نقلت مجلّة “اميريتس بيزنس” عن محلل عربي كبير مختص بقطاع الطاقة أن المشاريع الضخمة للطاقة المتجددة التي قررت دولة الإمارات العربية وغيرها من بلدان الشرق الأوسط انشاءها، يمكن أن تحولها الى دول مصدرة للطاقة الشمسية فضلاً عن صادراتها الكبيرة من الهيدروكاربونات.
ونقلت مجلة “اميريتس بيزنس” عن مدير عام المركز العربي للأبحاث النفطية في باريس نيكولا سركيس والذي يقوم بدور المستشار لمنظمة البلدان العربية المصدرة للنفط ذات الأعضاء العشرة، قوله ان البلدان العربية يمكن ان تبدأ بتصدير الطاقة الشمسية بعد النفط.
وكتب سركيس في مجلة النفط والغاز العربي التي يصدرها المركز ان تطوير الطاقة الشمسية اخذ يصبح بوتائر متسارعة، اولوية في السياسات الطاقية التي تنتهجها غالبية البلدان في الشرق الأوسط وافريقيا الشمالية، سواء أكانت منتجة للنفط والغاز أم غير منتجة.
وقال سركيس ان الاهتمام المتزايد بالطاقة الشمسية وغيرها من مصادر الطاقة المتجددة في البلدان العربية غير المصدرة للنفط، لا يمليه تفاقم عجزها في امدادات الطاقة وعدم كفاية مواردها المحلية من المحروقات الاحفورية فحسب بل تفرضه ايضًا الضرورات البيئية والتقدم التكنولوجي الذي يتسم به تطوير طاقات متجددة.
اما كبرى البلدان المصدرة للهيدروكاربونات في العالم العربي، فإن استغلال امكاناتها الهائلة في مجال الطاقة الشمسية يعكس حرصًا مزدوجًا على حماية البيئة من جهة والاستعداد لحقبة ما بعد النفط من جهة أخرى، على حد تعبيره.
الامارت العربية
كتب سركيس ان الامارات العربية المتحدة برزت بوصفها رائدة في هذا القطاع، لا سيما ابو ظبي بمبادرة “مصدر” الشهيرة التي اطلقتها الامارة لتكون اكبر برنامج يهدف الى تطوير طاقة نظيفة في العالم باستثمارات زادت على 22 مليار دولار. ولاحظ سركيس عقد اتفاقيات متعددة لبناء “مدينة مصدر”، بما في ذلك اتفاقيات مع شركتي باسف وفراونهوفر غيزيلشافت الالمانيتين.
منذ عام 2008 عقدت “مصدر” اتفاقيات عدة مع شركات عالمية لتنفيذ طائفة واسعة من المشاريع في مجال الطاقة المتجددة بينها مشروع مع شركة “كوانيرغي” الالمانية لبناء منشأة تنتج الواحا شمسية في اطار برنامج رصد له مليار دولار، واتفاقية مشاركة قيمتها 1.2 مليار دولار مع شركة “سينر” الاسبانية لبناء محطة توليد تعمل بالخلايا الشمسية أو الفولتضوئية، كما اوضح سركيس.
كما بدأت “مصدر” خلال الأشهر القليلة الماضية عددًا من المشاريع الأخرى، وخاصة الاتفاقية التي وقعتها مع الهيئة الوطنية للنفط والغاز في البحرين لخفض الانبعاثات الغازية التي تسبب الاحتباس الحراري في هذا البلد، واتفاقية بقيمة 2.2 مليار دولار مع شركة “اي. اون” وشركة “دونغ انيجري” لتنفيذ المرحلة الأولى من حقل عنفات رياحية في مصب نهر التايمس شرقي لندن، وشرعت في دراسة مشروع لاستخدام طاقة الرياح في جزيرة ماهي في سيشيل.
العربية السعودية
قال سركيس ان المملكة العربية السعودية مثال آخر بالغ الأهمية. فحقيقة ان السعودية اكبر مصدر للنفط في العالم لم تمنعها من اتخاذ قرار بالاستثمار في تطوير الطاقة الشمسية. وبموجب اتفاقية وُقعت في حزيران/يونيو الماضي ستعمل شركة “ارامكو” السعودية وشركة “شاوا شل” اليابانية للمصافي النفطية على انشاء محطة توليد تجريبية تعمل بالطاقة الشمسية ستبلغ قدرتها 10 ميغاواط في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا مع استحداث مركز يتركز نشاطه على التكنولوجيا الفولتضوئية.
الدول العربية الأخرى
اعلنت دول اخرى مصدرة للنفط مثل الكويت والعراق مؤخرا تصميمها على السير في هذا الطريق. كما تخطط مصر لبناء محطات توليد تعمل بطاقة متجددة لتسهم بنحو 20 في المئة من اجمالي توليد الكهرباء بحلول عام 2020.
وقال سركيس ان سائر الدول الأخرى في الشرق الأوسط وشمال افريقيا اخذت تتجه نحو مصادر الطاقة المتجددة، وخاصة الطاقة الشمسية بسبب مواردها الهيدروكاربونية المحدودة والطلب الداخلي المتزايد باطراد على الطاقة. وأكثر هذه البلدان طموحًا المغرب الذي اعلن في تشرين الثاني/نوفمبر 2009 برنامجًا بقيمة 9 مليارات دولار لإنشاء محطات توليد تعمل بطاقة متجددة بقدرة اجمالية قدرها 2 غيغاواط بحلول العام 2020 أو 14 في المئة من اجمالي توليد الطاقة في البلد بحلول ذلك الوقت.
واعدت تونس ايضًا برنامجًا وطنيًّا باسم الخطة الشمسية الوطنية، يشتمل على نحو 40 مشروعًا من المقرر تنفيذها خلال الفترة الواقعة بين 2010 و2016 بموجب شراكات بين القطاعين العام والخاص. وتهدف الخطة الى استثمار ملياري دولار خلال هذه الفترة.
البحر المتوسط
يضاف الى ذلك ان خطة الطاقة الشمسية المتوسطية التي أطلقها الاتحاد المتوسطي في العام 2008، اعطت دفعة قوية لمشاريع الطاقة الشمسية في عموم الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بحسب سركيس. وتهدف الخطة الى توليد 20 غيغاواط اجمالا من الطاقة الشمسية بحلول 2020 مع تخصيص نسبة من الطاقة الكهربائية المنتجة للاستهلاك المحلي ونسبة اخرى للتصدير الى اوروبا بواسطة خطوط تحت البحر. ومن المتوقع ان تبلغ الاستثمارات المطلوبة 38 ـ 46 مليار يورو خلال الفترة الممتدة من 2009 الى 2020.
واشار سركيس الى اعلان البنك الدولي مؤخرا تقديم دعم مالي الى خمس دول متوسطية لتنفيذ 11 مشروعًا ترتبط بإنشاء محطات طاقة شمسية من المتوقع ان تكلف زهاء 5.5 مليار دولار.
ومن المتوقع ان تمول مؤسسات مالية أخرى استثمارات تُقدر بنحو 4.85 مليار دولار اجمالاً في المنطقة. وستُنفذ المشاريع الأحد عشر في الجزائر ومصر والاردن والمغرب وتونس بطاقة اجمالية قدرها 900 ميغاواط بحلول 2020. وجرى اعداد اكثر من 200 مشروع وتقديمها للموافقة عليها بموجب خطة الطاقة الشمسية المتوسطية.
وقال سركيس ان المركز العربي للأبحاث النفطية سينظم مؤتمرا ومعرضا في باريس في سبتمبر 2010 لمتابعة التقدم المحقق حتى الآن ودراسة آفاق خطة الطاقة الشمسية المتوسطية.
وفي دراسة أُجريت مؤخرًا دعا خبير عربي دول الخليج النفطية الى توفير حوافز لتشجيع مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح من أجل تأمين حاجاتها من الكهرباء والحفاظ على ثروتها الهيدروكاربونية. وقال وهيب النصير مدير القسم العربي في الجمعية الدولية للطاقة الشمسية في المانيا انه يتوقع ان تبلغ كمية الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في دول مجلس التعاون الخليجي 5000 ميغاواط بحلول عام 2015، منها 1000 ميغاواط في البحرين و3500 ميغاواط في قطر و400 ميغاواط في الامارات العربية.
لكن النصير لاحظ ان مثل هذه القدرات تبقى ضئيلة بالمقارنة مع ما سماه الامكانات الشمسية والرياحية الضخمة في مجلس التعاون الخليجي بأعضائه الستة. واشار الى ارقام مجلس الطاقة العالمي التي تبين ان دول المجلس ستحتاج الى نحو 100 غيغاواط من الانتاج الاضافي للطاقة الكهربائية خلال السنوات العشر المقبلة لتلبية الطلب الداخلي بكلفة تقرب من 25 مليار دولار، من المتوقع ان يتوفر غالبيتها من استثمارات القطاع الخاص.
وقال النصير ان مشاريع الطاقة الشمسية والرياحية في مجلس التعاون الخليجي ستتيح لدوله ادخار ثروتها الهيدروكاربونية التي تزيد على 45 في المئة من مكامن النفط الخام المتوقعة في العالم وتشكل ربع موارد العالم من الغاز.
كما ستتيح لدول المجلس توسيع صناعتها البتروكيمياوية وانتاج الهيدروجين للتصدير وتوفير فرص العمل. وستسهم الطاقة الشمسية والرياحية ايضا في خفض النسبة العالية من نصيب الفرد الواحد من ثاني اوكسيد الكاربون في مجلس التعاون الخليجي. وسيؤدي استخدام الطاقة المتجددة الى المد في حياة موارد النفط والغاز في هذه البلدان واستخدامها للصناعة البتروكيمياوية أو في انتاج الهيدروجين للاستهلاك الداخلي والتصدير ، كما قال النصير الذي يدرِّس مادة الاقتصاد في جامعة البحرين ايضا.
واقترح النصير انه بسبب الكلفة العالية لمشاريع الطاقة الشمسية والرياحية ينبغي ايجاد نظام حوافز يحقق مردودًا كافيًا عن مثل هذا الاستثمار باهظ الكلفة لتشجيع المستثمرين، بما في ذلك ضمان تعرفة ثابتة لأصحاب هذه المشاريع وربط شبكة الكهرباء الوطنية بكهرباء الطاقة الشمسية والرياحية.
عبد الاله مجيد
المصدر: إيلاف