لم يقتصر النبوغ في الطب, على الرجال فقط, حيث نبغ من النساء عدد غير قليل. وهاكم العديد من المسلمات مارسن صناعة الطب فى صدر الإسلام ومنهن رفيدة وأم سليم وأم سنان وأمينة بنت قيس الغفارية وكعيبة بنت سعد الأسلمية والشفاء بنت عبد الله, وفي عصر الأمويين مارست الطب زينب طبيبة بني أود وفي الأندلس أخت الحفيد بن زهر وابنتاه وابنتاها اللواتي اشتهرن بأمراض النساء والولادة. وبنت دهن اللوز الدمشقية طبيبة ماهرة (ودهن اللوز من شيخات وعالمات دمشق توفيت بها في ربيع الآخر سنة 614هـ).
وكانت للنساء الأندلسيات مشاركة في هذا العلم, حتى أن نساء الملوك كنّ في غنى عن الأطباء بالطبيبات, فكان بعض النساء يتخصصن أحياناً في أمراض النساء؛ وكانت الطبيبة تدعى فى حالات الولادة الصعبة؛ وتأخذ أجراً عالياً لقاء خدماتها.
فمن هؤلاء الطبيبات الشهيرات نذكر, أم الحسن بنت القاضي أبي جعفر الطّنجالي. وبعض المؤرخين يلفظها (أم الحُسن),
(شاعرة أديبة… نشأت في حجر أبيها ودرسها الطب ففهمت أغراضه, وعلمت أسبابه وأعراضه…) هذا ما قاله عمر رضا كحالة في كتابه “أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام”.
أما كتاب (الموجز في تاريخ الطب والصيدلة عند العرب), فقد جاء فيه: (وكانت أم الحسن بنت القاضي أحمد بن عبد الله الطنجالي من أهل لوشة بالأندلس تجود القرآن وتشارك في فنون الطب وتنظم الشعر..).
ترعرعت في مدينة بالأندلس تدعى لوشة. (بفتح اللام وتسكين الواوا وفتح الشين) وهي قريبة من مدينة قرطبة وتبعد عنها حوالي عشرين فرسخاً وتقع على نهر غرناطة المسمى نهر سنجل.
كانت أم الحسن شاعرة وأديبة مرموقة يتوجه إليها ذو الشهرة والمعرفة لمطالعة أخبارها, وكانوا يعجبون بأدبها ونظمها ولسانها.
وقال لسان الدين ابن الخطيب عنها: “ثالثة حمدة وولادة, وفاضلة الأدب والمجادة, تقلدت المحاسن من قبل ولادة, وولدت إبكار الافكار قبل سن الولادة”.
كان صوت أم الحسن رخيماً فتقرأ القرآن الكريم بصوت حسن وتجوده..
ومن شعرها في المدح:
إن قيل من الناس رب فضيلة
حاز العلا والمجد منه أصيل
فأقول رضوان وحيد زمانه
إن الزمان بمثله لبخيل
ومن نظمها في الخط:
الخط ليس له في العلم فائدة
وإنما هو تزين بقرطاس
والدرس سؤلي لا أبغي به بدلا
بقدر علم الفتى يسمو على الناس
وجاء في كتاب (خبرات في التمريض) لـ هيلين رايت, ترجمته للعربية الدكتورة سعاد ماهر. (… إن أم الحسن بنت القاضي أحمد بن عبد الله بن عبد المنعم أبي جعفر الطنجالي من أهل لوشه بالأندلس, كانت تجود القرآن, وتشارك فى فنون من الطب وأفراد مسائل الطب, وتنظم الشعر…).
وترجم ابن الخطيب لعبد الله بن يوسف بن رضوان النجاري المالقي, وقال انه روى عن الخطيب المحدّث أبي جعفر بن يوسف الهاشمي الطنجالي. ومعنى ذلك أن ابنة هذا الأخير, أم الحسن الطنجالي, كانت في عصر بني الأحمر, وبالتحديد في زمان ابن الخطيب بغرناطة.
ولم تكن أم الحسن ملمة بأصول صناعة الطب فحسب، وإنما كانت تدرسه لطلابها إيمانًا واقتناعًا منها بأن العلم لا يؤخذ من بطون الكتب ولكنه يؤخذ من حلقات الدرس والعلم.
كانت قد نبغت في العلوم الطبية وكانت لها منزلة عظيمة في صناعته. لم تذكر كتب التراجم معلومات دقيقة عن تاريخ ولادتها أو وفاتها، ولا نعرف سوى أنها عاشت في خلال القرن الثامن الهجري، أي أنها ولدت وعاشت قبيل سنة 750هـ وهي سنة وفاة والدها.