مخرج ومنتج وممثل سينمائي سوري المولد أمريكي الجنسية، يمتلك رؤية تختلف عن غيره من المخرجين العالميين، حيث اتبع أسلوبا مستحدثا في الإخراج تمثل في وقوفه ضد المنطق القائم بالعالم من ظلم وتسلط القوة، لتعكس أفلامه انتصاره للشعوب المحتلة ولأصحاب الصورة الذهنية المشوهة عربا ومسلمين.
ولد مصطفى العقاد في مدينة حلب وسط سوريا عام 1935م في أسرة فقيرة وتلقى فيها تعليمه الابتدائي والثانوي وفيها بدأ عشقه للسينما وحلم بدراسة الإخراج السينمائي عندما بلغ عمره الثامنة عشر، وبالفعل غادر العقاد سوريا عام 1954م متوجها إلي الولايات المتحدة ليدرس الإخراج في جامعة UCLA بولاية كاليفورنيا، وتخرج فيها عام 1958م ليبدأ مرحلة المعاناة في سوق العمل حيث رفضت سبعة استوديوهات وجميع محطات التليفزيون ووكالات الإعلان توظيفه.
وفي عام 1962م استطاع العقاد أن يقتحم أبواب هوليود ويعمل مخرجا ومنتجا وممثلا، ووصل إلي العالمية عام 1976م عندما اخرج فيلم “الرسالة” كأول فيلم عربي عالمي عن رسالة الإسلام وصدر بنسختين عربية وانجليزية، وفي عام 1981م اخرج فيلم ” أسد الصحراء عمر المختار” بالانجليزية وتناول فيه بطولة الشعب الليبي ضد الاحتلال الايطالي بقيادة المجاهد الليبي عمر المختار والذي لعب دوره الممثل العالمي انتوني كوين، ومنذ عام 1978م وحتى عام 2002م أصبح العقاد المنتج المنفذ العالمي الوحيد الذي شارك في جميع سلسلة أفلام هالوين.
ويحسب للعقاد فهمه للعقل الأمريكي؛ فعبر سنواته الـ23 التي قضاها هناك تمكن من فك شفرة هذا المجتمع المعقد، وبذلك أحسن مخاطبته عبر الإعلام الذي كان دائم التركيز عليه؛ فقد رآه السلاح الذي يجب أن يخوض به معركته الحضارية مع الغرب، ورغم وجود عدد من المخرجين العرب في هوليوود فإن اسمه لمع دون غيره عربيا وغربيا، والسر في هذا العقل المبدع يعود إلى محافظته على تراثه وقوميته ودينه، وهذا ما منحه عمقا خاصا عن غيره؛ حيث عبرت أعماله على قلتها عن الإسلام والحضارة الإسلامية وكفاحها من أجل البقاء أمام الهجمة الاستعمارية.
وعبر مشواره السينمائي الطويل عمل العقاد على تكون رؤيته لعالم سينمائي مستقل لذاته، فهو لم يعتبر السينما مفهوما جماليا وحسب، بل كان لها مفهوم ثوري طليعي بأبعاد ودلالات كبيرة، ويعد فيلم “المختار” نموذجا رائعا لهذا البعد.
وانطلاقا من هذا المفهوم الخاص والمتميز والواعي تعلم هو من ذات “عمر المختار”، وأوقف حياته على خدمة ما تعلمه، فقد كان مبصرا للواقع العربي، قارئا لهذا الواقع الذي تبنى أن يقوم بما يساعد على النهوض به متكبدا الكثير من الصعاب.
وظل العقاد منتظرا لسنوات طويلة إنتاج عمل سينمائي مماثل لفيلمي “الرسالة” و”عمر المختار”، وكان “صلاح الدين الأيوبي” هو العمل الذي اختاره ونذر نفسه في سبيل إعداده، ورحل محتفظا بسيناريو ورؤية إخراجية للفيلم دون أن يرى النور لعدم توافر الدعم المطلوب،
كما كان يطمح أيضا في أن ينتج فيلما عن “صبيحة الأندلسية” وهي المرأة التي حكمت الأندلس، وفيلما آخر يروي قصة ملك من ملوك إنجلترا كان قد أرسل في عام 1213م وفدًا إلى الخليفة في الأندلس يطلب منه أن تكون إنجلترا تحت حماية الخليفة المسلم.
وكان “العقاد” يحمل رؤية مستقبلية أوسع من فكرة إنتاج عمل أو مجموعة أعمال؛ فمن ضمن أحلامه كانت مدينة سينمائية أو مجمع سينمائي للإنتاج بمستوى الإنتاج العالمي، بروح عربية إسلامية بمستويات الرسالة التي تحملها أمته، وكان تصوره عن هذه المدينة أنها مدينة لا تبنى، بل استوديوهات قابلة للتنقل، فقد كان عازما على نقل التجربة الأمريكية في هذا المجال.
وفي نوفمبر من عام 2005م قتل العقاد وابنته ريم في تفجير وقع في فندق جراند حياة في العاصمة الأردنية عمان وكانت وفاته خسارة كبيرة للفن السينمائي العالمي.