ابن طُفَيْل هو أبو بكر محمد بن عبد المالك بن محمد ابن طُفَيْل القيسي الأندلسي، يرجع نسبه إلى قبيلة بني قيس العربية، ولد قرب مدينة غرناطة بالأندلس، وتاريخ ولادته غير معروف، لكن من المحتمل أن يكون ولد في بداية القرن الثاني عشر الميلادي، حيث كان معلما لابن رشد المولود في تلك الفترة، ويعتبر عالما من العلماء اللواحق في عصر الحضارة الإسلامية، وكانت له معرفة جيدة وشاملة بمختلف العلوم، خاصة في الطب، والفلسفة، والفلك.
تنقل ابن طُفَيْل في مناصب عدة ، فاشتغل في البداية كاتباً في ديوان والي غرناطة، ثم في ديوان الأمير أبي سعيد بن عبد المؤمن حاكم طنجة؛ ثم أصبح وزيراً وطبيباً للسلطان الموحدي “أبي يعقوب يوسف”.
ويقال إن ابن طُفَيْل كان له تأثير كبير على الخليفة، وقد استغل ذلك في جلب العلماء إلى البلاط، ونذكر منهم بصفة خاصة الفيلسوف والطبيب ابن رشد الذي قدمه ابن طفيل عندما تقدم به السن إلى السلطان ليقوم بشرح كتب أرسطو وليخلفه في عمله كطبيب، وقد ظل ابن طفيل في بلاط السلطان إلى أن توفي بمراكش عام 581هـ/1185م.
Table of Contents
إسهامات ابن طُفَيْل العلمية
في مجال الطب، ذكر “لسان الدين ابن الخطيب” أن ابن طُفَيْل ألف في الطب كتاباً من مجلدين، كما ذكر “ابن أبي أصيبعة” أنه كان بين ابن طُفَيْل وابن رشد مراجعات ومباحث في “رسم الدواء” جمعها ابن رشد في كتابه “الكليات”، كما كانت لابن طفيل أرجوزة في الطب تتألف من 7700 بيت.
وفي الفلك يقال إن ابن طُفَيْل كانت له آراء مبتكرة في الفلك ونظريات في تركيب الأجرام السماوية وحركاتها، ويقول الباحث “ليون جوتيه” في كتابه عن ابن طفيل : على الرغم من عدم وجود أي شيء مكتوب عن الفلك، باستثناء بعض الفقرات القصيرة في كتاب حي ابن يقظان، فإننا نعرف أن ابن طفيل لم يكن راضياً عن النظام الفلكي الذي وضعه بطليموس، وأنه فكر في نظام جديد.
واستشهد الكاتب على ذلك بما كتبه كل من ابن رشد والبطروجي، فابن رشد في شرحه الأوسط لِـ “الآثار العلوية” لأرسطو، انتقد بدوره فرضيات بطليموس عن تكوين الأفلاك وحركاتها، وقال إن ابن طفيل يتوفر في هذا المجال على نظريات رائعة يمكن الاستفادة منها كثيراً، كما أن البطروجي في مقدمة كتابه الشهير عن الفلك، ذكر أن ابن طفيل أوجد نظاماً فلكياً ومبادئ لحركاته، غير تلك المبادئ التي وضعها بطليموس.
ويتساءل الباحث الفرنسي عن احتمال أن تكون فرضيات ابن طُفَيْل تشتمل على بعض العناصر الأساس من الإصلاح الفلكي العظيم الذي جاء به كوبرنيك وجاليلي بعد أربعة قرون.
مؤلفاته ابن طُفَيْل
“مراجعات ومباحث” التي جرت بين “ابن طفيل” وابن رشد في “رسم الدواء”، جمعها ابن رشد في كتابه “الكليات”، ومن مؤلفات أبن طفيل الشهيرة “أرجوزة في الطب”، وهي توجد في خزانة جامع القرويين بفاس بالمملكة المغربية، وكتاب “رسالة في النفس” في الفلسفة .
من أشهر ما ترك “ابن طفيل” قصة “حي بن يقظان”، وهي قصة فلسفية عرض فيها أفكاره الفلسفية عرضاً قصصياً، محاولاً التوفيق فيها بين الدين والفلسفة، وقد عرفت هذه القصة في الغرب منذ القرن السابع عشر، وترجمت إلى عدة لغات، منها اللاتينية، والعبرية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والهولندية.
فكره ابن طُفَيْل
قصة “حي بن يقظان” رغم دلالاتها الإيمانية التأملية في منظومة الخلق والكون من خلال فكر إنسان كان يعيش متفردا في جزيرة نائية منذ أن ألقي به في اليم وهو رضيع، فاهتدي بفطرته إلي مكنونات الخلق وعظمة الخالق من خلال عقله وبصره وسمعه، كما اهتدي ببصيرته إلي الإيمان.
ويتحدث “ابن طفيل” خلال قصته عن( البعد الثالث) بالكون وسماه الأقطار الثلاثة بالسماء وحددها بالطول والعرض والعمق، وكيف يعتقد أنها ممتدة إلي مالانهاية، إلا أنه أكد علي تحيز الكون قائلا: جسما لا نهاية له باطل لأن الفلك (الكون) علي شكل كرة، وهذا ما أطلق عليه إينشتين فيما بعد التقوس الكوني وتحيزه حيث إعتبر الكون كتلة متقوسة ( سماها ابن طفيل كرة) في فضاء متسع يتمدد فيه وكل ما يقاس فيه يتم من داخل وجودنا به ورغم هذا لانري حافته أو حدوده، والعلماء حتي الآن لايعرفون مركز تمدده .
وتساءل ابن طفيل قائلا: هل السماء ممتدة إلي غير نهاية ؟ أو هي متناهية محدودة بحدود تتقطع عندها ولايمكن أن يكون وراءها شيء من الإمتداد؟ وكانت نظرية التمدد الكوني ثورة فلكية عندما طالعنا إدوين هبل عام 1920 بها، لأنها قلبت مفهوم العلم عن الكون إلا أن ابن طفيل سبقه فيها منذ ثمانية قرون عندما أشار إليها، فلقد حدثنا عن (التمدد الكوني ) وإنتفاخ الكون قائلا: الأجسام السماوية تتحرك حول الوسط بالمكان ( الفضاء) ولو تحركت في الوضع ( المركز) علي نفسها أصبحت كروية الشكل .
وتطرق ابن طفيل إلى منظومة (وحدة الكون) قائلا: إن الفلك (الكون) بجملته وما يحتوي عليه من ضروب الأفلاك شيء واحد متصل ببعضه بعض كشخص واحد، وتحدث عن( نشوء الكون) قائلا : أن العالم (الكون) لايمكن أن يخرج إلي الوجود بنفسه ولابد له من فاعل (محدث) يخرجه إليه، وكان العدم والوجود من الأمور المثارة في علم الكلام ولاسيما لدي المعتزلة بالعصر العباسي حيث كانوا يبحثون في مسألة الخلق والقدم والحداثة للكون .
وفي حديثه عن التناسق الكوني يقول “ابن طفيل” : الكواكب والأفلاك كلها منتظمة الحركات جارية علي تسق، كما يتحدث عن المادة المضادة بمواد الكون قائلا: وأن أكثر هذه الأجسام مختلطة ومركبة من أشياء متضادة ولذلك تؤول إلي الفساد.
وتحدث أيضا عن الجاذبية الكونية والإنتفاخ الكوني والجينات والإنكسار الضوئي والمادة المظلمة بالكون وتكوير الأرض والشمس والقمر بإستفاضة.