الإبهام الثالث .. يُعزز قدرات المستخدم البيولوجية ويساعده على أداء مهام أكثر تعقيدًا
الإبهام الثالث | ابتكرت داني كلود، أخصائية الأطراف الصناعية في مختبر اللدونة بجامعة كامبردج، إبهامًا ثالثًا يُعدّ ثورة في عالم الأطراف الصناعية. هذا الإبهام الصناعي لا يهدف فقط إلى استبدال الإبهام المفقود، بل يتعدى ذلك ليُعزز قدرات المستخدم البيولوجية ويساعده على أداء مهام أكثر تعقيدًا.
Table of Contents
كيف يعمل الإبهام الثالث؟
ووفقا لموقع (الجزيرة) الإبهام الإضافي إنما هو إصبع آلي اصطناعي إضافي مطبوع ثلاثي الأبعاد يُتحكم فيه عن طريق أصابع قدم المستخدم، وهو جزء من مجال التكنولوجيا المتنامي المشار إليه باسم “التعزيز الحركي” الذي صُمم لتوسيع القدرات البدنية للبشر.
يُرتدى “الإبهام الثالث” تحت إصبع الخنصر مباشرة على الجانب الآخر للإبهام الحقيقي للمستخدم، ويُثبت في مكانه بواسطة رباط المعصم ليشبه الإصبع السادس.
وأوضح مبتكرو الإصبع الآلي أنه بمجرد تجهيز يُشغل عن طريق الضغط إلى أسفل على زوج من الأجهزة الموضوعة تحت كل إصبع كبير في كلتا القدمين، والتي يمكن وضعها داخل الحذاء.
ويؤدي الضغط الذي يمارسه إصبع القدم الأيمن إلى تحريك “الإبهام الثالث” من جانب إلى آخر عبر اليد، بينما يؤدي الضغط الذي يٌمارس من إصبع القدم الأيسر إلى تحريكه بقوة لأعلى ولأسفل نحو الأصابع الطبيعية.
تبدو أدوات التحكم في حركة الإبهام الثالث لاسلكية ومتناسبة طرديا مع الضغط المُطبَّق، لذا فإن الحركة الأسرع من أصابع القدم ستؤدي إلى حركة سريعة مماثلة بالإبهام، وسيؤدي تحرير الضغط على إصبع القدم إلى إعادة الإبهام إلى موضعه الأصلي.
ويرى الباحثون أن أحد مجالات التكنولوجيا الناشئة هو التعزيز الحركي باستخدام أجهزة يمكن ارتداؤها مثل أجزاء الجسم الآلية الإضافية لتحسين القدرات الحركية البشرية إلى ما هو أبعد من حدودها الحالية.
مهام متعددة بيدٍ واحدة
يقول مبتكرو الإبهام الثالث في ورقتهم البحثية: إن “التكنولوجيا تُغير تعريفنا لما يعنيه أن تكون إنسانا، حيث أصبحت الآلات بشكل متزايد جزءًا من حياتنا اليومية، وحتى عقولنا وأجسادنا”.
ويعتقدون أن هذا الإبهام الآلي يمكن أن يساعد قريبا الأشخاص على استعادة القدرة على الحركة والأداء الوظيفي، كما يمكن أن يكون ذا قيمة خاصة لمبتوري الأطراف الذين فقدوا أذرعتهم، ويواجهون صعوبة في أداء مهامهم بيد واحدة فقط.
لكنّ الاستخدامات المحتملة للإبهام الثالث لا تقتصر فقط على مساعدة المستخدِمين الذين فقدوا أصابعهم. وفي مقاطع الفيديو والصور التي توضح الاختبارات، أظهر المستخدِمون أن الإبهام قوي بما يكفي للضغط على الفاكهة، ودقيق بما يكفي لتمرير الخيط عبر الإبرة.
وفي مكان آخر، يمكن رؤية مستخدِمين وهم يكسرون بيضة، بينما يضعون أخرى بأمان على الإبهام.
تُظهر صورة أخرى رساما يحمل كوبا مليئا بالحبر بإبهامه ويمسك في اليد نفسها فرشاة رسم، ويمكن أيضا استخدام الإبهام على ما يبدو للعزف على أوتار الجيتار.
في نهاية المطاف، يعتقد الباحثون الذين يستكشفون أتمتة المحركات القابلة للارتداء، والتي يمكن أن تشمل الأطراف الميكانيكية المعقدة وبدلات الهيكل الخارجي التي يطلق عليها “البدلات الخارقة”، أن هذا الإبهام الآلي يمكن أن يعزز الأداء البيولوجي والقدرة على الإمساك بالأشياء الكبيرة، وتوسيع القدرة الاستيعابية لليد حتى يتمكن مرتدوه من إكمال المهام التي عادة ما يكون صعبا أو مستحيلا القيام بها باستخدام الإبهام وأربعة أصابع. ويعتقدون أن هذه الأدوات يمكن أن تزيد في النهاية من الإنتاجية والسلامة.
نتائج مشجعة
على الرغم من أن التصميم الأولي لجهاز الإبهام الثالث الآلي يعود إلى عام 2017، فقد أصدر باحثون من جامعة كامبردج نتائج أول جولة واسعة النطاق من الاختبارات البشرية باستخدام الجهاز.
وونشرت الدراسة -التي قادتها “تامار ماكين” الأستاذة في وحدة علوم الإدراك والدماغ بمجلس البحوث الطبية بجامعة كامبردج- في مجلة “ساينس روبوتيكس”.
وفي دراستهم، أخذ الباحثون نسخا مختلفة الأحجام من الإبهام إلى المعرض العلمي الصيفي للجمعية الملكية البريطانية لعام 2022، واختبروه على 596 شخصا تتراوح أعمارهم بين 3 و96 عاما.
وعلى مدار 5 أيام، شرع الباحثون باستخدام مجموعات من المتطوعين الذين جاؤوا من خلفيات مختلفة من حيث الجنس والعرق واستخدام اليد، ومُنحوا ما يصل إلى دقيقة واحدة للتعرف على الجهاز.
وقام المشاركون في التجربة ببعض المهام اليدوية لتحديد ما إذا كان بإمكانهم فهم طبيعة عمل الإبهام بسهولة واستخدامه لالتقاط أشياء مختلفة بسرعة وبشكل فعال أم لا.
وكانت نتائج التجربة مشجعة، ووجدت الغالبية العظمى من المختبِرين أن “الإبهام الثالث” سهل الاستخدام، وتمكنوا من توسيع نطاق حركاتهم بتأثير فوري تقريبا.
وتمكن نحو 98% من المشاركين من تجهيز الإبهام الإضافي بنجاح والتعامل مع الأشياء خلال الدقيقة الأولى. وبشكل عام وجد الباحثون أن ارتداء الإبهام والتحكم فيه نجح بنسبة 99.3% من العينة.
لكن تحريك الأشياء والقيام بها ببراعة قصتان مختلفتان تماما. ولاختبار ذلك، كُلِّف الأشخاص الخاضعون للاختبار بمهمتين منفصلتين مدة كل منهما دقيقة واحدة لمعرفة مدى فائدة “الإبهام الثالث”.
- طلب الباحثون من المشاركين استخدام إصبعهم الآلي الجديد لالتقاط المشابك ووضعها في السلة خلال 60 ثانية، وأكمل أكثر من نصفهم (333 مشاركا) المهمة بشكل فعال.
- طُلب من الخاضعين للاختبار استخدام الإبهام جنبا إلى جنب مع أصابعهم الأخرى لتحريك ما يصل إلى ستة أجسام رغوية بأحجام وأشكال مختلفة تتطلب مستويات مختلفة من البراعة لحملها ووضعها بالمثل في السلة بسرعة. وفي هذه المرة أكمل 246 من المشاركين الاختبار.
وأمكن للذين اختبروا الإصبع من جميع الأعمار استخدام الإبهام بنجاح وبسرعة إلى حد ما، لكنّ الأطفال الأصغر سنا واجهوا صعوبة في استخدام الإبهام.
كما لاحظ الباحثون أن الأداء انخفض لدى كبار السن، وأرجعوا هذه النتيجة إلى التدهور العام في القدرات الحسية والإدراكية المرتبطة بالشيخوخة. وإضافة إلى ذلك، يمكن أن تعكس هذه التأثيرات أيضا علاقة الأجيال بالتكنولوجيا.
ولم يكن هناك أي دليل على أن الأشخاص الذين يمكن اعتبارهم “جيدين في استخدام أيديهم” لأنهم يعزفون على آلة موسيقية أو لديهم وظيفة تنطوي على براعة يدوية على سبيل المثال؛ كانوا أفضل في استخدام الجهاز التعويضي من غيرهم.
وعلى الرغم من أن موضوعات الاختبار في معرض العلوم الصيفي للجمعية الملكية كانت مقتصرة إلى حد كبير على بعض المهام المحددة، فإن الباحثين قدّموا بالفعل لمحات عن أداء المهام التي قد تكون صعبة أو مستحيلة بيد واحدة، مثل فتح زجاجة أو تقشير موزة أو حمل أكواب متعددة أو التدقيق في أوراق اللعب.
واعترفت كلود التي طورت الإبهام الثالث في كامبردج، بأن تعلّم كيفية استخدام الجهاز يمكن أن يبدو “غريبا جدا” بالنسبة للأشخاص الذين عاشوا حياتهم باستخدام 10 أصابع وإبهامين، ومع ذلك تشير أحدث الأبحاث إلى أن المظهر قد يكون خادعًا.
وقالت كلود: “الأمر المثير حقًا بشأن الإبهام هو أنه يبدو معقدا للغاية منذ البداية، وهو في الواقع ليس كذلك، إذ يمكن للناس استخدامه بسرعة وسهولة خلال دقيقة واحدة، ولا يستغرق الأمر سنوات من التدريب أو حتى أشهرا أو حتى أياما”.
وقالت لوسي دودال، وهي إحدى الباحثات المشاركات في الورقة البحثية: “كنا مهتمين حقا بهذا البحث للنظر في مدى قدرة الأشخاص على اكتساب تلك المهارات الحركية الأولية في البداية، لذلك أثبتوا في اللحظات القليلة الأولى من الاستخدام أن بإمكانهم حقًا استخدام الإبهام الثالث”. وأضافت: “لقد فوجئنا بمدى كفاءة الجميع، لا سيما في المعرض، ولكن أيضا بالفئات العمرية الواسعة.. يمكن للجميع أداء المهمة بشكل جيد”.
محاولة لتعزيز المساواة
يريد الباحثون تعزيز إمكانية وصول الإبهام الآلي في وقت مبكر من عملية التصميم، ويؤكدون في اختبارهم أهمية تطوير الأدوات التي تكون عملية وسهلة الاستخدام، وبالتالي تعليم المرضى كيفية استخدام هذا الجهاز بسرعة.
وفي التجارب لاحظ الباحثون أنهم شجعوا ليس فقط العدد الهائل من المشاركين القادرين على استخدام الإبهام، ولكن أيضا تنوعهم الديمغرافي الواسع.
وبالمثل، يقول الباحثون إنهم لم يقيسوا أي اختلاف ملحوظ في الأداء العام بين الجنسين أو بين الأشخاص الذين يستخدمون اليد اليسرى أو اليمنى، وذلك على الرغم من أن الإبهام كان يُرتدى دائمًا في اليد اليمنى.
ومن المتوقع أن تساعد هذه النتائج الباحثين على تكييف الإبهام الثالث بشكل أفضل لاستخدامه مع عدد أكبر من الأشخاص.
ويشير الباحثون إلى أن سهولة الاستخدام عبر الاختلافات البيولوجية أمر بالغ الأهمية للمساعدة في منع مجموعة واحدة أو مجموعة فرعية من الاستفادة بشكل غير متناسب من التكنولوجيا واكتساب ميزة غير عادلة. وعلى الرغم من أن هذا القلق قد يبدو سابقًا لأوانه بالنسبة لتكنولوجيا الأطراف البيولوجية التي لا تزال ناشئة نسبيا، فإن الباحثين يهدفون إلى محاولة مراعاة الاعتبارات الأخلاقية والمساواة.
وقالت كلود في بيان صحفي للجامعة: “نظرا لتنوع الأجسام، من المهم أن تكون مرحلة تصميم التكنولوجيا القابلة للارتداء شاملة قدر الإمكان، ومن المهم بنفس القدر أن تكون هذه الأجهزة سهلة الوصول وفعالة لمجموعة واسعة من المستخدمين، وإضافة إلى ذلك يجب أن يكون من السهل على الأشخاص تعلمها واستخدامها بسرعة”.
تمتلئ التقنيات الحديثة بالأمثلة المضادة، حيث لم تُركز هذه التقنيات على هذه الاعتبارات بشكل صحيح، بدءا من عدم المساواة في الواقع الافتراضي والمعزز وحتى أنظمة التعرف التلقائي على الكلام التي تمكّن من التحكم الصوتي في الأجهزة مثل الهواتف الذكية ومكبرات الصوت الذكية وأنظمة التشغيل الآلي للمنزل، والتي تواجه تحيزات عنصرية ضد السمات اللغوية للأشخاص الملونين.
وكذلك الأمر بالنسبة لمعايير سلامة السيارات التي لا تأخذ في الاعتبار بشكل متساوٍ سلامة النساء والرجال في اختبارات حوادث التصادم التي تستخدم دمى تمثل البشر لتقييم مدى أمان السيارة للركاب، وتعطي الأولوية للذكور، على الرغم من أن الأبحاث تشير إلى أن النساء “في الواقع أكثر عرضة لخطر الوفاة أو الإصابة عند وقوع حوادث”.
كما ثبت أن الخوارزميات المفوّضة باتخاذ القرار المناسب لديها تحيزات عنصرية سلبية كبيرة ضد الأشخاص من مختلف الهويات الاجتماعية -وخاصة المجموعات ذات الأقليات العرقية- في مجالات مثل الرعاية الصحية والأحكام الجنائية والمركبات ذاتية القيادة والرقابة على الكلام ومحركات البحث وتقنيات التعرف على الوجه.
ومثل هذه التكنولوجيا مليئة بحالات من التحيز والتفاوت والتغاضي في مرحلة التصميم مما يؤدي إلى تأثيرات غير متكافئة محتملة لمجموعات معينة في جميع أنحاء العالم، لذلك يحرص الباحثون على محاولة تجنب تكرار هذه النتائج باستخدام “الإبهام الثالث”.
وقالت قائدة المشروع تامار ماكين في بيان: “تفتح هذه التقنيات المستقبلية فرصا جديدة مثيرة يمكن أن تفيد كثيرا من الناس، ولكنْ من المهم أن نفكر في كيفية مساعدة جميع الأشخاص على قدم المساواة، وخاصة المجتمعات المهمشة التي غالبًا ما يتم استبعادها من البحث والتطوير في مجال الابتكار”.
وأضافت أنه “لضمان حصول الجميع على فرصة المشاركة والاستفادة من هذه التطورات المثيرة، نحتاج إلى دمج وقياس الشمولية بشكل واضح خلال المراحل الأولى الممكنة من عملية البحث والتطوير”.
ومن غير الواضح متى أو كيف يمكن للباحثين إتاحة أجهزتهم للجمهور في الأسواق، أو كم سيكلف ذلك، لكنهم يأملون أن يمهد ذلك الطريق لإنشاء معيار للأجهزة الأخرى الشاملة التي تركز على الإنسان.