عباقرةمبدعون

عبقري السليلوز

وفي الحقيقة لست متأكداً إن كان وصفه “بالرجل” أمراً دقيقاً. فهذا الصيني كان خصيا من حاشية الإمبراطور هوي تي. وسر عظمته تكمن في أنه قدم للإمبراطور اختراعاً فريداً نعرفه اليوم باسم الورق. فقد نجح عام 105في تحضير عجينة بيضاء من سليلوز الخشب يمكن فردها إلى حدود رقيقة بحيث تصبح مناسبة للكتابة!

والورق في عرف الكثيرين ما يزال أعظم اختراع في التاريخ، وأهميته لا تتأتى من ذاته، بل مما وفره (مع الطباعة) من انتشار أفقي للمعرفة ونشرها بين عامة الناس.. فقبل اختراع الورق كان الجهل متفشياً بسبب صعوبة تدوين العلم ومحدودية انتشاره. ورغم استخدام الحجارة والجلود والخيزران والبردي للكتابة، إلا أن هذه المواد لم تكن فقط ثقيلة، بل غالية ونادرة ومحدودة..

وتذكر المصادر أن الإمبراطور تي أعجب كثيراً باختراع تسايلون فرفعه إلى مرتبة النبلاء وولاه رئاسة البلاط واعتبره مستشاره الخاص. وحتى وفاة الإمبراطور اعتبر تحضير الورق سراً من أسرار البلاط الإمبراطوري ولا يجوز استعماله في غير المراسلات الحكومية، إلا أن سر تحضيره سرعان ما عم الصين قبل نهاية القرن الثاني الميلادي!!

وظل الورق داخل حدود الصين حتى نقله العرب عنهم عام 751(بعد معركة اطلس). فبعد نجاح قتيبة بن مسلم في اجتياز نهر جيحون واتخاذه من طاشقند مركزاً لفتوحات الشرق أصبح الاحتكاك بالصينيين أمراً وارداً. وبالفعل التقى العرب مع الصينيين في معركة وحيدة كانت بمثابة (جس نبض) تفرق بعدها كل طرف بدون ضرر كبير. هذه المعركة لا تعد شيئاً يذكر مقارنة بمعارك العرب الكبيرة ولم تترتب عليها نتائج استراتيجية مهمة، غير أنها انتهت باسر العرب لبعض صناع الورق الصينيين. وقد أدرك قتيبة أهمية الورق فرفض اطلاق سراحهم ما لم يبوحوا بسر تحضيره. وكان له ما أراد فانتشرت صناعة الورق في سمرقند بغداد ثم دمشق والقاهرة.. ومن العرب عرف الأوروبيون صناعة الورق ونقلوها إلى بقية العالم..

وبعكس اختراعات كثيرة لم يفقد الورق أهميته رغم مرور ثمانية عشر قرناً عليه. بل بالعكس ترسخت مكانته جيلاً بعد جيل وحضارة بعد أخرى، وتم ادخال تحسينات عديدة عليه وحتى اليوم – رغم تطور برامج الكتابة الإلكترونية – ما يزال الورق هو الأكثر استعمالاً. ويعود سر نجاحه وبقائه إلى أنه أسهل وأرخص وسيلة لحفظ وتداول المعلومات.. بل إن تقرير “معهد مراقبة العالم” (لعام 1998) يشير إلى أن استهلاك الورق تضاعف بنسبة ثماني مرات عما كان عليه عام

1950.ورغم أن أمريكا واليابان وأوروبا لا تضم سوى خمس سكان العالم، إلا أنها مسؤولة عن استهلاك ثلثي الإنتاج العالمي. وتأتي الولايات المتحدة في المركز الأول حيث يستهلك كل فرد فيها 341كلجم سنوياً من الورق، يليه المواطن الياباني بـ 232كلجم ثم الألماني 200- في حين يبلغ متوسط الفرد في العالم ككل 46كلجم في العام!!

.. وقبل أن أنسى، دعني أخبرك لماذا وصفت تسايلون كـ “سابع أعظم رجل في التاريخ”..

فهذا الوصف اعتمد على قائمة تدعى “أعظم مائة رجل في التاريخ” وضعها المؤرخ الأمريكي “مايكل هارت”، فقد بحث هارت عن أعظم مائة شخصية أثرت في التاريخ وصنفهم حسب الأهمية وقوة التأثير فأتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في المركز الأول (…) فيما احتل تسايلون المركز السابع!!.

فهد عامر الأحمدي

 

زر الذهاب إلى الأعلى