ساعة جدارية تغير فهمنا نحو الكون وتؤسس لنظريات فزيائية جديدة
ساعة جدارية: مع بدايات القرن الماضي وتحديداً عام 1915م, توصل “أينشتاين” إلى نظرية النسبية العامة والتي تقول, أن مجال جاذبية جسم كبير جداً يشوه “الزمكان”. وتشير تلك النظرية بأن الوقت يتباطأ عند الاقتراب من كتلة مهمة. لكن التأكد من تلك النظرية لم يصبح ممكناً إلا بعد فترة طويلة بفضل اختراع الساعات الذرية التي تقيس الوقت من خلال رصد انتقال الذرات إلى درجة أعلى من الطاقة لدى تعرضها لتردد معين. وقد تم إجراء اختبار سنة 1976 تمثّل في إرسال ساعة إلى الفضاء، فتبين بنتيجته أنها أسرع بمقدار ثانية واحدة كل 73 عاماً من ساعة مماثلة لها على الأرض. ومنذ هذا الحين، أصبحت الساعات أكثر دقة، ومن ثم أصبحت أكثر قدرة على رصد تأثيرات النسبية.
وفي هذا الإطار تمكن العلماء مؤخراً من التحقق من نظرية اينشتاين عن النسبية العامة على أصغر مقياس في تاريخ التجارب العلمية، من خلال إثباتهم أن دقات ساعتين جداريتين تظهر تباعدًا طفيفًا بينهما عندما يفصلهما جزء من الميليمتر فقط.
يقول “جون يي”, الباحث بجامعة “بولدر في كولورادو” أن الاختبار أجري على نوع من الساعات الجدارية يُعتبر الأكثر دقة “بأشواط” بين تلك المتوافرة حتى اليوم. وقد تتيح هذه الساعة الجدارية الطريق لاكتشافات جديدة في ميكانيكا الكم التي تشكّل الأساس في العالم دون الذري.
ونشر “جون يي” وزملاؤه نتائج دراستهم في مجلة “نيتشر” المرموقة، وشرحوا فيها تفاصيل التقدم التقني الذي مكّنهم من التوصل إلى ساعة جدارية تفوق دقتها بخمسين مرة نموذجهم السابق الذي سبق أن حطم عام 2010 الرقم القياسي في الدقة.
وتمكن فريق جون يي قبل نحو عشر سنوات من تحطيم رقم قياسي من خلال رصد فارق في التوقيت نتيجة تثبيت ساعتهم الجدارية في نقطة أعلى بمقدار 33 سنتيمتراً.
وتمثل الانجاز الذي حققه جون يي في إجراء استخدام ما يسمى ساعات “الشبكة الضوئية” التي تحتجز الذرات بطرق معينة بواسطة الليزر. وتتيح هذه التقنية منع الذرات من السقوط بسبب الجاذبية أو من التحرك، مما قد يحدّ من الدقة.
وتحوي الساعة الجدارية الجديدة مائة ألف ذرة من السترونشيوم، مثبتة في طبقات عدة، يبلغ إجمالي ارتفاعها مليمتراً واحداً. ومكّنت درجة الدقة العالية التي تتسم بها هذه الساعة العلماء من أن يكتشفوا عندما تم تقسيم هذه المجموعة إلى نصفين الفروق الزمنية بين النصف العلوي والسفلي. وتعمل الساعات كمسابر عند هذا المستوى من الدقة.
وتستطيع ساعات كهذه مثلاً أن تتيح في المناطق البركانية التمييز تحت السطح بين الصخور الصلبة والحمم البركانية، مما يمكّن تالياً من التنبؤ بالانفجارات البركانية. كما يمكنها أيضاً أن تساهم في دراسة كيفية تسبب الاحترار المناخي بذوبان الأنهار الجليدية ورفع مستوى سطح البحر. إلا أن أكثر ما يثير حماسة “جون يي” هو الدور الذي تؤديه هذه الساعات في مجال الفيزياء.
فالساعة الجدارية الحالية قادرة على اكتشاف فارق زمني على بعد 200 ميكرومتر، ولكن في حال خفض هذا الرقم إلى 20 يمكنها أن تستكشف عالم الكم، وتساعد تالياً في سد بعض الفجوات النظرية. وإذا كانت النسبية توفر تفسيراً ممتازاً لكيفية تتصرف الأجسام الكبيرة كالكواكب أو المجرات، فهي لا تنطبق على ميكانيكا الكم التي تتعامل مع البالغة الصغر. ومن شأن تقاطع المجالين إتاحة خطوة إضافية نحو “نظرية كل شيء” قادرة على تفسير كل الظواهر الفيزيائية للكون.