يأتي “اليوم الدولي للبحارة” كل عام في الخامس والعشرين من يونيو, للتذكير بقيمة وأهمية فئة مهمة وشريحة واسعة من العمالة النشطة في عالمنا، وهذه الفئة تواجه تحديات ومخاطر كبيرة خاصة فى ظل الكوارث والتحديات الطبيعية الكبرى التي تجبرهم عن الانقطاع عن أسرهم وأوطانهم لفترات طويلة.
وبدأ الاحتفال بيوم البحارة لأول مره عام ٢٠١٠ حيث قررت المنظمة البحرية الدولية إطلاق مبادرة عالمية للاحتفال بالبحارة في جميع أنحاء العالم، وحددت ٢٥ يونيو لليوم العالمى للبحارة الاعتراف بأن كل ما نستخدمه في حياتنا اليومية قد تأثر بشكل مباشر أو غير مباشر بالنقل البحري، وفي عام ٢٠١١ اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاحتفال رسميا باليوم الدولي البحارة تقديرا للمساهمة الكبيرة التي يقدمها كل بحار حول العالم.
وفقا لتقارير المنظمة البحرية الدولية، فإن 90% من التجارة الدولية يتم نقلها بحرا عن طريق السفن، والبحارة العاملون على متن هذه السفن ليسوا فقط مسؤولين عن تشغيل السفن ولكنهم مسؤولون أيضًا عن نقل وتسليم البضائع بشكل آمن.
خط المواجهة
وأشار “كيتاك ليم” الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية في رسالته بهذه المناسبة، إلى أن العمل الفريد والأساسي للبحارة هو تماما مثل العمال الرئيسيين الآخرين، حيث يقف البحارة على خط المواجهة في هذه المعركة العالمية.
وأضاف ليم، إنهم يستحقون شكرنا. لكنهم يحتاجون أيضًا – ويستحقون – عملا إنسانيًا سريعًا وحاسمًا من الحكومات في كل مكان، ليس فقط خلال الوباء، ولكن في جميع الأوقات. وأشاد ليم، بالبحارة معترفا بتضحياتهم والقضايا التي يواجهونها. فالعديد من البحارة كانوا بعيدين عن منازلهم منذ شهور وهم غير متأكدين متى يمكنهم العودة إلى ديارهم بسبب قيود السفر.
الأبطال المجهولون
ويشير تقرير صدر عن المنظمة البحرية الدولية، بأنه في بداية من منتصف يونيو ٢٠٢٠ سيتطلب مايصل إلى ٣٠٠ الف من البحارة كل شهر رحلات طيران دولي لتغيير طاقم السفينة، ويحتاج نحو ١٥٠ الف بحار للعودة إلى الوطن بالطائرة، وأنه ينتظر حاليا نحو ٧٠ الف من موظفى السفن السياحية العودة للوطن، كما يعمل مايقرب من مليون بحار على حوالى٦٠ الف سفينة شحن كبيرة حول العالم، وان العالم يعتمد على البحارة لنقل أكثر من ٨٠٪ من التجارة والمواد الغذائية والطبية والطاقة والمواد الخام والسلع المصنعة من جميع أنحاء العالم، وان قيود السفر تركت الآلاف منهم عالقين على السفن.
لقد كان البحارة هم الأبطال المجهولين لهذا الوباء، حيث يعتمد العالم عليهم لنقل أكثر من 80 % من التجارة من حيث الحجم ، بما في ذلك المواد الغذائية والسلع الطبية الحيوية والطاقة والمواد الخام، وكذلك السلع المصنعة في جميع أنحاء العالم. لقد كانوا أيضًا ضحايا جانبيين للأزمة، حيث تركت قيود السفر عشرات الآلاف منهم عالقين على السفن، أو غير قادرين على الانضمام إلى السفن. كما أن الصعوبات المحيطة بالعودة إلى الوطن وتغييرات الطاقم لها تأثير كبير على صناعة الشحن وتم تحديدها كمسألة ذات أولوية، حيث حثت المنظمة البحرية الدولية والمنظمات الأخرى الحكومات على التدخل. وقد تناول أنطونيو غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة هذه المسألة حتى الآن، وأعرب عن قلقه إزاء الأزمة الإنسانية وأزمة الأمان المتزايدة التي تواجه البحارة في جميع أنحاء العالم، ودعا جميع البلدان إلى تعيين البحارة وغيرهم من الأفراد البحريين رسميا «كعاملين رئيسيين». والتأكد من إمكانية تغيير الطاقم بأمان.
الحاجة للدعم والمؤازرة
وقد كشفت التقارير الدولية إلي وجود حوالي 100 ألف من طواقم السفن السياحية في العالم، تقطعت بهم السبل على متن سفنهم بسبب جائحة كورونا، ولا يستطيعون العودة إلى منازلهم. وأن تحقيقا لها وجد أن العمال العالقين على ما لا يقل عن 50 سفينة مع تفشي كورونا، يعانون من محدودية المعدات الطبية وبعضهم أصبح من دون أجر، ولا نهاية تلوح في الأفق لوضعهم هذا. وأن أعضاء طواقم هذه السفن لا يستطيعون الوصول للموانئ، وهم ممنوعون من السفر بالطائرة للعودة إلى منازلهم، وأنهم أصبحوا أمة من المنبوذين العائمين الذين تقطعت بهم السبل على قوارب من جزر غالاباغوس إلى ميناء دبي. وكثير من هؤلاء لديهم اتصال ضئيل فقط مع العالم الخارجي، مما يجعل من الصعب التدقيق في أوضاعهم، لكن ما تأكد حتى اليوم أن ما لا يقل عن 17 عاملا في هذه السفن قد توفوا بسبب فيروس كورونا، كما تم إجلاء عشرات آخرين منها ونقلهم إلى المستشفيات.
من تاريخ البحرية في الحضارة العربية الإسلامية
يقول الباحث التاريخي “محمد هشام النعسان”: “قبل ظهور الإسلام عرف الرحالة اليوناني (هيبا لوس) من البحارة العرب الرياح الموسمية وهذه الرياح تمثل في رحلة الشتاء و الصيف عند العرب.كان البحارة العرب ينتظرون موعد الرياح القوية والقادمة من الشمال لتدفع مراكبهم الشراعية باتجاه الجنوب من البحر الأحمر إلى الهند وشرق آسيا ثم الانتظار لحين موعد الرياح المعاكسة لتعود بهم إلى ديارهم.
وقد أخذ العرب من اليونانيون جهاز الإسطرلاب لقياس ارتفاع النجوم والكواكب ولقد جعله العرب أكثر دقة وأسهل استعمالا حتى اشتهر العرب بصناعته.
وقد استعمل البحارة العرب أجهزة أخرى مثل السدس (التيودوليت)، استعمل البحارة العرب البوصلة في عهد الإدريسي، أما المنظار المقرب فلم يعرفه العرب إلا في القرن السابع عشر بعد ما ابتكره جاليلو الإيطالي.
كان البحارة العرب على معرفة جيدة بطبيعة البحار، سواء في قيادة سفنهم للرحلات الطويلة أو الأحوال المناخية المتقلبة والموسمية وكانوا يستعملون (الدليل البحري) ويسمى الرهماني أو الرحماني، ويسمى أيضا دفتر الإرشاد البحري، وكانوا يستعملون تقويم خاص بالبحارة يسمى (النيروز)، وكانوا يحسبون طلوع المنازل ومواسم الرياح وأوقات الأسفار وسرعة مراكبهم و المسافة وطرق تمييز الجزر والوقت المتوقع وصولهم.
لقد كان العرب يسيرون رحلاتهم البحرية بانتظام من شبة الجزيرة العربية إلي الهند وشرق آسيا حتى وصلوا الصين حيث يذكر أن هناك جاليات من أصل عربي تعيش هناك.
وعندما بدأ انتشار الإسلام كان الحماس الشديد عند المسلمين للمشاركة في نشر الدعوة الإسلامية وبالتالي ازداد نشاط الرحلات البحرية الطويلة إلى أفريقيا والهند وشرق أسيا لاكتشاف بلاد جديدة لم يصلها الإسلام.
من أشهر البحارة العرب
– الملاح سليمان التاجر: الذي يعتبر من المصادر الهامة في المعرفة الجغرافية والتاريخية لبحار آسيا، ويرى كثيرون أن قصة السندباد البحري ما هي إلا نسج للأوصاف هذا الملاح العربي في القرن التاسع ميلادي.
– كذلك سجل الملاح البحري أحمد بن ماجد عدد كبير من الكتب في القرن الخامس عشر بعد القيام برحلات واسعة في البحر الأحمر والخليج العربي والمحيط الهندي، ولقد لمع اسم ابن ماجد والبحار سليمان المهري في الأوساط العلمية الغربية بعد عثور المستشرق الفرنسي جبريل فيران على مخطوطات ومؤلفات في علم الملاحة.
– وورد في كتاب البيروني أوصاف للبحار الشمالية المتجمدة والكائنات البحرية.
– البتاني وابن حوقل: قام كل منهما في القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي بعمل خرائط بحرية عن البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي وكانت خرائط المسعودى أقرب إلى الواقع.
– المسعودي: وقد عمل المسعودي عدة كتابات وصف فيها بحر الروم (الأبيض المتوسط) وصفاً جيداً من ناحية الطول والعرض وحدده. وكذلك وصف الحيوانات البحرية مثل: الحوت، وقال عنه: أن اسمه (الفال)، ويصل طوله (400 ذراع) ويهز البحر وينفث الماء إلى ارتفاع أكثر من ممر سهم.
– أما وصف الدمشقي لسمك القرش بأنه موجود ببحر اليمن، وأن جلده خشن وله خرطوم طويل مثل المنشار، وطوله أربعة اذرع.
– رحلات ابن بطوطة في القرن الرابع عشر.
– رحلات العمانيين إلى زنجبار وإلى إندونيسيا حيث جلبوا القرنفل ونقلوه إلى زنجبار القريبة من الساحل الأفريقي وأصبحت زنجبار مشهورة بزراعته وتصديره. وكانت الرحلة من عمان إلى زنجبار تستغرق شهر ونصف.
– أصدرت تركيا عام (1864م) أيام الإمبراطورية العثمانية أول مجموعة قانونية تتضمن قواعد القانون البحري مستوحاة من الشريعة الإسلامية ويعتبر أكثر إنسانية من القانون البحري العالمي لأن الفقهاء المسلمين فرضوا الالتزام بالمساعدة لأي سفينة معرضة للخطر، على العكس من القانون البحري المعاصر الذي يسمح بالمساعدة مقابل المطالبة بمبالغ هائلة. هذا البند يجعل من قادة السفن لا يطلبون المساعدة من السفن الأخرى إلا بعد استنفاذ جميع المحاولات مما يؤدي إلى سوء الحالة.
– قام الأميرال العثماني محي الدين الريس بكتابة “كتاب البحرية”، وصف فيه خرائط تفصيلية للبحر الأبيض المتوسط وكان ذلك سنة 1554م.
– أما الأميرال العثماني الكابتن سيد علي قام بكتابة “كتاب المحيط”، وصف فيه المحيط الهندي وكان ذلك سنة 1562م.
– وصدر عن الملاح الكويتي عيسى القطاني كتاب “دليل المحتار في علم البحار”، شرح فيه عن الملاحة والغوص وتجارة اللؤلؤ وبعض العادات والتقاليد في الخليج العربي وكان ذلك سنة 1915م.
وقد عمل الغزاة والمستعمرين من البرتغال بعد اكتشاف رأس الرجاء الصالح بملاحقة المراكب العربية وقطع الطريق عليها ومهاجمتها بغرض القرصنة و النهب. كما فرضوا حصار على مدخل الخليج العربي والبحر الأحمر لغرض شل الحركة التجارية، وبعد هذه الحوادث لم تعد المراكب العربية على أن تجرؤ على الابتعاد عن السواحل، وبعد هذه السيطرة البرتغالية مائة سنة كانت هذه المدة كافية لفقد الملاحة العربية للمعلمين والربابنة الذين يجيدون فن الملاحة الليلية بقياس النجوم والرحلات الطويلة”.