إلياس صالح كنعان نعمة (1870 – 1895) صحفي ومترجم وشاعر عثماني لبناني. ولد في بيروت، وتلقى علومه في المدرسة الكلية السورية الأمريكية، ونال شهادة البكالوريا منها سنة 1888.
عمل محررًا في جريدة المقطم لمدة. نبغ في اللغة العربية وآدابها، وكان منذ حداثته متوقد الذهن ذكيًّا فطنًا، ومن غريب قريحته أنه جمع بين الشعر والإنشاء، ويندر أن يتفق ذلك لواحد.
توفي في ريعان شبابه فلم يكن له إنتاج كبير سوى قصائد ومقالات نشرها في المقطم.
Table of Contents
إلياس صالح .. قريحة سيالة
نال إلياس صالح شهادة البكلورية من المدرسة الكلية سنة ١٨٨٨م> وكان قد اشتهر بين البيروتيين بقريحته السيالة في الشعر، وسلامة ذوقه في الإنشاء، فاستقدمته إدارة المقطم فتولى التحرير فيها حتى توفاه الله في ريعان الشباب، ولو فسح في أجله لأتى بمعجزات البيان؛ لأنه كان على صغر سنه من نوابغ الشعراء وعمدة الكتاب، حتى طار صيته في القطرين. وكان كاتبًا أديبًا تسيل عباراته سهولة، وتمتزج معانيه بالنفوس رقة، قلَّ أن يهفو هفوة يؤخذ عليها، متضلعًا بقواعد اللغة، لو سألته عن أي شاردة من شواردها لأجابك فورًا وأورد لك مثالًا أو أمثلة. وكان إنشاؤه عربيًّا فصيحًا خالصًا من صبغة العجمة، مع كثرة اشتغاله ومطالعته باللغات الأجنبية. وكان قابضًا على ناصية الألفاظ، عارفًا اشتقاقاتها ومواقعها وظلال معانيها، فلا تسأله عن لفظ إلا أورد لك سائر اشتقاقاته ومعانيه، وأشار بأصبعه إلى موضع كل منها في الصفحة من القاموس.
إلياس صالح .. شاعر الرقة والفصاحة
وكان شاعرًا مطبوعًا، يمتاز شعره مع الرقة والفصاحة بالسهولة والطلاوة، لا يخلو له بيت من نكتة تدل على الذكاء والظرف. وقد نظم على صغر سنه واشتغاله عن الشعر قصائد رنانة ومقاطع جرت مجرى الأمثال.
وكان مع ذلك سريع الخاطر فطنًا، لا تكاد تبدأ بحديثك حتى يدرك مرادك منه، ولا تخفاه خفية من مكنونات معانيك حتى يخال لك أنه ينطق بلسانك ويعبر عن جنانك، وكان حلو الحديث، حسن المعاشرة، لا يخلو مجلسه من المطارحة أو المذاكرة أو المباحثة فيما يحلو الخوض فيه من المواضيع الأدبية أو العلمية أو السياسية. وإذا ناظرته في أمر آنست منه آراء قويمة وأفكارًا أكثرها في جانب الإصابة.
عفة واعتدال
وكان أديبًا عفيفًا يتحدث بعفته واعتداله سائر أصدقائه وخِلَّانه ما يصح أن يكون قدوة لشبان هذا العصر، ويندر أن نرى على مثاله بينهم.
وكان إلياس صالح يعرف اللغة الإنكليزية معرفة جيدة؛ ترجمة وكتابة، ويحسن الفرنسوية، وكثيرًا ما عرَّب قصائد إنكليزية فنظمها في العربية، لا يشك قارئها أنها نظمت في العربية رأسًا. وترجم جانبًا من رواية الأميرة المصرية، درج شيء منه في مجلة اللطائف قبل مرضه، وفيها ما يدل على تمكُّنه من الإنكليزية مع اقتداره على نقل معانيها إلى عبارة عربية فصيحة لا يشتم منها رائحة التعريب.
وكان كبير النفس عزيزها، ممتلئ القلب أنفة ونزاهة، لا يفتر لحظة عن الاهتمام بمستقبله. وقد بالغ في ذلك حتى أودى به إلى تعب الجسم ونحول البدن، فلما جاءه المرض لم يستطع إلى دفعه سبيلًا، فقضى ونفسُه شاخصةٌ إلى المعالي، وآماله لا تزال عالقة بنيل الأماني إلى آخر نسمة من حياته.
وأما آثار إليسا صالح ، فإن الأجل لم يفسح له إلا قليلًا، ومع ذلك فإن من منظوماته ما تناقلته الألسنة، وأعجب به رجال الأدب، وأكثره منشور في جريدة المقطم، ومنه ما يتناقله زملاؤه في المدرسة في محفوظهم، ولم نوفق إلى جمع شيء يستحق النشر في كتاب على حدة، فنأتي بأمثلة منها دلالة على منزلته من عالم الشعر.
قال يصف جسر قصر النيل بالقاهرة، وفيه إشارة إلى دورانه في أثناء فتحه:
جسر قصر النيل المبارك جسرٌ
قصرت في الفخام عنه الجسور
ثابت كالزمان هيهات يفنى
وهو أيضًا مثل الزمان يدور
وله في نظم التواريخ أبيات لم نرَ مثلها فيما نظمه الشعراء، من ذلك تاريخ نظمه تقريظًا لكتابنا تاريخ مصر الحديث عند صدوره سنة ١٣٠٨ﻫ، يكاد يكون معجزة من معجزات النظم، وهو قوله بعد وصف الكتاب نثرًا:
وبالاختصار فقد حوى ووعى
ما لم يكن في الكتب منسوخا
فيرى الحكيم له به عظة
ويرى الجهول كذاك توبيخا
ويرى المطالع فيه تفكهة
ويرى المؤرخ فيه تاريخا
وآخر ما نظمه قبل مرضه بيتان، كتبهما إلى خطيبته على بطاقة، وفيهما إشارة إلى ساعة أهداها إليها، وهما:
يا من دعاني حبه فأجبته
سمعًا لما تدعو إليه وطاعهْ
تفديك روحي إن حبك راسخ
فيها قديمًا قبل هذه الساعه