اختراعاتابتكارات جديدهاختراعات بيئيةالمجلة

وقود حيوي من “الخّروع”!

اتجهت معظم الدول الصناعية إلى إنتاج “الوقود الحيوي” لمواجهة مشكلة نقص الطاقة، بتحويل فائض إنتاجها الزراعي إلى وقود حيوي مثلما فعلت استراليا حين حولت أكثر من مليوني طن من القمح إلي “إيثانول” وسبقتها في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية بتحويل الذرة إلي “الإيثانول”، كما أن البرازيل أنتجت “الإيثانول” منذ عدة سنوات من قصب السكر، واستخرجت فرنسا “البيوديزل” من نبات “اللفت”!

وطرح إنتاج “الوقود الحيوي” من المحاصيل الزراعية أكثر من إشكالية أخلاقية واقتصادية، خاصة فيما يتعلق بإنتاجه من الذرة والقمح وفول الصويا، وأهم هذه الإشكاليات ما يتعلق بالدول النامية التي تعاني من ضعف إنتاجها من المواد الغذائية، وتعتمد كثير من هذه الدول على المعونات التي تصلها من الخارج، ويمثل لها إنتاج الوقود الحيوي كابوسا يهدد أمنها الغذائي.

وبعد بحث وجدت الحل العلمي الذي أضعه بين يدي أصحاب الشأن في وطننا العربي، وكان نبات “”الخّروع”” الذي تجود به بيئتنا هو الحل الأمثل لهذه المشكلة العالمية، فهو من ناحية لا يستخدم كمصدر غذائي للإنسان أو الحيوان، كما أن التوسع في زراعته لن يتطلب تحمل تكاليف كبيرة.

ويمكن إنتاج مادة “البيوديزل” من نبات “الخّروع” الذي ينمو بريا دون مجهود يذكر بل يمثل مشكلة للمزارع كنبات لا يُعرف له قيمة، غير أننا سنستخدم في زراعته مياه الصرف الصحي التي يمنع القانون استغلالها زراعيا لخطورتها علي الصحة العامة إلا لزراعة الأشجار الخشبية فقط.

و”الخّروع” نبات حولي سريع النمو يوجد في بيئتنا المحلية بوفرة، وباستخدامه نكون قد حققنا المعادلة الصعبة بإنتاج محصول اقتصادي عالي القيمة ومطلوب بشدة في الأسواق العالمية وزرعنا أرضنا الصحراوية وأضفنا مساحات زراعية جديدة وعظمنا من استغلال مياه الصرف الصحي، ونكون قد أخذنا خطوة في الاتجاه الصحيح من أجل توفير الطاقة والحفاظ على الغذاء ولكن بطريقة غير مباشرة.

المستقبل “للخروع”

أكدت الدراسات الحديثة أن زيت “الخّروع” يشتق منه مادة “البايونيز” وهى المكون الأساسي لخام البترول (النفط)، وانطلاقا من نتائج هذه الدراسات بدأت بعض الدول الاهتمام بزراعته من أجل إنتاج وتصدير هذا الوقود البيولوجى لدول العالم كبديل حيوي للبترول، وتقوم الهند والبرازيل -بالفعل- بتصديره لبعض الدول مثل ألمانيا التي استغنت عن البترول واستبدلته بهذا الوقود الحيوي في تشغيل السيارات تجريبيا.

ونظراً لأهمية “الخروع” والمستقبل الكبير الذي ينتظره بدأت الشركات الاستثمارية الكبرى العالمية في إجراء دراسات فعلية لزراعة الأراضي الصحراوية بشجر “الخّروع” والاستفادة منه، وعلى الرغم من أن الخبراء أكدوا أن “الخّروع” لا يتحمل الملوحة، إلا أننا نجده ينمو بكثافة في سيناء نمو طبيعيا بدون أي تدخل بشري ويكيف النبات نفسه علي مياه الأمطار. ومن أهم مميزات “الخّروع” أنه ينتج بعد زراعته بـ 8 أشهر فقط، كما أن شجرة “الخّروع” تثمر مرتين في العام، وإنتاجها عالي مقارنة بغيرها من المحاصيل، ونسبة استخراج الزيت من البذرة نفسها تصل إلى 60%، ويباع الطن الواحد منه بأكثر من 500 يورو، وشجرة “الخّروع” تتحمل أية ظروف بيئية حتى أنها تزرع في الأراضي الصحراوية وتعطي نفس إنتاجيتها. ويشتق من نبات “الخّروع” مادة “البايونيز” التي تتميز عن البترول في أنها تقلل من انبعاث المواد السامة والضارة كثاني أكسيد الكربون الذي يقل بنسبة 75% و50% أول أكسيد الكربون، كما أن هذا الوقود خالي من الكبريت تقريبا وبالتالي يعتبر صديقًا للبيئة.

الطعام لكل فم

زيت “الخّروع” يحتوي على كميات كبيرة من الجليسريدات الثلاثية وخاصة الريسنولين، ويكون حامض الريسنوليك المحتوي علي ثلاث مجموعات ايدروكسيل هو المكون الأساسي لهذه الجليسريدات، ويعتبر حمض الريسينوليك Ricinoleic Acid أهم حمض هيدروكسيلي حيث أنه المكون الرئيسي لزيت “الخّروع” ويشكل أكثر من 85 إلى 95 % من المحتوى الكلـي للأحماض الدهنية الموجودة فيه.

ويعتبر زيت “الخّروع” الممثل الوحيد لمجموعته مجموعة الزيـوت التـي تحتوي على حامض هيدروكسيلي Hydroxy acid إذ أن لـه صفـات فريــدة باحتوائـه علـى جليسيريـدات ريسينوليـك أو حامـض هيدروكسـي أولييــك Hydroxy oleic acid ونظراً لاحتوائه على هذا الحامض غير العـادي فـإنه لا يستخـدم فـي الطعـام، وباستخدام طريقة التجفيف والتخلص من مجموعـة الهيدروكسيـل (-OH) فإننـا نحصل على زيت به أحماض توجد بين رابطتيهـا المزدوجتيـن رابطـة أحاديـة Conjugated تشبه زيت التنج Tung ويمكن استخدامه في الطلاء و”التشحيم” وفـي أجهزة الضغط كزيت الفرامل.

ويحتـوي زيـت “الخّروع” أيضا علـى مـادة توكوفيرول Tocopherol المضادة للأكسدة والتي تتراوح نسبتها بيـن 22 ـ50 ملج/100ج مـن الزيـت الخـام، ويتميز زيت “الخّروع” عن الزيوت الأخرى بارتفاع الأسيل Acetyl Value وبارتفاع وزنه النوعي عن الزيوت المماثلة له في الرقم اليودي. ومع وجود الصحراء الكبرى في إفريقيا وصحراء الجزيرة العربية من الممكن تأمين احتياجات العالم من الطاقة لعشرات وربما مئات السنين، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى سوف تهتم جميع دول العالم بهذه الزراعة ومع استصلاح ملايين الأفدنة فسيتم استيعاب ملايين الأيدي العاملة ومن ثم القضاء نهائياً على البطالة، وسوف تتحول الأراضي الصحراوية تدريجياً إلى أراض زراعية تسمح حالتها بزراعات أخرى لتوفير الطعام لكل فم.

مهندس جمعة طوغان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى