ابتكر باحثون من جامعة “أوريجون للعلوم الصحية” طريقةً جديدةً لصناعة أوعية عظمية يُمكن أن تقوم بدور مثيلتها الطبيعية بشكل كامل وكفاءة عالية.
ووفقا للدراسة المنشورة في دورية “نيتشر كوميونيكيشنز” (Nature Communications)، يُمكن للطريقة الجديدة الاحتفاظ بأنسجة العظام البشرية وتنميتها داخل أطباق معملية، بمستوى غير مسبوق من الدقة، سواء من ناحية تركيبة العظام أو نشاطها البيولوجي.
ويُمكن استخدام تلك الطريقة لاستكشاف عمليات حيوية أساسية في جسم الإنسان، أو كعلاج لإصابات العظام الكبيرة، كما يُمكنها حل لغز السرطان النقيلي المنتشر في العظام.
تنتقل الأورام السرطانية الثانوية إلى العظام من جَرَّاء وجود ورم أساسي في مكان آخر من الجسم، فمثلاً، حين تُصاب السيدات بأورام الثدي المتقدمة، يبدأ السرطان في الانتشار وصولًا إلى العظام، ولا يعرف العلماء على وجه الدقة الطريقة التي تنتشر بها تلك الخلايا السرطانية في الجسم.
ويقول “لويز بيرتاسوني” -أستاذ الطب الحيوي، والمؤلف الأول لتلك الدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”:”إن مشاهدة العظام في أثناء نموها داخل الأطباق المعملية يُمكن أن تساعد في فهم طبيعة انتقال الأورام السرطانية خلالها، والطريقة الجديدة تتيح إنتاج عظام تُشبه في تكوينها البيولوجي والوظيفي العظام البشرية، ما يساعد على استبدال العظام البشرية المتضررة بشدة من جَرَّاء الحوادث أو الإصابات، دون أي احتمالية لرفضها من الجسم”.
لإنتاج العظام، صمم الباحثون ما يُشبه الوعاء الأسطواني المعدني، ثم ملأوا الوعاء بخليط من الخلايا الجذعية البشرية المذابة في محلول من الكولاجين، بحيث تُكون تلك الخلايا مادةً تُشبه الهلام.
بعد ذلك، سكب الباحثون مزيجًا من الكالسيوم والفوسفات على ذلك الهلام، وأضافوا بروتينًا مشتقًّا من حليب الأبقار لمنع تكوُّن بلورات تُضعف العظام، ما ساعد تلك الخلايا على تنظيم نفسها، وبناء أوعية دموية عاملة تُغذي الخليط، وتُنشئ العظام، التي يُمكن استخدامها بديلًا للعظام الحقيقية.
تتطور الخلايا الجذعية إلى خلايا عظمية عاملة، دون أي إضافات أخرى لأي مادة كيميائية. وفي غضون 3 أيام، تتكلس تلك العظام في أشكال هندسية تُشبه شكل الوعاء ذاته، وتتواصل خلاياها بعضها مع بعض، تمامًا كما يحدث في العظام الطبيعية.
وقام الباحثون بزرع العظام الجديدة أسفل جلود الفئران، وبعد بضعة أيام، ارتبطت الأوعية الدموية المُصنعة في المختبر بالأوعية الدموية الطبيعية في الفئران.
وعلى الرغم من أن صناعة العظام داخل المعامل ليست أمرًا جديدًا، إلا أن الباحثين في الماضي اعتادوا زراعة الخلايا داخل خليط من البروتينات التي تُشبه البروتينات البشرية التي تعيش فيها الخلايا داخل أجسادنا، غير أن الطريقة الجديدة هي المحاولة الناجحة الأولى من نوعها التي يتمكن فيها علماء من دمج الخلايا مع المعادن، عبر تصميم أوعية مفرغة من بنية معدنية مطبوعة بواسطة طابعة ثلاثية الأبعاد، ومن ثم استنبات الخلايا داخلها عبر توفير الظروف الملائمة لتكاثرها، وتكوين أوعية دموية مُغذية لها.
ويقول “لويز” في تصريحات نقلها البيان الصحفي المُرفق بالدراسة -تلقت “للعلم” نسخة منه- إن المادة الجديدة واعدة كنموذج لدراسة وظيفة العظام، والأمراض التي تصيبها، والطريقة التي يتجدد بها العظم، مشيرًا إلى أن تلك الطريقة ستجعل الباحثين يبدأون في طرح أسئلة حول كيفية انتشار الخلايا السرطانية المختلفة في العظام، والطريقة التي تنتقل بها من مكان إلى آخر، علاوةً على وظيفة العظام في تنظيم النخاع وحمايته.
ويضيف الباحث في تصريحات لـ”للعلم”:”إن وجود المعدن ضمن مكونات العظام الاصطناعية لا يعني أن تلك العظام سامة بأي شكل من الأشكال؛ إذ إنها لا يُمكن أن تسمم الخلايا المجاورة لها، ولا حتى يُمكن أن تتسبب في زيادة نسبة المعادن في الدم”.
ويُمكن استخدام العظام المُصنعة حديثًا في الطب التجديدي، عبر استبدال العظام المتضررة دون أدنى خطورة، إلا أن الباحث يقول: إن تلك الطريقة –وعلى الرغم من إثبات جدارتها داخل المعمل- لم تُختبر بعد في الجسم البشري، والهدف الحالي لإنتاج تلك العظام هو دراسة الأورام السرطانية، لكنني لا أستبعد أن يتم استخدام تلك الطريقة ضمن تقنيات زراعة العظام في المستقبل القريب.