المجلةبنك المعلومات

يعانون من الإهمال الحكومي وتجاهل المؤسسات الأهلية
الموهوبون.. أين هم من اهتمامات الدولة‏؟

الموهوبون في مصر كانوا ـ ومازالوا ـ شريحة غائبة عن الاهتمام الرسمي والشعبي‏,‏ الذي يكفل للوطن الاستفادة القصوى من طاقاتهم‏,‏ باعتبارهم صمام أمان‏,‏ وثروة تمثل أغلي ما تمتلكه مصر‏,‏ إذ لا توجد خطة قومية‏,‏ ولا مشروع وطني‏,‏ ولا جهود تراكمية‏,‏ ولا آليات محددة‏,‏ ولا ميزانية كافية‏,‏ ولا حتى تنسيق فعال بين الجهات المختصة‏,‏ لاكتشاف هؤلاء الموهوبين‏,‏ وتعهدهم بالرعاية‏,‏ والصقل‏,‏ والمتابعة‏,‏ الأمر الذي يعني أن ثروة مصر القومية من المواهب تتعرض للتجريف والضياع‏,‏ وهو ما يقتضي أن تجند الدولة كل طاقاتها وإمكاناتها لرعايتهم‏,‏ بهدف تخريج جيل من العلماء والمبدعين الذين يقودون المجتمع‏,‏ في جميع المجالات‏,‏ إلى مستقبل واعد‏,‏ وغد مشرق‏,‏ بأفكارهم المبدعة‏,‏ ورؤاهم الخلاقة‏.‏

من واقع الرؤية العلمية التي يقدمها الخبراء في السطور التالية‏,‏ والتجربة الميدانية التي خاضها هذا التحقيق يتأكد ـ بيقين ـ أن صناعة الموهبة بعيدة عن تفكير الحكومة‏!‏ وان الموهوبين هم أيتام هذا المجتمع‏,‏ الذين لا يجدون يدا حانية‏,‏ تأخذ بنفوسهم الحائرة‏,‏ إلي تحقيق ذاتهم‏,‏ وعزة مجتمعهم‏.‏

كما ثبت أن هناك عشرات الجمعيات والمؤسسات الأهلية والرسمية التي تعني بالأيتام والمكفوفين وذوي الإعاقات والاحتياجات الخاصة في مجتمعنا‏,‏ أما النابغون والنابهون فلا يزيد عدد الجمعيات والمؤسسات التي تعني بشأنهم علي أصابع اليد الواحدة‏!‏

ليست في مصر رؤية إستراتيجية ملهمة تنتهجها الحكومة الحالية ـ ولا ما سبقها من الحكومات السابقة ـ بشكل مؤسسي في عملها من أجل اكتشاف الموهوبين منذ صغرهم في بلد السبعة والسبعين مليونا‏!‏ بل تكشف بجلاء أن التعامل الحكومي مع هذه الفئة إنما يتم بشكل غير علمي وغير منهجي وغير منظم‏,‏ فما ينفق عليهم هو الفتات‏,‏ وما يوجه إليهم من مناهج وبرامج هو في غاية السطحية والعشوائية‏.‏

أما أكبر خدمة تري الجهات المختصة أنها تقدمها لهم فهي المسابقات والجوائز‏!‏

هل يفسر هذا أن الموهوبين والفائزين في مصر بالجوائز العالمية لم يخرجوا من أي نظام رسمي مؤسسي اكتشفهم أو احتضنهم‏..‏ علي خلاف الحال‏,‏ ليس في الكيان الصهيوني الغاصب فقط‏,‏ وإنما في دول العالم المتقدم ؟‏!‏ بدأت في جمع المادة من أرشيف الأهرام‏,‏ وكانت المفاجأة الأولي ليس هناك ملف خاص بالموهوبين والنوابغ‏!‏ كانت الخطوة التالية هي المعاينة الميدانية للجهود الرسمية المبذولة لرعاية الموهوبين‏.‏

في وزارة التربية والتعليم كانت المفاجأة الثانية‏,‏ إذ تبين أن الموهوبين موضوعون تحت مظلة إدارة واحدة مع أصحاب الإعاقات وذوي الاحتياجات الخاصة هي إدارة التربية الخاصة‏,‏ اعتمادا علي ما يسمي علميا بـ المنحني الجرسي‏,‏ بمعني أن أي مجتمع ينقسم إلى‏16%‏ موهوبين ومتميزين‏(‏ عباقرة‏),‏ و‏16%‏ من ذوي الذكاء والكفاءة العقلية المحدودة‏(‏ يشملون ذوي الاحتياجات الخاصة‏)‏ في حين تندرج النسبة الباقية من أفراد المجتمع تحت بند العاديين‏,‏ حيث التفاوتات العقلية بينهم غير محسوسة‏!‏

مدير إدارة رعاية واكتشاف الموهوبين في الوزارة‏ أزال اللبس بالقول إن إدارته تهتم بالموهوبين والمتفوقين معا‏,‏ وبالنسبة للأولين فإن الوزارة تقدم لهم برامج رعاية رياضية وفنية وموسيقية واجتماعية وأدبية‏.‏ هذه البرامج تشمل جوانب تشجيعية وأخري اثرائية‏(‏موجودة في نهاية كل كتاب تعليمي‏),‏ وبالنسبة للأخيرين فإن الوزارة تهتم بهم أكاديميا من خلال مدرسة المتفوقين في منطقة عين شمس‏,‏ وفصول الفائقين‏(‏ أكثر نبوغا من المتفوقين‏)‏ في بعض مدارس الثانوي العام بالقاهرة والمحافظات‏,‏ إضافة أي المدارس الرياضية المخصصة لرعاية الموهوبين رياضيا‏.‏

وعن الميزانية التي رفض التصريح بحجمها اكتفي بالإشارة إلى وجود بند في المصروفات الدراسية بالنسبة لجميع التلاميذ والطلاب مخصص دخله لرعاية الموهوبين‏.‏

أشارت فايدة الجارحي رئيس الإدارة المركزية للطلائع إلى أن مراكز الشباب المنتشرة في المحافظات‏,‏ التابعة للمجلس وعددها‏4645,‏ تهتم بالفئة العمرية التي تتراوح بين‏6‏ سنوات و‏18‏ سنة‏,‏ عبر شعب الموهوبين ومنتديات الطلائع‏,‏ اللتين تهتمان بالموهوبين فنيا سواء في الموسيقي والكورال والفن التعبيري والفنون التشكيلية‏,‏ أو ثقافيا في الشعر والزجل والقصة والمقال والإلقاء‏,‏ أو علميا عبر أندية العلوم‏,‏ وأندية القرن الحادي والعشرين‏,‏ ومراكز الكمبيوتر‏.‏

وفي لحظة شفافية‏,‏ تكشف النقاب عن أن ميزانية إدارة الطلائع في المجلس ضعيفة جدا‏,‏ ولا تتجاوز عشرة ملايين جنيه في العام الواحد‏,‏ وهي الميزانية التي علق عليها محمد صفي الدين خربوش رئيس المجلس ـ حسب روايتها ـ بالقول‏:‏ تمنيت لو كانت ميزانية المجلس مائة مليون جنيه‏..‏ حينها كنت سأخصص‏80%‏ من هذا المبلغ للعناية بالطلائع و‏20%‏ فقط للشباب‏,‏ علي اعتبار أن الاستثمار في الطلائع استثمار في المستقبل‏,‏ وصيانة للأمن القومي‏,‏ وحماية للشباب‏..‏ لكن الواقع يجري طبعا بخلاف حلم المسئول‏!‏

أما في وزارة الثقافة فالوضع هنا أكثر بؤسا‏..‏ وحسب الدكتور محمد مجدي عبده مدير عام رعاية المواهب بالهيئة العامة لقصور الثقافة فإن الإدارة أنشئت حديثا في أواخر عام‏1993‏ م‏,‏ ولديها مجالان في اهتمامها بالمواهب‏:‏ أولهما‏:‏ العناية بنشر التفكير العلمي واستخدامه في حل المشكلات‏,‏ عبر ندوات التثقيف العلمي‏,‏ وأندية العلوم التي تنظم ثلاثة أنواع من الورش‏(‏ الكترونية وكيميائية وزراعية‏),‏ وثانيهما‏:‏ إدارة الشئون الفنية التي تهتم بالورش الإبداعية في الأدب والفنون‏,‏ وتنفذ أنشطتها من خلال أندية المواهب بقصور الثقافة‏,‏ مشيرا إلى أن الهدف الأساسي لإدارته هو اكتشاف الموهوبين ورعايتهم بشكل مستمر‏,‏ باعتبار الموهبة منحة من الله ومهمة الإدارة صقلها‏,‏ وتطويرها‏.‏

الدكتور حسن شحاتة أستاذ المناهج بكلية التربية بجامعة عين شمس وعضو المجالس القومية المتخصصة‏,‏ ومدير مركز التطوير الجامعي الأسبق‏,‏ يقول إن الاهتمام بالموهوبين في مصر شكلي وليس جوهريا أما الجوائز التي تقدم لهم في عيد العلم فهي تقليد‏,‏ وبمثابة مكافأة نهاية خدمة‏,‏ لا بدايتها‏.‏

المصدر: جريدة الاهرام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى