مرايا أرشميدس : في القرن الثالث قبل الميلاد هاجمت السفن الرومانية مدينة سراقوسة على الساحل الشرقي لجزيرة صقلية.. وحين علم الملك هيرو بتحرك الأسطول الروماني أرسل في طلب أرشميدس (رائد الهندسة التقليدية).. وبسرعة طلب منه التفكير في طريقة لصد السفن الرومانية.. حينها ابتسم أرشميدس بخبث وقال: بالمرايا يا سيدي نستطيع إيقافها!
ذهل الملك من هذا الرد الساذج وأيقن ان أرشميدس (وهو المعروف بأطواره الغريبة) قد جن فعلاً.. إلا ان أرشميدس سرعان ما اقنع الملك بضرورة نصب مرايا عملاقة مقعرة تعكس ضوء الشمس (وتركزه) باتجاه السفن الرومانية حتى تحرقها!!!
.. هذه القصة يُستشهد بها كثيراً على عبقرية أرشميدس إلا أنها تنتهي دائماً بدون الإشارة إلى نجاح أو فشل هذه الخطة.. وبتتبعي لتاريخ سراقوسة وجدت ان الرومان قد دخلوا المدينة فعلاً وان أرشميدس قتل على يد جندي سكران وهو ما قد ينفي الرواية السابقة ـ رغم صحتها من الناحية العلمية!!
على أي حال حكاية أرشميدس هذه استعانت بها (شركات محترمة) لنقض دعوى رفعها مخترع الليزر.. ففي عام 1957م رسم البروفيسور الأمريكي جوردن جولد أول جهاز لتوليد الليزر.. وقد ابتدع بنفسه اسم الليزر من خلال تجميع الأحرف الأولى لتعريفه العلمي Light Amplification by the Stimulated Emission of Radiation ولكن لقلة الخبرة ـ وانشغاله بالتحضير للدكتوراه ـ لم يهتم جولد بالحصول على براءة اختراع.. وحين بدأ يدرك أهمية اكتشافه كانت شركات كثيرة كبرى قد استعملت الليزر في تطبيقات عديدة.. وهكذا بدأ جولد متأخراً للمطالبة بحقه فتكاتفت ضده شركات عملاقة مثل هيوز وأي بي ام وجنرال موتورز وجنرال ليكتريك.. فهذه الشــــركات حقـــقت أرباحا ضـخـمـة مـن تقنية الليزر (تقدر بـعــشـرة بــلايين دولار في العام) والاعــتراف بـجـولد كمخترع يعني الاعتراف بحقه من تلك الأرباح بأثر رجعي!!
ولكن ما حدث بعد ذلك يعد واحداً من أعظم قصص الكفاح والصمود العلمي.. فبعد عشرين عاماً من الدعاوى ـ والدعاوى المضادة ـ حصل جولد على اعتراف الحكومة بحقه كمخترع لليزر.. وكانت الخطوة التالية هي مقاضاة الشركات التي استعملت تلك التقنية والمطالبة بحصته من الأرباح.. غير ان الحصول على براءة اختراع ـ من جهة حكومية ـ أسهل من انتزاع لقمة سائغة من فم الشركات الكبرى.. وبالفعل لم يستطع جولد ـ الذي كان حينها مجرد أستاذ جامعي ـ ان يقف امام سطوة المال والنفوذ الذي تملكه تلك الشركات.
وفي لحظة يأس قرر قبول عرضها باستلام مليوني دولار للتنازل عن الدعوى.. ولكن في اللحظة المناسبة عرضت عليه مؤسسة باتلكس (وهي مؤسسة محاماة ضخمة) تولي القضية مقابل 64% من العائدات المتوقعة.. ولم يكن أمام جولد غير قبول هذا العرض فبدأت باتلكس بتقسيم الدعوى ومقاضاة كل شركة على حدة.. ورغم الاعتراف به رسمياً كمخترع لليزر، إلا ان الأمر تطلب أحد عشر عاماً أخرى حتى بدأ جولد يحصل على أول عائد مادي (في عام 1986).. وحالياً يعد جولد واحداً من أثرى أثرياء العالم ـ كونه يأخذ نسبة معلومة عن كل جهاز يستعمل الليزر!!
الطريف ان الشركات السابقة حاولت إنكار حق جولد بادعائها أن أرشميدس هو أول من فكر في “تكثيف الضوء” حين أحرق الأسطول الروماني!!!
فهد عامر الأحمدي