نمي موهبتكقصة نجاح

البحار تشنغ خه أشهر بحار مسلم في تاريخ الصين

“تشنغ خه”, بحار مسلم صيني اشتهر في كل أنحاء العالم في عصره فخلال 28 عاما من عام 1405 إلى عام 1433م قام بسبع رحلات بحرية إلى المحيط الهندي والمحيط الهادي، على رأس أسطول ضخم، وزار خلال هذه الرحلات أكثر من ثلاثين بلدا ومملكة، وقد وصلت رحلاته إلى منباشا – في كينيا اليوم -.

ولد تشنغ خه عام 1371م في مقاطعة يونان في أسرة مسلمة فقيرة تدعى أسرة “ما” من قومية هوي، اسمه الأصلي هو “ما سان باو” وقد سافر والده وجده إلى مكة لأداء فريضة الحج .

ولما بلغ تشنغ خه الثانية عشر من عمره اختطفه جيش أسرة مينغ الذي انتصر على وحده جيش أسرة يوان المرابطة بيوننان فصار خصيا في حاشية “تشو دي” أمير ولاية “يان”، وكان الخصيان في ذلك الوقت من أدنى الفئات مكانة في المجتمع الصيني، ولكن مع نمو تشنغ خه كشف الأمير “تشو دي” تدريجيا ذكائه وشجاعته وكفاءته . فلم تمضي عدة سنوات حتى صار أحد تابعيه المهمين ، ومنحه اسما جديدا هو “تشنغ خه” .

في عام 1403 أعتلي الأمير “تشو دي” عرش الصين وأصبح الإمبراطور الثالث لأسرة مينغ ولقب بـ تشنغ تشو” وقد قرر الإمبراطور أن يرسل رسله إلي البلاد الواقعة غرب بلاد بروني على سواحل المحيط الهندي منذ عام 1405 وقد وقع اختياره على تشنغ خه ليكون رئيسا لهذه المهمة لكفاءته الكبيرة ولأن أبوه قد زار مكة المكرمة لأداء مناسك الحج وبالتالي كان من أعرف الناس بأوضاع البلدان الممتدة من جنوب بحر الصين إلى الخليج العربي، كما أنهما قد عرفا اللغات والعادات وأحوال الشعوب في تلك البلدان .

وفي عام 1405 قاد تشنغ خه طاقما ضخما يتكون من 27800 رجل منهم الجنود والضباط، ومديروا الدفة والملاحون، والمترجمون، والكتاب، والعلماء في الرياضيات، والأطباء وصانعوا السفن، الطباخون وغيرهم ليركبوا 62 سفينة للبضائع والمجوهرات ، 700 سفينة للخيول، 240 سفينة للمؤن، و 300 سفينة للجنود، و 100 سفينة حربية، ومعهم كمية هائلة من المنسوجات والأدوات الخزفية والحديدية والأقمشة وغير ذلك.

وقد عاد تشنغ خه من رحلته السابعة سنة 1433 وكان يبلغ من العمر وقتها 63 سنة بعد أن زار 17 بلدا على سواحل هرمز . وقد استغرقت رحلاته السبع هذه 28 سنة، وصل خلالها بأسطوله البحري إلى جزيرة جاوه جنوبا والخليج الفارسي (الخليج العربي) والبحر الأحمر ومكة المكرمة شمالا، وجزيرة تايوان شرقا، والسواحل الشرقية لإفريقيا غربا التي تقع جنوب خط الاستواء.

لقد ترك البحار تشنغ خه برحلاته إنطباعا عميقا وتأثيرا بالغا في نفوس أبناء الشعب الصيني والشعوب الآسيوية مستمرا إلى يومنا هذا . ففي تلك المناطق التي وصل إليها كثير من الحكايات عنه وكثير من الآثار التذكارية له، نذكر منها على سبيل المثال صخور سان باو بمحافظة تشانغله من مقاطعة فوجيان في الصين، وزنجبيل سان باو في تايوان،. وفي إندونيسيا مدينتا سان باو ودونغ وسان باو دون بالإضافة إلى مدينة سان باو لونغ، وفي تايلاند ميناء سان باو. فهذه الأسماء كلها جاءت تقديرا لفضل تشنغ خه في تنمية الملاحة البحرية وكذلك تذكار لزيارة البحار تشنغ خه لها.

ولا نبالغ إذا قلنا أن تشنغ خه من أعظم البحارة الذين عرفهم التاريخ، فإذا قارنا بين تشنغ خه وغيره من البحارة الآخرين في التاريخ، وجدنا أن نشاطات تشنغ خه في الملاحة أبكر بنصف قرن من كشف كرستوفر كولومبوس الإيطالي للعالم الجديد وكشف فاسكو دي غاما البرتغالي للطريق البحري الجديد من أوربا وآسيا مرورا برأس الرجاء الصالح ورحلة ماجيلان البرتغالي إلى جزر الفلبينيين عبر المحيط الهادي .

كما أن رحلات تشنغ خه كانت هادفه إلى السعي وراء السلم والتجارة وإقامة العلاقات الدبلوماسية والتبادل الثقافي بين الصين والبلدان الأخرى لا إلى شن الحروب العدوانية، أو ممارسة الهيمنة .

ويكفي لمعرفة مكانة هذا الرجل، أن الصين تفتخر بوجوده في تاريخها باعتبار أنه أكبر البحارة الذين أنجبتهم منذ فجر تاريخها إلى القرن الخامس عشر الميلادي .

في عام 1435م توفي تشنغ خه في نانجينغ وهو في الخامسة والستين من عمره، ودفن تحت السفح الجنوبي لجبل “نيوشو” في الضاحية الجنوبية لمدينة نانجينغ . وقد عرف قبره باسم “قبر ما هوي هوي”.

د. أسامة منصور

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى