شاء القدر أن يولد ليجد نفسه ابن العمدة في مركز فارسكور بمحافظة دمياط وأن يكون واحداً من أفراد الأسرة تتاجر في الجبن لكنه كان دائماً يري مستقبله بصورة أخري فكل من حوله وصفوه منذ صغره بأنه شخص مختلف لا يتعامل مع ما حوله من أمور علي أنها مسلمات فعقله دائماً يدفعه للجدال والنقاش.. البعض اعتبره متمرداً ولكنه كان دائماً علي ثقة بحدسه الداخلي والذي قاده لخوض مشوار النجاح الصعب.
من الشرق للغرب كانت رحلة الكفاح الطويلة التي نستعرضها مع الطبيب العالمي د.حامد شبانة استشاري الأمراض الباطنة بألمانيا الذي خرج علي ظهر سفينة من مصر عام 1962 حاملاً معه أحلامه الكبيرة التي لا حدود لها بعد أن رهنت والدته مصاغها لتحقق له حلمه وودعه والده بالدموع التي لم يرها سوي لحظة الرحيل فقد كان رافضاً سفره لخوفه الشديد عليه، ملامح قصة كفاحه تتشابه إلي حد كبير مع ما جسده الفنان أحمد زكي في فيلم «النمر الأسود».
مواقف كثيرة وصعوبات قيدت شبانة في بداية مشواره لكنه تحداها بكل إصرار وعناد فالروح القتالية هي ما يميزه ورغم تحذيرات الكثيرين له من الفشل إلا أنه صمم ولجأ إلي إدارة البعثات لمساعدته علي تحقيق الحلم كانت أولي العقبات التي قابلته عدم الاعتراف بشهادة الثانوية العامة المصرية ومن ثم كان عليه الخوض مرحلة الإعادة لها إجبارياً هذا إلي جانب برودة الجو الشديدة التي تحملها بصعوبة حيث تصل درجة الحرارة إلي 35 درجة تحت الصفر وفي ظل عدم توفر المادة لم يكن متاحاً أمامه سوي المشي في ظل هذا البرد القارس لدرجة سقوط شعره وتجمد ملابسه وكلها كانت صعوبات كفيلة بسلب الحلم منه ولكن دافعه لدراسة الطب كان أقوي كثيراً.
يؤكد د.حامد -في حديث له مع جريدة روز اليوسف المصرية- أن ما علمه له والده من قيم ساعده علي تخطي هذه الصعاب فرغم أنهم الأسرة الوحيدة التي امتلكت سيارة إلا أنه كان يذهب للمدرسة مشياً علي الأقدام كغيره من الطلاب كما أنه كان يرتدي الملابس «الكستور» التي يشتريها والده العمدة لتوزيعها علي الفقراء. كانت عقبة اللغة من أبرز ما عاناه لكنه تغلب علي ذلك باستغلال أيام الإجازات للخروج علي الطريق واستقلال أي سيارة «AutoStop» ليجوب أنحاء لم يزرها من قبل وبالتالي ليكتسب مفردات اللغة.
عمل شبانة بالعديد من المهن إلي جانب الدراسة فعمل «جنايني» و«ممرضاً» في أحد مستشفيات الجامعة وتحدي نفسه للنجاح في دورة اللاتيني التي لم يكن ينجح أي أجنبي فيها إلا بعد سنوات وهو ما يعتبره أجمل فرحة في حياته.
بعد ثماني سنوات ونصف تمكن شبانة من دراسة الطب وبعدها بدأت أموره تتحسن وتزوج من سيدة ألمانية أنجب منها أبناءه الخمسة ثم حصل علي الدراسات العليا في تخصص الأمراض الباطنة وأسس أول مركز متخصص في ألمانيا يحمل اسمه.
دفعه حنينه الرجوع إلي مصر لتأسيس مستشفي علي النظام الألماني ليتم من خلاله تبادل الخبرات وتم بالفعل تنظيم 8 مؤتمرات طبية عالمية تم من خلالها تناول تطور الطب الحديث والعمليات الجراحية الحديثة علاوة علي طرق العلاج الجديدة بحضور كبار العلماء ومازال يستكمل مشوار التطوير ونقل الخبرات.
يري شبانه أننا أغني دولة في العالم من حيث الإمكانيات الطبيعية والبشرية ولكن جميعها لا تجد التوظيف الأمثل لها وبالتالي يتم هدرها فنحن لدينا قصور ثقافي وتربوي يحتاج للتطوير ويصف الحل بأنه مسئولية مشتركة بين كل من الحكومة والمجتمع.
يؤكد د.حامد علي ضرورة أن يبدأ كل واحد منا بنفسه فلابد من التفكير الإيجابي وعدم انتظار المردود الإيجابي عن المستوي الفردي بل علي المستوي الجماعي للمجتمع ككل..
علياء أبوشهبة