درس العروض والقوافي ونهل من الثقافة العربية القديمة فقرأ دواوين فحول الشعر العربي أمثال المتنبي وابن الرومي وأبي نواس وغيرهم، كما نـهل من الثقافة الغربية فقرأ قصائد شيلي وبيرون وآخرين من رومانسيي الشعر الغربي فخرجت قصائده شديدة العذوبة، كان إنسانا رقيقا، عاطفيا، عكست أشعاره قمة الرومانسية والحب العذري الصادق؛ حيث كان ينشد في أشعاره أشواق الروح وجلال القيمة.
ولد إبراهيم ناجي في حي شبرا بالقاهرة في 31 من ديسمبر عام 1898م، ورث عن والده شغفه بالقراءة وتعلم اللغات فأتقن الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وتخرج في “مدرسة الطب” عام 1922م, وعين بعد تخرجه طبيباً في “وزارة المواصلات”، ثم في “وزارة الصحة”، و بعدها عيّن مراقباً للقسم الطبي في “وزارة الأوقاف” وآثر التقاعد في سن مبكرة بعد تدهور حالته الصحية وتفرغ لعيادته الخاصة، واشتهر عنه أنه كان يعالج المرضي الفقراء بلا أجر، ويشارك في تشييع الجنازات، ويتأثر عاطفيا من أدني أمر، وقد عاش في بلدته المنصورة في الفترة الأولى من حياته وفيها رأى جمال الطبيعة وجمال نهر النيل فغلب على شعره الاتجاه العاطفي.
بدأ ناجي حياته الشعرية عام 1926م عندما بدأ يترجم بعض أشعار الفريد دي موسييه وتوماس مور شعراً وينشرها في جريدة “السياسة” الأسبوعية، وانضم بعد ذلك إلى “جماعة أبوللو” الشعرية عام 1932م والتي أصبح وكيلا لها، وقد أفرزت هذه المدرسة نخبة من الشعراء المصريين والعرب الذين استطاعوا تحرير القصيدة العربية الحديثة من الأغلال الكلاسيكية والخيالات والإيقاعات المتوارثة، وقد تأثر ناجي في شعره بالاتجاه الرومانسي كما اشتهر بشعره الوجداني.
ومن أهم أعمال ناجي الأدبية ترجمة بعض الأشعار عن الفرنسية للشاعر “بودلير” تحت عنوان “أزهار الشر”، كما ترجم عن الإنكليزية رواية “الجريمة والعقاب” للأديب “ديستوفسكي”، وعن الإيطالية رواية “الموت في إجازة”، كما نشر دراسة عن شكسبير، وقام بإصدار “مجلة حكيم البيت”، وألّف بعض الكتب الأدبية مثل “مدينة الأحلام” و”عالم الأسرة” ومن أشهر قصائده قصيدة “الأطلال” التي تغنت بها كوكب الشرق “أم كلثوم” ولحنها الموسيقار العملاق رياض السنباطي.
وقد صدرت عن الشاعر إبراهيم ناجي بعد رحيله عدة دراسات مهمة، منها: “إبراهيم ناجي” للشاعر صالح جودت، و”ناجي” للدكتورة نعمات أحمد فؤاد ، كما كتبت عنه العديد من الرسائل العلمية بالجامعات المصرية، ومن أشهر الدوادين الشعرية التي ابدعها الشاعر : وراء الغمام (1934) ، ليالي القاهرة (1944)، في معبد الليل (1948) ، الطائر الجريح (1953) ، وفي عام 1966م صدرت أعماله الشعرية الكاملة عن “المجلس الأعلى للثقافة”.
وكان ناجي قد تعرض لهجوم عنيف بعد صدور ديوانه الأول من الأديبين عباس محمود العقاد وطه حسين ويرجع هذا إلى ارتباطه بجماعة أبوللو حيث وصف عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين شعره بأنه “شعر صالونات لا يحتمل أن يخرج إلى الخلاء فيأخذه البرد من جوانبه”، وعندما قرأ ناجي ذلك النقد وكان وقتها في لندن شعر بخيبة كبيرة، وبينما كان يجتاز أحد الشوارع هناك، صدمته سيارة، فنقل إلى المستشفى، ولبث فيه مدة، وبالإضافة إلي ذلك كان يعاني من داء السكري، ورجع إلى مصر يائسا من الشعر والأصدقاء، وأخذ يكتب قصائد الهجاء في هذا وذاك، بل أخذ يترجم ويكتب القصص، فكتب قصة “مدينة الأحلام”، تحدث فيها عن حبه الأول، ونشرها مع قصص أخرى مؤلفة ومترجمة في كتاب يحمل العنوان نفسه، قال في مقدمته: “وداعاً أيها الشعر، وداعاً أيها الفن، وداعاً أيها الفكر”، وقد عاشت هذه المحنة في أعماقه فترة طويلة حتى توفي في 24 مارس من عام 1953م.