المجلةبنك المعلومات

“مانو براكاش ” و”جيم سيبولسكي”.. بالعلم لكل مشكلة حل فعال

عشرات الآلاف من المدارس والمعامل والمستشفيات في بلدان العالم الأقل نموا تفتقر إلى ميكروسكوبات تعينها على أداء أدوارها في التعليم أو الفحص المجهري للعينات، فضلا عن أن الآلاف من الباحثين الميدانيين الذين يجوبون الآفاق يحتاجون أحيانا كثيرة إلى الفحص المجري للعينات في مواقع بحثهم، وإذا كانت التكلفة العالية لأجهزة الميكروسكوب أو صيانتها تمثل عائقا للفئة الأولى من الناس، فإن عبئ التنقل بأجهزة باهظة الثمن في بيئات العمل الميداني تمثل عائقا للفئة الثانية، وكانت هذه وتلك المشكلات حافزا لكل من مانو براكاش وجيم سيبولسكي Cybulski Manu Prakash and Jim الباحثين الهندسيين بجامعة ستانفورد الأمريكية على إيجاد حل لتلك المشكلات.

كان الحل مجهرا مصنوعا من الورق المقوى بطريقة الأوريجامي، يمكن وضعه في الجيب ولا يتكلف سوى دولار واحد، بدلا من ألفي دولار ثمنا للمجاهر المعتادة، عندما تحدث عنه مانو براكاش في تيد TED في السابع من مارس 2014 ، لم يتخيل أحد، أن هذه الفكرة الخيالية يمكن أن تتحول إلى حقيقة، بله أن تقوم شركة ناشئة خصيصا لإنتاجه وأن تقوم بتوزيعه في سائر بقاع العالم، إنه بلا شك مجهر ثوري من شأنه أن يحدث ثورة في التعليم والعلم، والهواية والطب في سائر بقاع العالم، فما قصته؟

تبدأ القصة عام 2011 ، أثناء زيارة مانو لتايلاند، أصابته الدهشة لرؤية أن العديد من العيادات البعيدة لديها مجاهر حديثة، ل كنها لم تستخدمها أبدًا، وكما يشرح في تقرير نشر على موقع ذا أتلانتك The Atlantic في سبتمبر من عام 2015 شرح مانو المشكلة: “إنها أي أجهزة الميكروسكوب مكلفة للغاية بحيث أن الجميع خائف من لمسها”، لذا كان من الأفضل الاحتفاظ بهم فقط، لذا رأى مانو أن هذا أمر سخيف، وأن عليه أن يشرع في صنع شيء أفضل. “شيء مثل القلم الرصاص”، كما يقول.

في ذلك الوقت كان جيم طالب دكتوراه في المعمل الهندسي الذي يشرف عليه مانو في الجامعة، لذلك فقد عملا سويا على ابتكار حل رخيص، وذي تكلفة متحملة ويمكنه تحمل الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها جهاز ميكروسكوب مكلف، لذا فبعد سنوات من التخطيط والتصميم والتجربة والخطأ، توصلا إلى ابتكار الفولدسكوب Foldscope، وهو مجهر يأتي كورقة واحدة من الورق السميك، حيث يمكنك أن تقوم بتفكيك المكونات، وتطويعها على نمط الأوريجامي، وربطها معا،ً وخلال عشر دقائق، يكون لديك جهاز يزن 9 غرامات، ويوضع في الجيب، ويحمل شرائح مجهرية منتظمة، ويمكنه التكبير إلى أكثر من 2000 مرة باستخدام عدسة مدمجة صغيرة، وهو ما يكفي لتصو ير كل شيء من مخالب الخنفساء إلى مستعمرة من البكتيريا. وأفضل ما في الأمر أن الجهاز يكلف أقل من دولار لتصنيعه.

في ورقتهما البحثية التي نشراها على موقع بلوس Plos العلمي الشهير في 18 يونيو 2014 ، وفي مقدمة الورقة يشير الباحثان إلى أنه، ومنذ اختراع الميكروسكوب، تطور المجال لتوفير العديد من طرائق التصوير التي تقترب من تصوير أهداف تصل في أحجامها إلى 250 نانومتر وأصغر. مع ذلك، تتطلب بعض التطبيقات حلولًا غير تقليدية بسبب التحديات السياقية والمفاضلات بين التكلفة والأداء، على سبيل المثال، يوفر الفحص الميداني للعينات في الحقل فرصًا مهمة للدراسات البيئية، والبحوث البيولوجية، والفحوصات الطبية. علاوة على ذلك، توفر المجاهر الدقيقة ذات التكلفة المنخفضة للغاية وسائل لتعليم العلوم العملية في المدارس والجامعات.

وأخيرًا، يمكن لهذه المنصة – ابتكارهما تمكين مجتمع عالمي من المجهريين الهواة من التقاط صور لمجموعة واسعة من العينات ومشاركتها.

وقد ارتكز الباحثان في عملهما الذي جمع بين مبادئ التصميم البصري والأوريجامي على مبدأ: التصنيع الفعال – من حيث التكلفة والقابل للتطوير، باعتباره جزء لا يتجزأ من “العلوم والهندسة المقتصدة”، كما أشارا أيضا في مقدمة الورقة البحثية، إلى أن هذا يمثل أحد الاتجاهات البحثية التي سبقهما إليها آخرون حيث يقولان: على سبيل المثال، أن التصنيع عبر الطي ظهر كاستراتيجية تصميم قوية وذات غرض عام مع تطبيقات التجميع الذاتي النانوي لتلسكوبات فضائية ذات فتحة كبيرة، كما تم استكشاف إمكانيات طي الروبوتات الوظيفية بالكامل، حيث تم دمج المحركات وأجهزة الاستشعار والمرور بطريقة متكاملة، كما تعد تكنولوجيا تصنيع العدسات الصغرى الحديثة مثالًا رئيسياً آخر على التصنيع القابل للتطوير. الحافز الاقتصادي/ الاجتماعي إذا فضلا عن الحافز العملي والعلمي، هو ما دفعاهما لاستخدام ما حباهما الله من علم وحلم وخيال من أجل تصميم وابتكار هذا الميكروسكوب، لا بل إلى تأسيس شركة لتحويل ابتكارهما إلى حقيقة، والذي لاقى إقبالا كبيرا، حيث باعا منه 500 ألف وحدة، وصلت إلى جميع أنحاء العالم، كما استطاعا إلى يؤسسا منصة إلكترونية تجمع مستخدمي هذا النوع الرخيص والعملي من المجاهر، ليتشاركوا سويا ملاحظاتهم وأفكارهم ومشكلاتهم في استخدامها.

د. مجدي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى