Table of Contents
متلازمة المحتال
كانت جوسلين تشعر بأنها لا تستحق هذا النجاح عندما نالت فرصة لنيل الدكتوراه من جامعة كامبريدج البريطانية الشهيرة.
واكتشفت فيما بعد أنها مصابة بمتلازمة المحتال (مصطلح يطلق على الشخص الذي يعتقد عدم استحقاقه نجاحاته وإنجازاته، مع أن النجاحات تمت بمجهوده وقدراته).
على الرغم من أنها أوضحت أنها لم تكن تعرف ذلك المصطلح آنذاك.
ولذا، كانت استجابة جوسلين لهذا الشعور هي العمل بأقصى ما تستطيع.
واعتقدت أنهم إذا ما قاموا بطردها على أي حال، فستعرف أنها لم تكن ذكية بما فيه الكفاية لتلتحق بجامعة كامبريدج.
النجوم النيوترونية
جَنَتْ جوسلين ثمار اجتهادها ومثابرتها في النهاية. فبعد عامين من وصولها إلى كامبريدج، اكتشفت جوسلين النجوم النيوترونية النابضة للمرة الأولى.
وهو اكتشاف رائد، ويعد بمثابة نقطة تحول، ما أهلها إلى الحصول على جائزة الآفاق الجديدة في الفيزياء الأساسية في 6 سبتمبر/أيلول 2018، والتي تبلغ قيمتها 3 ملايين دولار أميركي، وكانت قد مُنحت من قبلُ لعالم الفيزياء النظرية وعلم الكون ستيفن هوكينغ، من بين آخرين.
إلا أنه في وقت الاكتشاف، تعرضت جوسلين لظلم بين من قبل جائزة نوبل.
إذ حاز الرجل المشرف على درجة الدكتوراه الخاصة بجوسلين آنذاك على جائزة نوبل عن الاكتشاف نفسه في العام 1974.
تُجسد قصة جوسلين الشخصية التحديات التي تواجهها النساء في المجالات العلمية.
ولتستحق بالفعل لقب عالمة الفلك التي ظلمتها نوبل.
عالمة الفلك التي ظلمتها نوبل عانت من التمييز ضد النساء منذ بداية حياتها، فليست المشكلة في لجنة نوبل وحدها.
وُلدت جوسلين في إيرلندا الشمالية عام 1943، وكان عليها أن تقاتل لكي تتمكن من أخذ دروس في العلوم بعد بلوغها سن 12 عاماً.
وقالت لصحيفة The Washington Post: «تمثَّل الافتراض في هذا الصدد بأن الأولاد هم من سيدرسون العلوم، وأن الفتيات سيقُمن بأعمال الطهي والتطريز». وأضافت: «لقد كان افتراضاً راسخاً، لدرجة أنه لم يجرؤ حتى أحد على مناقشته؛ لذا لم يكن هناك أي خيار في المسألة».
وبحلول السنة الثالثة من دراستها في جامعة غلاسكو الأسكتلندية، كانت المرأةَ الوحيدةَ المسجِّلةَ في فصل دراسة الفيزياء المتقدمة.
وقالت إن الرجال كانوا يطلقون الصفير ويضايقونها بالأسئلة والتحديات عندما تدخل قاعة المحاضرات.
وأضافت: «تعلمت ألا أشعر بالخجل. فإذا ما شعرت بالخجل، فسيعلو صوتهم أكثر».
وفي جامعة كامبريدج، كان التمييز الجنسي أكثر خفاءً إلى حد ما.
وعندما خُطبت جوسلين، كان الافتراض التلقائي هو أنها ستنسحب من البرنامج قريباً؛ نظراً إلى أن عمل النساء المتزوجات كان لا يزال يعتبر شيئاً معيباً.
وقالت: «شعرت آنذاك بأنني كنت على وشك أن أستقيل وأنسحب».
وأضافت قائلة «ربما لم يكن هناك جدوى من الاستثمار في دراستي بعد الارتباط».
وبعد ذلك، في عام 1967، أثارت جوسلين انتباه مشرفها على الدكتوراه، أنتوني هويش، إلى «ذبذبات غير منتظمة، وغير مُصنفة» ظهرت في قراءات التلسكوب الراديوي التي كانت مسؤولة عن مراقبته.
كانت تلك الذبذبات، من ذلك النوع من التفاصيل التي قد يغفل عنها أو يتجاهلها الآخرون.
وقالت جوسلين لصحيفة The Guardian البريطانية في عام 2009: «لم يبدُ مصدر هذه الذبذبات أنه من صنع الإنسان، فقد كان يتحرك مع النجوم، ويواكب الأبراج».
وأضافت: «وبحسب تقديراتنا، فقد كان يبعد 200 سنة ضوئية، أبعد من الشمس والكواكب، ولكن لا يزال داخل مجرتنا، مجرّة درب التبانة».
وأطلقوا عليه على سبيل المزاح LGM-1، وهو اختصار لعبارة «Little Green Men»، التي تعني «الرجال الخضر الصغار».
عندما عادت جوسلين إلى المرصد في الساعة الثالثة صباحاً بإحدى الليالي شديدة البرودة من شهر ديسمبر/كانون الأول، شهدت ما سمته لحظة «وجدتها»، وهو اصطلاح يعبر عن فرحة الاكتشاف.
وقالت لصحيفة The Guardian: «عندما كنت أتفحص أميالاً من الرسومات البيانية، اكتشفت اثنين آخرين من الإشارات الغامضة»
وأضافت قائلة «تبين أنني اكتشفت الأمثلة الأربعة الأولى لنوع لا مثيل له من النجوم». وهي أجسام نجمية غريبة تبث أشعة الراديو في أثناء دورانها، والتي تجتاح الفضاء مثل أشعة الضوء الصادرة عن المنارة. وأطلقنا عليهم اسم النجوم النابضة».
«حوّل هذا الاكتشاف مفهوم النجوم النيوترونية من مجرد خيال علمي إلى واقع بطريقة مؤثرة للغاية».
هكذا وصفت لجنة جائزة الآفاق الجديدة بالفيزياء الأساسية، في بيان لها يوم الخميس 6 سبتمبر/أيلول 2018، اكتشاف جوسلين. وقالت البيان إن اكتشاف النجوم النابضة أصبح «واحداً من كبرى المفاجآت في تاريخ علم الفلك»
وأضاف البيان: «من بين العديد من النتائج المترتبة عليه في وقت لاحق، فقد أدى إلى العديد من الاختبارات القوية للنظرية النسبية لأينشتاين، وإلى فهم جديد لأصل العناصر الثقيلة في الكون».
عندما نشرت جوسلين ومشرفها بحثاً يوضح بالتفصيل النتائج التي توصلوا إليها في عام 1968، اجتذب ذلك الاهتمامَ الدوليَّ.
ولكن وسائل الإعلام لم تكن تعرف ما يجب فعله مع عالمة شابة حققت تقدماً كبيراً في علم الفلك، حسبما قالت لصحيفة The Guardian.
فهي تتذكر عندما كان يسألها المصورون: «هل يمكن فتح بعض أزرار سترتك، من فضلك؟»، في حين سألها الصحافيون عن «عدد أحبائها».
حصل مشرفها أنتوني هويش على جائزة نوبل عام 1974 في الفيزياء؛ نظراً لما وصف ب»دوره الحاسم في اكتشاف النجوم النابضة».
وقالت جوسلين في أثناء مقابلة حديثة مع مجلة «Science News«، إنَّ تجاهل لجنة نوبل إياها لم يفاجئها.
إذ تقول «لقد كانت هذه هي الطريقة التي تسير بها الأمور في ذلك الوقت: إذ يحصل الأساتذة، وليس الطلاب، على كل الفضل».
وأضافت: «في تلك المرحلة، كانت الصورة الراسخة في أذهان الناس للعلم، أن ثمة شخصاً قيادياً، وكان دائماً رجلاً، ويعمل معه أسطول من الشباب».
وتابعت: «إذا ما سار المشروع بشكل جيد، فإن الرجل يحصل على الثناء. أما إذا سار المشروع بشكل سيئ، فإن الرجل أيضاً يتلقى هو اللوم».
في أيامنا هذه، غالباً ما يُستشهد بجوسلين باعتبارها عالمة الفلك التي ظلمتها نوبل، كمثال على كيفية محو أو إغفال إسهامات المرأة في العلوم.
لكن جوسلين، التي تُدرس علم الفلك بجامعة أوكسفورد، تقول إنها ليست منزعجة من ذلك.
وقالت لصحيفة The Guardian في 6 سبتمبر/أيلول 2018: «أشعر بأنني قمت بعمل جيد بدافع عدم حصولي على جائزة نوبل». وأضافت: «إذا حصلت على جائزة نوبل، فستقضي هذا الأسبوع الرائع؛ ومن ثم لن يعطيك أحد أي شيء آخر بنفس المستوى بعد ذلك. ولكن إذا لم تحصل على جائزة نوبل، فستحصل على الكثير من المتعة.
ففي كل عام تقريباً، كان هناك حفل من نوع ما؛ لأنني حصلت على جائزة أخرى. «هذا أكثر متعة بكثير»، حسب تعبيرها. ماذا ستفعل عالمة الفلك التي ظلمتها نوبل بالجائزة البالغ قيمتها 3 ملايين دولار؟
جوسلين، التي يحثها انتماؤها إلى جمعية الأصدقاء الدينية (الكويكرز) على العيش ببساطة، لا تُخطط للاحتفاظ بأي جزء منها. وقالت: «لست بحاجة إلى سيارة بورش أو فيراري. ليس لدي أسلوب حياة مُترف».
بدلاً من ذلك، ستذهب الأموال إلى إنشاء مِنح دراسية لأشخاص من خلفيات وشرائح لا تُمثل تمثيلاً كافياً ممن يرغبون في دراسة الفيزياء.
وستتم إدارة الأموال من قِبل معهد الفيزياء في المملكة المتحدة، وتأمل جوسلين أن يؤدي وجود مجموعة أكثر تنوعاً من الأشخاص الذين يدخلون هذا المجال، إلى المزيد من الاكتشافات الجديدة. وقالت مازحةً: «ربما وجود بعض الأشخاص الذين يعانون متلازمة المحتال ليس أمراً سيئاً».