في شهر يوليو من عام 1851 من الميلاد, ولد أحمد كمال باشا، (أول عالم آثار مصري) في العصر الحديث؛ ورحل عن عالمنا في عام 1923 عن عمر ناهز 72 عاما، بعدما علا نجمعه وسطع في سماء مصر والعالم. ترجع أصول أحمد كمال إلى جزيرة كريت (وهي جزيرة كانت تتبع لحكم مصر خلال العصر العثماني). لكنه ولد بالقاهرة ونشأ فيها.
في معترك الحياة
كان المفروض أن يلتحق أحمد كمال بعد تخرجه في المدرسة بمصلحة الآثار، ولكن ذلك لم يحدث فقد حيل بينه وبين العمل بالمصلحة التي كان يحتكر الأجانب العمل بها بسبب سيطرة الاحتلال الإنجليزي على مصر. فعمل أحمد كمال بوزارة المعارف معلما للغة الألمانية بإحدى المدارس الأميرية بالقاهرة، ثم تركها وعمل مترجما للغة الفرنسية في وزارة المالية، ولكن شغفه بالآثار جعله يترك تلك الوظيفة عندما حانت أول فرصة للعمل بمصلحة الآثار، والتحق في وظيفة كاتب بعد أن تظاهر بعدم معرفته بالآثار لينال الوظيفة، ثم لم يلبث أن شغل وظيفة مترجم ومعلم للغات القديمة بالمتحف المصري.
ولما خلت وظيفة أمين مساعد بالمتحف المصري تمكن من الفوز بها في سنة 1873؛ فكان أول مصري يتقلد هذا المنصب، وظل يشغله حتى اعتزل العمل سنة 1914.
تعلم أحمد كمال، في طفولته القراءة والكتابة والحساب، وحفظ شيئا من القرآن الكريم. وبعد أن أتم تعليمه بالمدرسة الابتدائية، ثم التجهيزية، التحق بمدرسة (اللسان المصري القديم)، وهي المدرسة التي أنشأها العالم الألماني بروكش لدراسة الآثار واللغة القديمة.
ومن خلال هذه المدرسة أتقن اللغة المصرية القديمة والحبشية والقبطية وعددا من اللغات السامية، بل ونبغ في اللغة الفرنسية والألمانية والإنجليزية، هذا فضلا عن إتقانه للتاريخ المصري القديم.
وكان من المفترض أن تؤهله تلك العلوم واللغات للعمل بمصلحة الآثار المصرية، غير أن هذا المجال ولأنه كان حكرا على الأوروبيين بمصر، لم يتمكن من الالتحاق به؛ فعمل مدرسا للغة الألمانية بإحدى المدارس الأميرية بالقاهرة، كما عمل مترجما للغة الفرنسية بوزارة المالية.
وبالرغم من ذلك ظلت رغبته في العمل بمصلحة الآثار غالبة عليه لدرجة أنه رضي بالعمل بوظيفة كاتب بالمصلحة، ثم ما لبث أن ترقى لدرجة مترجم، ثم معلم للغات القديمة بالمتحف المصري.
برز اسم أحمد كمال باشا في مجال الآثار سريعا؛ ففي التنقيب عن الآثار، كانت له مساهمات عظيمة بعشرات المواقع وخاصة في مدينة عين شمس وفي مصر الوسطى، بل ونشر تقارير علمية عن هذه الحفائر.
وكان له دور بارز في العثور على مومياوات ملوك مصر بخبيئة الدير البحري بالاقصر مع الفرنسي ماربيت ماسبيرو
واهتم بمجال المتاحف، وشارك في نقل الآثار إلى المتحف المصري وتنظيمه، وكان من أوائل المطالبين بإنشاء متاحف الأقاليم، ونجح في إنشاء متاحف بأسيوط والمنيا وطنطا، لا تزال تذكر فضله.
وكان له دور كبير في إدخال علم الآثار وتدريسه في مصر؛ فقد استطاع إنشاء فرقة لدراسة علم الآثار المصرية في “مدرسة المعلمين الخديوية“، بعد أن أقنع وزير المعارف حينها أحمد حشمت باشا، وقد تخرج من خلالها عدد من الطلاب الذين صاروا ملء السمع والبصر في مجال علم الآثار، منهم: سليم حسن، وأحمد عبد الوهاب باشا، ومحمود حمزة.
بل وحاول بعد تخرجهم أن يلحقهم بالعمل في المتحف المصري إلا إن الأوربيين عرقلوا مساعيه في البداية، ولكن مع إصراره استطاع أن يلحق ثلاثة منهم بالعمل داخل المتحف عام 1923. وفضلا عن ذلك ساعد في إرسالهم إلى إنجلترا من أجل إكمال دراستهم لعلوم الآثار.
أما أهم إنجازات أحمد كمال باشا على الإطلاق؛ فهو تأليفه لـ “معجم اللغة المصرية القديمة“، وهو المعجم الذي جاء في 22 مجلدا، جمع فيه من مفردات اللغة المصرية وما يقابلها بالعربية والفرنسية والقبطية والعبرية. وقد استغرق رحمه الله في إنجاز هذا المعجم 20 سنة كاملة.
وبالرغم من ذلك؛ لم يكن هذا المعجم هو المؤلف الوحيد لأحمد كمال باشا؛ بل استطاع رحمه الله أن يضع العديد من المؤلفات الرائعة، منها:
1- العقد الثمين في محاسن وأخبار وبدائع آثار الأقدمين من المصريين.
2- الفوائد البهية في قواعد اللغة الهيروغليفية.
3- اللآلئ الدرية في النباتات والأشجار القديمة المصرية.
4- بغية الطالبين في علم وعوائد وصنائع وأحوال قدماء المصريين.
5- الدر المكنوز في الخبايا والكنوز، (مجلدان الأول عربي، والثاني فرنسي)
6- ترويح النفس في مدينة عين شمس
7- ترجمة دليل متحف الإسكندرية من الفرنسية إلى العربية
8- ترجمة دليل متحف القاهرة من الفرنسية إلى العربية
9- الحضارة القديمة في مصر والشرق.
10- رسالة في التحنيط والجنازة عند قدماء المصريين.
رحم الله أحمد كمال باشا رحمة واسعة، وجزاه خيرا على ما قدم من علم وعمل من أجل مصر وآثارها.
د. حسن دقيل