هل سمعت يومًا عن ظاهرة “الباريدوليا“، وما هي أسبابها، وكيف تحدث؟ هل تُعد من الظواهر التي تحتاج إلى علاج أم يُمكن للإنسان التعايش معها؟ إليك كل ما تود معرفته عن تلك الظاهرة التي اختلف العلماء في تفسيرها، مع أشهر الأمثلة عليها.
و”الباريدوليا” هي ميلُ العقل البشري إلى إدراكِ نمطٍ مألوفٍ لِشيءٍ ما، حيث لا وجودَ في واقع الأمر لِمثلِ هذا الشيء، من ذلك: رؤيةُ وجوهٍ أو حيواناتٍ أو أشياءَ في تشكيلاتِ السحاب العشوائية، ورؤيةُ وجهٍ إنساني في القمر، وسماعُ رسائلَ خفيةٍ في الموسيقى التي تُدار بسرعةٍ أكبرَ أو أصغر من المعتاد، أو التي تُدار عكسيًّا، ومن ذلك رؤيةُ وجوهٍ أو أشكالٍ مألوفة في الصخور وأجراف الجبال، من جَرَّاءِ التآكل وعملِ الرياح وعوامل التعرية.
كانت الباريدوليا يومًا ما تُظَن عَرَضًا من أعراض الذهان، غير أنه قد تبيَّنَ اليومَ أنها نزوعٌ بشري سَوِي، وفي كتابِه «عالمٌ تسكنُه الشياطين» يفسر كارل ساجان هذا الميلَ المفرِط لِإدراك الوجوه بأنه قد نَجَمَ عن حاجةٍ تطورية لتمييز الوجوه بسرعة.
Table of Contents
الباريدوليا وجنون العظمة
ترتبط ظاهرة الباريدوليا لدى البعض بمرض الفصام البارانوي أو جنون العظمة؛ حيث يتخيل الشخص أن هُناك مخاطر وهمية تُحدّق به وتظهر له بقلب الجماد في صور الأشباح والشياطين أو الأعداء من البشر وكائنات الفضاء وغيرها “نظرية المؤامرة”. وبعض المُتدينين وفي ظل تقديسهم الشديد لدياناتهم ورموزها يسعون لإسقاط خيالاتهم العقلية والبصرية على بعض أشكال الجماد.
الباريدوليا.. الأصل اللغوي
وكلمة “باريدوليا”، مؤلفة من قسمين، وهي مشتقة من الكلمة اليونانية، بارا وتعني “فوق”، وإيديلون وتعني الشكل أو الهيئة، أي الرؤية “فوق الواقع”. ولقد ارتبطت العديد من الأشكال الواقعية في خيال البعض على إنها حقيقة لا تتغير، ومن الأمثلة على ارتباط بعض الأشكال في مخيلة البعض بهيئة محددة ما يأتي:
ارتباطات بعض الأشكال بالصور الدينية، مثل كفن تورينو، وهو قطعة من القماش تحمل صورة لرجل يعتقد البعض أنها صورة المسيح، كما يوجد جذع شجرة في راثكايلي، ويعتقد البعض أنّه يشبه هيئة مريم العذراء.
ارتبطت بعض الأشكال بوجود حضارات قديمة، كما هو الحال مع صورة التقطت لبعثة متجهة للمريخ، حيث يظن البعض أنّ الصورة تحمل هيئة وجه، كما يعتقدون أنها بقايا لحضارة قديمة. يعتقد الكثير أنّ بعض الأغاني تحمل الكثير من الحقائق، كما هو الحال في أغنية حقول الفراولة للأبد، والتي يُعتقد أنها تحمل دليل وفاة مغنيها بول ماركتني، حيث يسمعون فيها تكرار كلمة بول ميت، وهذا الاعتقاد موجود حتى اليوم.
في سنغافورة، يعتقد الكثير أن الزوائد الخشبية أو الكالس على جذع أحد الأشجار هو تمثال للقرد، وقد اتخذه البعض منهم كآلهة.
يظن البعض أنّ أحد كعكات القرفة في أحد المقاهي تحمل صورة الأم تيريزا.
تشخيص الإصابة بالباريدوليا
هناك عدة اختبارات نفسية مُعتـرف بها طبيًا على المستوى العالمي لتشخيص ظاهرة الباريدوليا المرضية أهمها:
اختبار الصور
وهو اختبار نشرته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية الشهيرة لتشخيص ظاهرة الباريدوليا من خلال مجموعة من الصور المُختلِفة لأشكال الجماد، فإن رأى الشخص صورًا لأشياء أخرى مُختلفة داخل الصور الحقيقة فهذا دليل على إصابته بالباريدوليا.
اختبار بقع الحبر
أو ما يُعرف باختبار رورشاخ، ويتم خلاله تعريض المريض المُحتمَل لرؤية بقع من الحبر ذات أشكال عشوائية مُختلفة لا مغزى لها على الورق، فإن رأى المريض خلالها أشكالًا واضحة ومُميّزة فهذا دليل على إصابته بالباريدوليا.
* إحدى المرضى: أجد به استمتاعًا
“م.م” إحدى الشابات العشرينية تقول “أرى في كل شيء حولي أشياءً أخرى، واكتشف أنه لا يراها غيري”، موضحة أنها بالبداية كان الأمر يقتصر على بعض المرات القليلة، ولكنها الآن تجد الظاهرة تتكرر معها بل وأحيانًا تجد استمتاعًا برؤية بعض الأشياء من وجود أشياء أخرى مما يجعلها كثيرًا ما تسرح بالنظر إلى كل ما حولها.
الباريدوليا أخطر مع الفصام
وهذا ما يوضح خطورته الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي، قائلا إن الشخص المريض بالباريدوليا يتطور معه الأمر من مجرد خيالات إلى معايشة مع الكائنات التي تظهر له بل ومحادثاتها أحيانًا، ويتابع أن مجرد هذا الاندماج مع هذه الكائنات الوهمية، حيث يمثل خطورة كبيرة على الشخص المصاب بهذا المرض ضاربًا المثل بشخص يقود سيارته وأثناء القيادة يسرح بخياله مع أحد الأشكال التي تظهر له كائنة بالسحاب مثلًا مما يتسبب في انصرافه عن الواقع وبالتالي قد ينتج عنه حادث يؤدي إلى إصابته أو وفاته.
وأكد فرويز أن الباريدوليا يزداد لدى الشخص مع الحالة النفسية له، ويعد أحد أول الأسباب التي تؤدي إلى حدوث المرض هو القلق والهروب من الواقع، وتزداد لدى الشخص سوءًا بتطور هذا القلق من اكتئاب إلى الفصام والذي يعد البارديوليا به لدى الشخص مرضًا متمكنًا يحتاج إلى تدخل علاجي سريع.
* مريض: أرى أشباحًا في النيران
ضحية أخرى لمرض “الباريدلوليا” التقت به” وسائل إعلام مصرية ” هو الطالب “أ. س” بكلية الآداب الذي يصف نفسه أنه عند رؤيته لوالدته تقوم بإعداد الطعام يجد بعض الأشباح التي تخرج من نيران الطهي مما سبب له أزمات نفسية كثيرة، وأصبح وحيدًا بعد أن تخلى عنه أصدقاؤه ظنًا منهم أنه مجنونًا.
أما السيدة ” ع. م” ربة المنزل تصف زوجها الذي يعاني من “الباريدلوليا” قائلة “حياتنا تحولت إلى جحيمًا.. نفتقد الأب والزوج بالمنزل رغم وجوده معنا أغلب الوقت”.
وتشير “ع. م” إلى السبب وراء ذلك موضحة أن زوجها لا يمر عليه أيًا من الصور الحسية بالحياة إلا ويرى منه أشكالًا أخرى لبعض الحيوانات ومن بعد ذلك يربط هذه الرؤية بدلالات معينة تعززها قراءاته الكثيرة في كتابات السحر والشعوذة. مما يجعلها هي وأبناءها يعيشون حياة يغلب عليها الطابع الخرافي والمخيف في نفس الوقت والذي يفتقدون تمامًا معه الشعور بوجود الزوج والأب.
وقد فرق الدكتور حمد هلال الطبيب النفسي بجامعة المنصورة، بين إصابة الشخص بمرض “الباريدلوليا” وبين كونه شخصًا طبيعيًا، مؤكدًا أن النظر إلى أشياء كائنة وتخيل وجود أشياءً أخرى مألوفة كبعض الحيوانات أو النصوص الكتابية وخلافه يعد أمرًا طبيعًيا عند أغلب البشر هدفه التمييز بين الصور المختلفة التي يراها بشكل أكثر لإدراك حقيقتها مما ينتج عنه أحيانًا فهم خاطئ لحظي لبعض المصادر الحسية الموجودة ويختفي بمجرد الالتفات بالنظر إلى شيء أخر ولا يستمر بشكل دائم، لذا فهو لا يمثل خطورة متابعًا أنه يختلف عن الهلاوس حيث أن له أثر كائن بالواقع حتى ولو كان مغايرًا له، وذلك على عكس الهلاوس التي لا وجود لها في الواقع سواء من قريب أو من بعيد.
وأكد هلال أن تكرار تخيل هذه الكائنات والتعايش معها على أنها كائنة بالفعل ولها دلالات يصدق بها يعد مرضًا خطيرًا يعاني منه الشخص ويستوجب معه العلاج واصفًا الحال مع بعض الشعوب الآسيوية التي أعلنت قدسية إحدى الأشجار لمجرد ظهور صورة قرد بشكل واضح على جذعها، وكذلك اعتقاد بعض الأشخاص بوجود كائنات حية على سطح القمر بعد ظهور صورة وقد ظهر به أشكالًا كالحيوانات، وهو ما أثبت عدم صحته.