الاستعمار الأوروبي، أسبابه وغاياته
هل ابتدعت أوروبا الاستعمار؟ لماذا هيمنت على جانب كبير من العالم في القرنين التاسع عشر والعشرين؟ كيف كان ذلك ممكنا بعد الأنوار وإعلان حقوق الإنسان؟ ما الإمبريالية؟ هل كانت الشعوب المستعمرة مغلوبة على أمرها؟ ما هي العلاقة بين الاستعمار والاسترقاق؟ ما هي ضخامة العمل الإجباري؟ من الذي احتج؟ وما الذي فجّر حركة تحرر الشعوب المستعمَرة؟ وغيرها ن الأسئلة التي يجيب عنها بوضوح المؤرخ الفرنسي مارك فيرو مدير البحوث بمعهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية بباريس في كتاب جديد يتوجّه للجمهور العريض عنوانه «الاستعمار مشروحا للجميع». والمعروف أن فيرو درّس في الجزائر ما بين عامي 1948 و1956، واشتغل إلى جانب تاريخ الاستعمار والحرب العالمية الثانية على تاريخ روسيا والاتحاد السوفييتي وكذلك على العلاقة بين السينما والتاريخ، وكان ينشط في قناة أرتي الفرنسية الألمانية حصة «التاريخ الموازي» من 1985 إلى 2001.
ضدّ النظام العالمي
بين القمع البوليسي ورياء القوى العظمى وطغيان قوى التجويع التي تهدد مصير ملايين البشر، وبين القميات الثورية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية التي تحاول أن توجد مبادئ استقلالية سياسية، واكتفاء ذاتي اقتصادي، مع العدل والحرية التي تستجيب لتطلعات البشر جميعا، يسرد عالم الاجتماع والمناضل السياسي السويسري جان زيغلر في كتاب «المتمردون-ضدّ النظام العالمي» ملحمة، غير متداولة في الغرب بالقدر الكافي، حاولت من خلالها شعوب العالم الثالث أن تقاوم ما وسعتها الحيلة دكتاتورية النظام العالمي في النصف الثاني من القرن العشرين، ويتساءل عن مصير تلك الأمنية، أمنية التحرر الكبرى من نير الشركات العملاقة والمؤسسات المالية العالمية، الآن وقد طغت الليبرالية الجديدة على العالم، وسادت فيه سياسة السوّق التي تسحق بلا رحمة، ويتوقف عند الدروس التي يمكن أن يستخلصها الغرب نفسه من هذا الوضع، لأجل حرية أبنائه.
كرة القدم والحرب
في «ضربة الجزاء الأخيرة»، ينطلق الكاتب والصحافي الإيطالي جيجي ريفا (ليس لاعب المنتخب الإيطالي الشهير) من ضربة جزاء أهدرها لاعب يوغسلافيا البوسني فاروق حاجيبيجيتش ضدّ الأرجنيتن في مونديال 1990، في وقت كانت فيه القوميتان الكرواتية والصربية تستعملان كرة الدم لغايات حربية، حيث كانت المباريات التي تجمع بين فرق يوغسلافيا تنتهي بصدامات عنيفة، تحركها ميليشيات سوف تحمل السلاح فيما بعد للقيام بتصفيات عرقية شاملة، ويتساءل هل كان يمكن تفادي الحرب الأهلية بين الصرب والكروات والبوسنة والهرسك لو سجل اللاعب ضربته تلك وسمح بترشح فريقه، والحفاظ على الوحدة الفيدرالية لبلد حرص الماريشال تيتو على ضمانها رغم الهزّات. من هذه الحادثة الرياضية البسيطة، يحلل الكاتب علاقة الكرة بالعنف، وتحول المدارج إلى ميدان معركة، دمرت تلك الدولة العتيدة وفرقت شعوبها على أساس قومي، ويحذر مما تشهده ملاعب أوروبا من أعمال عنف، قد تشكل بدورها بذور فرقة وشقاق في أكثر من بلد.
العنف والتشعب في الاقتصاد الشامل
هذا عنوان فرعي لكتاب «إقصاءات» لعالمة الاجتماع والاقتصاد الهولندية الأمركية ساسكيا ساسين، المتخصصة في العولمة وعلم اجتماع مدن العالم الكبرى. الإقصاءات، أو الطرد بصيغة الجمع، هي ما عاشته على سبيل المثال ملايين من الأمريكان بعد تحويل قروض الملكية إلى منتجات مالية بالغة الخطورة، وملايين الأوروبيين وأمريكيّي الجنوب المطرودين من العمل تلبية لمخططات التقشف التي تفرضها المؤسسات العالمية، وملايين الفلاحين ومربّي الماشية المطرودين ما أراضيهم لأن الدولة باعتها لأغراض أخرى غير توفير الغذاء للطبقات الفقيرة والمتوسطة… وتبين الكاتبة أن التنوع الظاهر في مجمل القضايا الهامة (الشمال ضدّ الجنوب، الأغنياء ضد الفقراء، سوء استعمال التكنولوجيا، الأمراض المتولدة عن استناد الاقتصاد إلى المضاربات المالية…) تصبّ في الواقع نح ملتقى رهيب، تسميه عنف رأس المال الذي بات عاديا في مرحلته الشاملة، وتفسّره بأنموذج، أو مفهوم هو الطرد أو الإقصاء. وهو ما ينبغي أن نسمي به المنطق الذي يسود الاقتصاد المعولم.
تدمر بين الأسطورة والحقيقة
«بالمير» هو عنوان كتاب وضعه موريس سارتر الأستاذ المحاضر في التاريخ القديم بجامعة تور، وزوجته أنّي فوريات سارتر الأستاذة المحاضرة في المادة نفسها بجامعة أرتوا، لتصويب أخطاء كثيرة وقع فيها بعض الكتاب، بعد أن تصدرت تدمر الصفحات الأولى عقب احتلال داعش لها وتدمير جانبا من آثارها، وخاصة بول فين من جامعة إيكس أنْ بروفانس، رغم كونه مرجعا في هذا الميدان. ذلك أن تدمر، حسب المؤرخَيْن، ليست دولة فاصلة بين روما وبلاد فارس، وأن زينوبيا لم تكن ملكتها. فهي وإن كانت مدينة تجار قوافل، مفتوحة لمؤثرات الشرق والغرب، ظلت تحمل سمات سوريا اليونانية الرومانية، بشوارعها وأعمدتها، ومسرحها، وحماماتها، وبيوتها ذات البهو المعمّد. ولتبديد ما علق خطأ بالأذهان، يتوقف الكاتبان عند مصدر ثرائها وحقيقة سكانها وآلهتها، وحقيقة زينوبيا وأوديناتوس (أذينة)، والأسباب التي جعلت تدمر محط اهتمام وحقد، وأهميتها في عين السوريين قديما وحديثا.
علاج تطرّف المراهقين
العلاقة بين العنف والمراهقة هو موضوع كتاب جديد للفرنسي فيليب غوتّون عالم النفس والتحليل النفسي وواحد من كبار المتخصصين في المراهقة. في «المراهقة والجهادية» يبين غوتّون أن الراديكالية لدى المراهق ينبغي فهمها كعُرضة مرضية، تماما كالانتحار، والإدمان على المخدرات أو الذُّهان، ينبغي أخذها بعين الاعتبار تربويا وعلاجا نفسيا. الكتاب يقترح حلولا لتعطيل الوقوع في الراديكالية. منها ألا نخوض جدالا في الإيديولوجيات، سياسية أو دينية، لأن من المستحيل إقناع من وقعت تعبئته وتجنيده لغاية ما. والرهان في نظر الكاتب ليس إقناعه أو ثنيه عن تطرفه، بقدر ما هو ربط خيوط وصل، للتوصل إلى بناء نفسي يشترك فيه المعني بالأمر ومن يتعهد بعلاجه. لأن كل إفراط في استعمال سلطة الكهل تضاعف من الأزمة الهووية وتجعل مستحيلا إقامة علاقة سليمة مع المراهق. فالغاية هي أن يتمكن المراهق من إعادة اكتشاف اشتغال جهازه النفسي ويستعيد مساره الخاص.
الراديكالية العنيفة
في عددها الخاص عن الراديكالية العنيفة، أوردت مجلة «كراسات الأمن والعدل» التي يصدرها المعهد الوطني للدراسات العليا في الأمن والعدل بفرنسا، مساهمات تناولت مسألة العنف التي تواجه عدة بلدان في العالم، والتي يبررها أصحابها باسم قيم يزعمون أنها أهم من حياة البشر. فباسم الدين، والوكن، والعرق، والكرة الأرضية…، لا تتورع مجموعات مسلحة على قتل من تشاركهم الوطن أو الديانة، علاوة على الأجانب، فالغاية عندها هي تحطيم عدو، دون محاكمة، بصفه خائنا أو خصما ضاريا للقضية. فالمصالح التي تعلو على حياة البشر وتجعلها رخيصة قديمة قدم الوجود الإنساني، ولكن ما يصدم منها الآن هي أنها تجري في عصر الحضارة الشاملة، وأن المجتمعات «المتطورة» خالت أنها تجاوزت ذلك التاريخ القائم على العنف، وممارسته بأكثر من دافع. والحقيقة كما تبين مجمل الدراسات أن عصرنا لا يختلف كثيرا عن سابقيه، وأن اليقظة ضرورية لإطفاء الحرائق قبل نشوبها.
موت اليسار الفرنسي الوشيك
إلى غدٍ، غرامشي» عنوان كتاب لغاييل بروستييه، أحد الوجوه الصاعدة في الدراسات السياسية، يطرح فيه، بعد كتابه السابق عن أحداث مايو 68، أسئلة جارحة عن أزمة اليسار في فرنسا في مطلع هذا القرن، هذه النخبة التي تعطلت فيها صياغة الأفكار، وفقدت صلتها بقواعدها، ومقومات الفكر اليساري، وباتت تتلقى الهزائم في كل انتخاب. ويستحضر حياة الفيلسوف الإيطالي أنطونيو غرامشي ودروسه، وخاصة تلك التي تضع النصر الإيديولوجي ممهدا لأي انتصار انتخابي، أو أخلاقي وحتى عقائدي، ليحلل أسباب تراجع اليسار وفشله في الحكم، واحتمال موته، وربما انبعاثه من جديد. من خلال الخماسية الرئاسية لفرنسوا هولاند إلى تأثير البابا فرنسوا، مرورا بالأزمة النيوليبرالية والذعر الهووي وأحداث 7 يناير و13 نوفمبر، يسلط الكاتب نقدا حادا ليسار يبحث في يأس عن شعبه.
وشاح في وداع بونفوا
«الوشاح الأحمر» هو آخر كتاب ينشره الشاعر الفرنسي الكبير إيف بونفوا، الذي رحل منذ أيام. هذا الكتاب يحوي نحو مائة بيت شعري كتبها دفعة واحدة عام 1964، وظل يعود إليها على مر الأعوام كما يعود المرء إلى لغز محيّر يريد أن يستكشف ما وراءه. من ذلك مثلا أن «الوشاح الأحمر» يعرض، دون تحديد دقيق، فكرة سردية، ولكن لماذا تصطدم تلك الفكرة بحدث، كل ما بَعده لا يكون مقبولا ولا معقولا؟ حتى جاء يوم اكتشف فيه الشاعر المفتاح الذي سمح له بأن يفهم ما يستوجب الانتباه، ويتأبى عليه في تلك الصفحات. بعبارة أخرى، ما هي الانفعالات والمخاوف والقلق والحيرة والندم التي سادت، في العمق، سنوات طفولته ومراهقته وشبابه. أبيات أقرب إلى سيرة ذاتية أملاها الوعي الباطن، ليرى فيها الآن في كبره، كيف ينظر ابن إلى أبويه وحرمانهما وصمتهما، وكيف تقرر من خلالها انجذابه إلى الشعر، ذلك القول الذي يطمح أن يكون إصلاحا للسوء الذي يُلحقه الكلام بالحياة.
انتصار الرأسمالية المطلقة
بعد «الفكر المزدوج»، صدر أخيرا للفيلسوف الفرنسي جان كلود ميشيا كتاب «ألغاز اليسار: من مُثل الأنوار إلى انتصار الرأسمالية المطلقة»، وهو كتاب يكمّل ويبلور عملا سابقا عنوانه «عقدة أورفيوس»، والغاية هي تفكيك الإيديولوجيا المهيمنة حاليا، والتأكيد على أن الانحراف المجتمعي لليسار الحالي، الذي تخلى عن المسألة الاجتماعية والشعب، يجد جذوره في العلاقة التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر بين اليسار والاشتراكية، ولم يكونا وقتها مترادفين، بالعكس. فاليسار التاريخي، ممثلا في الليبرالية الفلسفية للأنوار، أدى إلى الليبرالية المتفصية من القواعد والقيود، أي رأسمالية القرن الحادي والعشرين، التي تعارض الصراع الاجتماعي والشعبي، وهو صراع وقع التعتيم عليه باسم النمو والتقدم. حتى أن الناس صاروا يتندرون في وصف الليبرالي «المنسجم» حسب طروحات اليسار الحالي بكونه: «ذلك الذي يملك قلبا على اليسار وحافظة نقود على اليمين.»
المسلم فوق العادي
بعد «الإنسان فوق العادي» الذي ابتكره نيتشه، يقترح فتحي بن سلامة في كتاب «رغبة جامحة في التضحية» مصطلح «المسلم فوق العادي»، ضمن تحليله لشتى أشكال التطرف باسم الإسلام، هذا المصطلح ينطبق على من استجاب لحتمية لاواعية ذات آثار رهيبة، ظهرت وانتشرت خلال القرن العشرين، وهي أن يصبح مسلما فوق العادي. من الأصولية التي يفترض أنها سلمية إلى الجهادية، هذه الحتمية ربطت وفاء المسلم وكرامته بسلوكيات تقتضي منه أن يقوّي إيمانه درجات، عن طريق إيذاء أخلاقي تجاه ذاته، وقسوة تجاه الآخر. وإذا كان من المعاني السامية لعبارة «مسلم» التواضع والخشوع، فإنها هنا تفرض أن يُظهر المرء عظمته ككائن لا يُقهر بوصفه مسلما. وهذا تجلى من خلال زبيبة على الجبين، الصلاة على قارعة الطريق، تميز في الجسد والهيئة، كعلامات تشهد بالقرب من الله. هؤلاء المسلمون فوق العاديين صاروا ينطقون باسم الله وينفثون كرههم على كل من ليس له إيمان صلب كإيمانهم. وعبارة «الله أكبر» التي يفترض في قائلها التواضع أمام عظمة الخالق تحولت في أفواه تلك الفئة إلى صيحة قتل وذبح، أي أنها في النهاية صارت ازدراء بالحياة وتمجيدًا للموت.
في قلب داعش
كمال رضواني صحافي ميداني ومنتج أفلام وثائقية ومخرج، استطاع أن يتسلل خلال الأعوام الأخيرة داخل الجماعات الإسلامية، والتقى بأفراد كانوا أعضاء فيها أو غادروها، وقد قدّم شهادة مرعبة عن تنظيم داعش، الذي قضى داخله أربع سنوات، ليساعد القارئ على فهم الأسس الإيديولوجية التي يقوم عليها هذا التنظيم الإرهابي ، والطرق التي يستعملها في الحشد والتعبئة والتغرير بشبان من كلّ الأصقاع، والهيكلة الإدارية التي وضعها لتسيير البقاع التي بسط نفوذه عليها، وما هي القدرات التي يمتلكها، والأهداف التي يرمي إليها من خلال الدفع بشبان العرب المهاجرين إلى أعمال عنف. هذه التجربة، دونها رضواني في كتاب بعنوان «إنسايد داعش- عشر سنوات من البحث الميداني في قلب داعش» صدر أخيرا عن منشورات أرتو بباريس.
الجديد, كمال البستاني