أديب ومفكر وفيلسوف فرنسي، وواحد من النجوم الاجتماعيين للتيار الوجودي، حاول أن يثبت في كتاباته أن هناك تياراً متوسطياً على المستوى الحياتي وعلى المستوى الفكري، ولم يكن هذا التيار هو الوحيد الذي عرفته الجزائر الفرنسية، فإلى جانبه كان هناك تياران اثنان هما التيار اللاتيني والتيار الجزائراني، وكانت سمات الأدب الفرنسي في الجزائر تبدو في مطلع هذا القرن من خلال التيار اللاتيني الذي يستند إلى فكرة استعمارية بحتة وهي ربط الجزائر بفرنسا من خلال التاريخ اللاتيني المشترك وإثبات الهوية اللاتينية والتاريخ الجزائري معاً.
ولد ألبير كامو في شهر نوفمبر من عام 1913م في الجزائر إبان الاحتلال الفرنسي لعائلة من المستوطنين الفرنسيين، وكانت والدته من أصول أسبانية، توفى والده في الحرب العالمية الأولى، وعاش كامو بالجزائر في ظروف من الفقر والعوز.
أثناء دراسته الجامعية في الجزائر أصيب كامو بمرض السل واثر ذلك على نشاطاته الرياضية والدراسية، وعمل خلال سنوات دراسته في أعمال يدوية بسيطة، وحصل على إجازته في الفلسفة عام 1935م، وفي العام اللاحق قدم بحثه في الأفلاطونية الجديدة، والتحق بالحزب الشيوعي الفرنسي عام 1934م، وذلك مساندة للوضع السياسي في اسبانيا أكثر مما كان إيمانا بالماركسية– اللينينية.
وفي عام 1936م شارك كامو في نشاطات شيوعية جزائرية تنادي بالاستقلال، ولم يعجب ذلك رفاقه في الحزب الشيوعي الفرنسي الذين وصموه بالتروتسكية، الأمر الذي عزز انفصامه عن العقيدة الستالينية، وقد عمل كامو بشكل متقطع في المسرح والصحافة وكتب أثناء عمله الصحفي عن ظروف العرب السيئة الأمر الذي كلفه وظيفته.
وفي الفترة الأولى من الحرب العالمية الثانية، كان البير كامو من دعاة السلم، لكن فيما بعد، وبالذات عندما اعدم النازيون جابرييل بيري، تبلور موقفه من المقاومة ضد الاحتلال النازي وانضم إلى خلية “الكفاح”، وعمل محررا لجريدة تحمل نفس الاسم، وكان أحد المؤسسين لجريدة الجزائر الجمهورية رفقت كتاب ياسين وكان من طاقمها الصحفي.
في هذه الفترة، وتحديدا في عام 1942م انتقل إلى “بوردو”، وأنهى في هذا العام أول مؤلفاته “الغريب”، و”أسطورة سيزيف”، وفي عام 1943م التقى بالفيلسوف المعروف جان بول سارتر في افتتاح مسرحية “الذباب” التي كتبها الأخير، ونشأت بينهما صداقة عميقة نتيجة تشابه الأفكار بينهما وإعجاب كل منهما بالآخر الذي كان قبل اللقاء بسنوات من خلال قراءة كل منهما كتابات الآخر.
ومع نهاية الحرب، ظل كامو رئيسا لتحرير جريدة الكفاح ، إلى أن فقدت مغزاها النضالي وصارت مجرد جريدة تجارية، فتركها عام 1947م، وصار مقربا أكثر من دائرة سارتر و صار أهم أعضاء حاشيته في جادة “السان جرمان”، وقام كامو بجولة في الولايات المتحدة وقدم عدة محاضرات عن الوجودية، ورغم انه حسب على اليسار السياسي إلا أن انتقاداته المتكررة للستالينية أكسبته عداء الشيوعيين، وعزلته لاحقا حتى عن سارتر.
وفي عام 1949م عادت إليه آثار مرض السل وعزلته في مصحة لمدة عامين، وفي عام 1951م نشر كتابه “التمرد” الذي قدم فيه تحليلا فلسفيا للتمرد والثورة وأعلن فيه رفضه الصريح للشيوعية، الأمر الذي اغضب الكثير من زملائه وأدى إلى انفصاله النهائي عن سارتر، وقد ادخله الاستقبال القاسي لهذا الكتاب في كآبة وعزلة، وبدأ، في ترجمة المسرحيات بدلا من التأليف.
ومن أهم انجازات كامو الفلسفية “كرة العبث”أو اللا معقول وهي الفكرة الناتجة عن حاجتنا إلى الوضوح والمعني في عالم ملئ بظروف لا تقدم لا الوضوح و لا المعنى، وهي الفكرة التي أبدع في تقديمها في “أسطورة سيزيف”، وفي الكثير من أعماله الأدبية يرى البعض أن كامو لم يكن وجوديا بقدر ما كان عبثيا.
وفي عقد الخمسينات من القرن العشرين تفرغ كامو للعمل الإنساني، واستقال من منصبه في منظمة “ليونسكو”عام 1952ماحتجاجا على قبول الأمم المتحدة عضوية أسبانيا وهي تحت حكم الجنرال فرانكو.
وسببت الثورة الجزائرية التي اندلعت في عام 1954 لكامو حيرة نفسية أمام معضلة أخلاقية، حيث كان يتصور إمكانية حصول الجزائر على حكم ذاتي، أو حتى حصول العرب على فيدرالية خاصة بهم، لكنه لم يتصور فكرة الاستقلال التام، إلا أن ذلك لم يمنعه من تقديم المساعدة للسجناء الجزائريين في السجون الفرنسية بالجزائر.
وفي الفترة ما بين عامي 1955م و 1956م كتب كامو لصحيفة “الاكسبريس”, وفي العام اللاحق حاز على جائزة “نوبل” في الآداب، عن سلسلة المقالات التي كتبها وانتقد فيها عقوبة الإعدام.
وفي الرابع من يناير عام 1960م توفي البير كامو عن ستة وأربعين عاماً، ولم يكن قد مر على منحه جائزة نوبل للأدب إلا عامان، حيث اصطدمت السيارة التي كان ذاهباً فيها إلى باريس، والتي كان يقودها بسرعة كبيرة صديقه ميشيل غاليمار، بشجرة ضخمة، وعم الحزن والاضطراب لوفاته وتوالت المراثي والمقالات في الصحف والإذاعات بأعداد كبيرة.