علاء السبيعي أول باحث عربي ضمن فائزين بجائزة باحثين متميزين
أُعلن أمس الأول 20 أغسطس اختيار الدكتور علاء الدين السبيعي، عالم أبحاث في الكيمياء ومدير مشاريع بحثية بشركة “دوبونت” (DuPont) الأميركية الرائدة في الصناعات الكيميائية والتكنولوجية، ضمن الفائزين بجائزة الباحثين المتميزين الـ12 في علوم الكيمياء (Talented 12) لعام 2021 التي تنظمها كل عام “الجمعية الكيميائية الأميركية” (American Chemical Society)، ليصبح بذلك أول باحث عربي يتوج بهذه الجائزة.
عن هذا الفوز المذهل وعن مسيرته العلمية -التي انطلقت من جامعة دمشق مرورا بالسعودية وكندا ثم الولايات المتحدة- يحدثنا الباحث في هذا الحوار الذي أجرته معه الجزيرة نت:
اختارتك الجمعية الكيميائية الأميركية ضمن الفائزين بجائزة الباحثين المتميزين الـ12 في علوم الكيمياء على مستوى العالم، كيف حدث ذلك؟
هذه الجائزة من أرقى الجوائز العالمية في علوم الكيمياء وهي أهم جائزة علمية تقدمها الجمعية الكيميائية الأميركية للعلماء الشباب، إذ تمنحها الجمعية الكيميائية الأميركية بالشراكة مع “هيئة أخبار الكيمياء والهندسة” (Chemical & Engineering News, C&EN) الشهيرة كل عام لأفضل 12 باحثا وعالما كيميائيا شابا على مستوى العالم.
يفوز بهذه الجائزة كل عام 12 باحثا وعالما كيميائيا يعملون أساتذة في الجامعات أو علماء في مراكز البحوث والتطوير الصناعية أو مراكز البحوث الحكومية في مختلف دول العالم.
الجائزة تُمنح للعلماء الشباب الذين تقل أعمارهم عن 42 سنة في جميع المجالات المتعلقة بعلوم الكيمياء والهندسة الكيميائية وهندسة المواد وتكنولوجيا النانو، ويتم الترشيح لها بسرية تامة بمعنى أنه ليس الباحثون هم من يقومون بالترشح، وإنما تقوم الجامعات ومراكز البحث العلمي وإدارات البحوث والتطوير في مختلف الشركات والدول بتقديم الأسماء التي يرونها جديرة بالفوز من دون علم الباحث.
وتعتبر هذه الجائزة عرفانا للباحثين الشباب على مشوارهم العلمي، وهي مفتوحة لكل الجامعات والشركات بمختلف مجالاتها ومراكز البحوث العلمية الحكومية.
وكل عام تستقبل الجمعية الكيميائية الأميركية ترشيحات أكثر من 600 باحث وعالم أحدثوا ثورات علمية في مجالاتهم، والاختيار يقع أخيرا على الباحثين الذين حققوا أكبر القفزات العلمية في مجالاتهم سواء كانت نظرية أو من خلال إنجازات علمية كان لها تطبيقات واقعية نتج عنها شركات ناشئة أو اكتشافات علمية أو منتجات كان لها أثر مهم في حياة البشر، وهم في نظر مجلس الجائزة (الذي يتشكل من علماء كبار) سيكونون قادة المستقبل في تخصصاتهم.
وهل علمت من قام بترشيحك وكيف؟
بالنسبة لي، لقد تم ترشيحي بالنظر إلى الإنجازات العلمية والاختراعات التي أنجزتها حتى اليوم. البداية -على ما أعتقد- كانت بجامعة كورنيل في الولايات المتحدة حيث قمت عام 2016 بتطوير مواد بوليمرية جديدة أحدثت ثورة علمية في مجال كيمياء البوليمرات ومجال تنقية المياه.
نتج عن هذه الاكتشافات العلمية عدة اختراعات لمواد بوليمرية نانوية تستطيع إزالة الشوائب العضوية المايكروية من المياه بسرعة كبيرة تفوق بآلاف الأضعاف أفضل المواد المستخدمة حاليا في تنقية المياه وبأرخص التكاليف، إضافة إلى أن هذه المواد قمت بتطويرها من مصادر طبيعية غير ضارة بالبيئة. وكنا قد نشرنا هذه الإنجازات العلمية في عدة بحوث ومقالات علمية في كبرى المجلات العلمية وأهمها، ومنها مجلة “نيتشر” (Nature)، وهي أهم وأعرق مجلة علمية في العالم.
بالإضافة إلى أن تلك البحوث نتج عنها عشرات براءات الاختراع في العديد من دول العالم ونتج عنها شركة أميركية ناشئة اسمها “سايكلوبيور” (Cyclopure) عام 2017، وهي تعتبر اليوم إحدى أهم 10 شركات ناشئة في مجال معالجة المياه في أميركا، ويعمل بها 10 علماء كيميائيون متخصصون في مجالات كيمياء البوليمرات وعلوم المواد وتنقية المياه.
بعد جامعة كورنيل وفي أثناء عملي عالما في مراكز البحوث والتطوير في شركة “أركيما” (Arkema) العالمية عام 2018، كنت ضمن الفريق البحثي الذي طور أول توربين رياح قابل لإعادة التدوير بالكامل، وهذا التوربين مصنوع من مادة قمنا بتطويرها تسمى “إليوم” (Elium)، ولقد أصبحت اليوم من أهم المواد التي يتم استخدامها لتصنيع توربينات الرياح التي تستخدم لتوليد الطاقة الكهربائية، ونتج عن هذه البحوث عشرات براءات الاختراع المسجلة حاليا.
بعدها انتقلت عام 2018 إلى شركة دوبونت الأميركية التي تعتبر ثاني أكبر شركة أميركية في مجال الصناعات الكيميائية والتكنولوجية، ومنذ ذلك الوقت وأنا أعمل عالما في أحد أهم مراكز بحوث الشركة المعنية بتطوير تكنولوجيا الترانزستور وأشباه الموصلات النانوية التي تدخل في تركيب المعالجات النانوية الموجودة في مختلف الأجهزة الإلكترونية الذكية حول العالم، مثل الموبايلات وأجهزة الذاكرة والشاشات المسطحة والأجهزة الطبية ووسائل المواصلات وغيرها.
في هذه الشركة، حققت إنجازات وقفزات نوعية في مجال تكنولوجيا “التسوية الكيميائية الميكانيكية” لأشباه الموصلات (Chemical mechanical planarization) بهدف تحسين أداء وجودة المعالجات النانوية والرقائق الإلكترونية ورقائق الذاكرة في مختلف الأجهزة الإلكترونية، ونتوقع بأن يتم تسويق منتج من ثمار أبحاثي خلال العام القادم.
ما قيمة هذه الجائزة، هل هي مادية أم معنوية أم الاثنان معا؟
هي الاثنان معا، أما أنا فاعتبرها معنوية أكثر منها مادية لأن اسم الجائزة كبير في عالم الكيمياء فهي تمنح الباحث علامة فارقة في مجاله وتفتح له بذلك أبواب الشهرة.
من الناحية المادية، كل باحث يفوز بجائزة مالية على شكل شيك مالي، بالإضافة إلى عضوية مجانية مدى الحياة في الجمعية الكيميائية الأميركية وهدايا أخرى ستبقى مفاجئة.
والأهم من ذلك سيتم عقد مؤتمر سنوي خاص بهذه الجائزة خلال يومي 27 و28 من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، حيث سيقوم كل واحد من الـ12 الفائزين بالجائزة بإلقاء محاضرة أمام آلاف الحاضرين لهذا المؤتمر حول العالم، ومن ثم يتم تسليم الفائزين جوائزهم ضمن حفل في هذا المؤتمر.
كيف استقبلت خبر فوزك بالجائزة؟ وما أهميتها بالنسبة لك خاصة أنك الوحيد من الوطن العربي؟
أنا صراحة تفاجأت من خبر فوزي بالجائزة، فهناك الآلاف من الباحثين ينتظرون كل سنة فوزهم بهذه الجائزة، أنا لم أكن أتوقع الفوز بها لأنها جائزة صعبة وتنافسية جدا، خاصة أنني أول عربي يفوز بها.
التتويج محطة فارقة في مشواري العلمي ومنعطف حاسم سيدفعني من دون شك لتحقيق المزيد من النجاحات ويفتح لي المزيد من الآفاق، لأن الفائزين بهذه الجائزة هم عادة يعملون في كبرى الجامعات والشركات ومراكز البحوث حول العالم، الأمر الذي قد يجعلني ضمن طليعة الباحثين الكبار في مجال الكيمياء.
هل هذه المرة الأولى التي تتوج فيها بجائزة؟ أم سبق لك الفوز بجوائز مرموقة خلال مشوارك؟
سبق لي الفوز عام 2018 بجائزة النجم الصاعد للصناعة البوليميرية في أميركا، وهي جائزة تمنحها الجمعية الأميركية للمهندسين الكيمائيين التي تعتبر ثاني أكبر جمعية للعلماء الكيميائيين في العالم وجائزتها لها سمعة كبيرة.
كما سبق لي -خلال عملي بشركة أركيما- الفوز بجائزة أفضل بحث تعاوني في الشركة عام 2017.
وإضافة إلى هاتين الجائزتين فقد سبق لي الفوز بمنحة كبيرة من جامعة ألبرتا الكندية لدراسة الدكتوراه، التي كانت أهم منحة دراسية يتم منحها في ولاية ألبرتا بكندا، وهي بنظري جائزة مرموقة لأنها لا تمنح إلا للباحثين المتفوقين في ولاية ألبرتا، وقيمتها ضخمة حيث تبلغ 120 ألف دولار كندي.
هذا التتويج -على ما يبدو- ثمرة سنين طويلة من العمل الدؤوب، حدثنا عن مشوارك الدراسي منذ البداية من مدارس دمشق بسوريا إلى جامعات أميركا؟
حصلت على درجة البكالوريوس في الكيمياء التطبيقية من جامعة دمشق عام 2005، كنت حينها ضمن الخمسة الأوائل على كلية الكيمياء وذلك سمح لي بالحصول على منحة لدراسة الماجستير في الكيمياء العضوية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالسعودية.
حصلت على درجة الماجستير التي استغرقت سنتين وكانت نقاطي عالية جدا، حيث حصلت على الترتيب الأول في كل مواد الدراسات العليا التي درسناها، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها طالب على أعلى ترتيب في كل المساقات الدراسية بالدراسات العليا في هذه الجامعة.
هذا التفوق سمح لي بالفوز بمنحة دراسية من جامعة ألبرتا الكندية التي كنت قد حدثتك عنها، وهي منحة لدراسة الدكتوراه بالتعاون مع المركز القومي الكندي لتكنولوجيا النانو، وأنهيت مرحلة الدكتوراه في مجال الكيمياء العضوية وتكنولوجيا النانو عام 2013. ومجال بحثي في الدكتوراه كان تطوير مواد عضوية نانوية لعلاج كسور وهشاشة العظام.
وبعدها سافرت إلى الولايات المتحدة باحثا لما بعد الدكتوراه في قسم الكيمياء والبيولوجيا في جامعة كورنيل (وهي واحدة من أكبر 10 جامعات في أميركا) وقضيت بها عامين.
بعد ذلك عملت لمدة عامين عالما في شركة أركيما، ثم انتقلت عام 2018 للعمل عالما في شركة دوبونت كما أخبرتك سابقا.
أنت قدوة للباحثين والطلاب العرب، فما أهم النصائح التي يمكن أن تقدمها لهم؟
أقول دائما للطلبة الذين يريدون الدخول إلى عالم البحث العلمي بأن هذا الطريق طويل وصعب ويلزمه الصبر والرغبة فيما تقوم به.
يجب على الباحث ألا يضع نصب عينيه الربح المادي، لأن ذلك سيعوقه حتما؛ ثمار البحث العلمي في الغالب تأتى متأخرة ومن ينشد المال لن يجد ضالته بدايةً وإنما بعد جهد كبير وعمل دؤوب.
البحث العلمي عالم عجيب لأنه في تطور دائم وسريع وهو ما يجعلك تشعر بأنك تعمل لخدمة البشرية وهذا إحساس راق.
أما عن تخصص الكيمياء فهو واحد من أوسع وأهم المجالات العلمية على الإطلاق، وهو المجال المسؤول عن معظم مظاهر التطور التكنولوجي الذي نشهده في عالمنا الحالي، وفي أميركا وحدها هناك أكثر من 10 آلاف من مراكز البحوث العلمية في مختلف مجالات الكيمياء وأعداد كبيرة جدا من الباحثين في هذا المجال الذين يعدون بالملايين.
هل من كلمة أخيرة؟
نشأت في أسرة متوسطة الدخل، بالنسبة لي كانت الدراسة في جامعات خارج سوريا حلما كبيرا، فأبي -بدخله- لم يكن باستطاعته أن يمول دراساتي، ولكن بفضل الله ثم تفوقي في الدراسة تمكنت رويدا رويدا من ارتياد أرقى الجامعات العالمية.
أنا أدعو كل الطلبة العرب -خاصة السوريين منهم الذين يمرون بظروف صعبة بسبب الأوضاع السياسية غير المستقرة- أن يجتهدوا في دراساتهم ويتطلعوا إلى الأحسن فكل شيء في هذه الحياة ممكن بالعمل والصبر والإرادة، وكما يُقال في أميركا “إذا وجدت الإرادة فلا بد أن يوجد الطريق”.