراعه لهذا الكاب قائلاً: (إنني أشعر بالحرارة الشديدة عندما ألعب وأجري في كل مكان).
أما “؟ليكسي هاتش” الطالبة في الصف الرابع فقد قامت باختراع ما سمته (متاهة الأسماك الرائعة)، فقد رأت أسماكها تعوم في حوض السمك أو الأواني الضيقة وتظل تدور جيئة وذهابًا، لذا فكرت أن تقوم بعمل متاهة ملونة للأسماك لكي تعوم فيها وتدخل من طرف وتخرج من آخر لكي لا تشعر بالملل، وكتبت ليكسي وراء اختراعها: (هل كنت تشعر بالملل إذا ظللت تعوم محبوسًا في الوعاء نفسه كل يوم بالكيفية ذاتها؟)، لذلك صنعت هذا الأنبوب البلاستيكي الملون، ولكن تقول والدتها كاري أن هذا الاختراع قيد التطوير، فلا تزال الأم تأتي كل يوم لتحاول أن تخرج الأسماك التي (تاهت) في هذه المتاهة ولا تستطيع الخروج منها، وأحيانًا تقوم بإخراج بعض الأسماك التي نفقت بعد أن ملت من البحث عن مخرج.
وتقول “سبنسر ماكفاي” إن فكرة اختراعها جاءت بعد أن تعبت من تلك المشكلة التي كانت تؤرقها بصفة دورية، ففي الصيف الماضي أثناء رجوعها من المدرسة بعد السير مسافة طويلة في القيظ وجدت أن باب منزلها مغلق ولم تعثر على المفتاح، لذا تحتم عليها الرجوع في ذلك الطريق الطويل الحار مرة ثانية للاتصال بوالدها، كما أنهم عادة ما كانوا ينسون إطعام الطيور، لذا لمعت في ذاكرة تلك الطفلة ذات السنوات الثماني فكرة رائعة: لماذا لا نقوم بإخفاء المفاتيح في آلة لتغذية الطيور، وبذلك نكون قد استغللنا الماكينة في إخفاء المفاتيح، وتذكيرها بإطعام الطيور في الوقت ذاته، (يا لها من فكرة رائعة!).
أما الطفلة “كاتي دوتشمان” الطالبة في الصف الرابع فطالما احترق لسانها عند شربها للشيكولاته الساخنة، لذلك فكرت مليًا لإيجاد وسيلة لذلك، ثم فجأة ضربتها تلك الفكرة الألمعية: أن تقوم بوضع ترمومتر داخل وخارج فنجان الشيكولاته وعلى طبق الفنجان يشير إلى درجة الحرارة، وبذلك يتفادى من يشرب من تلك الفناجين لسع لسانه عند ارتشافه للشيكولاته الساخنة، وقالت كاتي إن درجة الحرارة المناسبة لاحتساء الشيكولاته الساخنة – حسب خبرتها وتجاربها – هي 110 درجة فهرنهيت.
مشاهدة أفلام الكارتون ورؤية الكلاب وهي تحفر أسفل بيتها من أجل الهروب أعطت “نيكولاس باتريك” تلك الفكرة الرائعة: عمل باب وسور واقي بلاستيكي لبيت الكلاب أو الحيوانات الأليفة الأخرى التي تحاول الحفر أسفل السور، ويشرح نيكولاس الطالب في الصف الثالث طريقة عمل اختراعه (بالرغم من أنه لا يمتلك كلبًا!)، فيقول: (عندما يقوم الكلب بالحفر فإن السور المكون من عدة أعمدة يتهاوى مع الحفر ليغلق تلك الفتحات بصفة دورية، ويعمل بالطاقة الشمسية، لذلك لن تستطيع الكلاب الذهاب إلى أي مكان).
كما قام طلاب باختراع مفكرة حلزونية تفتح بصورة مناسبة للأطفال الذين يستخدمون أيديهم اليسرى في عالم يغلب عليه الذين يستخدمون أيديهم اليمنى، لذا قام المخترع بعمل تلك المفكرة بغلاف على الجانب الأيمن للقضاء على إرهاق وعذاب الأطفال الذين يستخدمون أيديهم اليسرى.
كما كان هناك اختراع آخر يحاول القضاء على ما يمكن اعتباره المشكلة الأولى عند كل الأطفال حول العالم: الغرفة الفوضوية! فقد قام طفل باختراع نموذج أولي يشبه أرجوحة طرزان، وبها مكنسة تقوم بكنس اللعب الملقاة في كل مكان بعرض الغرفة ومثبت فيها حقيبة تنظيف في يد، واليد الأخرى تقوم بالتقاط اللعب المتناثرة. والمشجع في تلك الاختراعات أن الابتكار (مرض معدي)، فالأطفال عندما يرون ابتكارات نظرائهم يشعرون بالغيرة المحمودة ويلتقطون الأفكار الجديدة، كما أن الاختراعات والابتكارات من الواجبات المنزلية التي لا تثير سخط الأطفال، ولكنها تمنحهم حرية الابتكار، كما أنها تعد الأطفال بمستقبل باهر في ظل وجود سوق مفتوح يلتقط تلك الأفكار والمواهب الشابة من أجل تصنيعها ونشرها في الأسواق.
ويقول نيكولاس فرانكوفيتش – المدير التنفيذي للمتحف القومي للتعليم في مدينة أكرون بولاية أوهايو الأمريكية – والذي قام بإنشاء المعرض القومي للمخترعين الأمريكيين الصغار: (إن هناك اهتمامًا ضخمًا في البلاد الآن بالاختراعات والابتكارات، فالكليات ترغب في أن تدرج الاختراعات ضمن مناهجها الدراسية، كما أن الصين الآن قد قامت بالسيطرة على جانب كبير من التصنيع العالمي، وأنا لدي هذا الشعور بأن الولايات المتحدة بدأت تعتقد أنها إذا لم تقم بالتفوق على الصين في مجال التصنيع، فإنها يجب عليها أن تتفوق في مجال الاختراعات).
وقد تعجب الآباء في صالة العرض في “سان دييجو” من التنوع والابتكارات التي تحمل الكثير من الأفكار الذكية جدًا، وتساءل البعض إذا كان من بين هؤلاء الأطفال المخترعين العباقرة (آينشتاين جديد).
ولكن الخبراء يقولون إن وجود آينشتاين جديد من بين هؤلاء الأطفال صعب رصده في تلك السن المبكرة، فالابتكارية يمكن أن تظهر على الطفل في أي لحظة من لحظات الطفولة، ويمكن أن يظهر الطفل عبقرية في مجال ما وفي الوقت ذاته يظهر خلل في التفكير في جانب آخر.
وتقول “فينيسا جينسين” – المتخصصة في علم نفس الأطفال في مستشفى الأطفال بمستشفى كليفلاند كلينيك بولاية أوهايو- إن هذا صعب تحديده، فالإبداعية غير العادية والابتكارية التي يمكن أن يظهرها الطفل في أية لحظة من لحظات طفولته يمكن أن تكون عبقرية، ولكن الطفل قد يكون لديه خلل في الابتكار في مجال آخر.
وتقول “لورين ليتلفيلد” – عالمة النفس بكلية واشنطن في شيسترتاون بولاية ميريلاند – إنه في بعض الأحيان يكون الأطفال خلاقين بصورة غير عادية لسبب لا يعرفونه، وتضيف: (إن الأطفال يمكنهم أن يفكروا بصورة أكثر حرية عن الكبار بسبب محدودية معرفتهم).
سواء كان ذلك عبقرية أو خطلا، فإن العبقرية وراء تلك الابتكارات في معرض المخترعين كانت مريحة، وقد علق أحد الآباء قائلاً: (إنها تعطيني أملاً في المستقبل).
وهذا الأمل يتمثل في “ميليس إبيس”، الطالب بالصف الثاني، والذي اخترع مصيدة فئران (إنسانية) لا تقوم بقتلها، ولكن لماذا فعل ذلك؟ فقد شاهد مصيدة فئران تقليدية وهي تعمل، ولكن في مستقبل ميليس، فإن الفئران لن يتم قتلها بصورة وحشية، ففي المقابل، فإن ثقل الفأر سوف يحول الباب المحوري للمصيدة، ويضع الحيوان القارض في غرفة بها باب للإغلاق، ويمكن بعد ذلك إطلاق سراح الفأر في مكان آخر. وقد صرح طفل آخر كان يجلس في الجوار وكان يستمع إلى ميليس قائلاً: (لا أفهم ما تعنيه).
ولكن ميليس، وهو فتى في السابعة من عمره ويحمل مقومات قيادية وربما يقوم بقيادة الطلاب الآخرين في يوم من الأيام، تحول إلى زميله في الفصل بهدوء وقال له: (لقد قررت فقط أن تكون هناك طريقة أفضل، وهذا ما قمت بعمله).