يظهر الحظ مباشرة بسبب بعض المواهب الشخصية أو بصورة غير مباشرة بسبب بعض الظروف الملائمة. ومن المفيد أن نلم إلمامة قصيرة، وبشيء من الوضوح، بمظاهر الحظ الرئيسية. وها نحن نقدم بعض الحظوظ المباشرة أو الداخلية:
1 ـ التناسق والجمال الجسماني: إن أولئك الذين حبتهم الطبيعة بناء جسدياً متناسقاً وجهازاً عضوياً متيناًً، وقسمات جميلة يعدّون بين المحظوظين. والدور الكبير الذي يلعبه التأثير الناتج عن وجه جميل لا يغيب عن أحد. وكم من نساء ورجال مدينون بنجاحهم لجمالهم الجسدي الذي يستلفت الأنظار ويثير الإعجاب، إذ يتلقاهم الناس بالترحيب، ويحاول كل مفتون أن يرتبط معهم بعلاقات صداقة أو محبة.
ب ـ القوة الحيوية: إن هذه القوة تظهر بالصبر على العمل، ومقاومة المصاعب. وهي بنظرنا تساوي أكثر من الثروة التي تأتي بواسطتها لأنها تتيح لمن يخفق مرة أن يعاود المحاولة دون أن يتطرق إليه اليأس، فيعمل بعزم وإصرار على ربح ما فقده، ويعيد الكرة كلما أضاع الطريق متسلحاً بالتفاؤل والابتسام والهدوء في ساعات الشدة.
ج ـ الحدة الروحية: وهي تتألف من قوة الحساسية، وشدة التأثر، والتأثير على الناس، وتلعب دوراً أولياً بين الصفات الشخصية. ولكنها إذا كانت مفرطة تغدو قليلة الجدوى إذ يرافقها اضطرابات عديدة كالهياج العصبي، والخجل، وتبديد الانتباه، وإذا كانت غير كافية تجعل الشخص عاطلاً من الفهم المدرك والدقة والتخيل، وفي كلتا الحالتين لا تفيد.
أما أولئك الذين يتحلون بالحدة الحيوية المتزنة الحاذقة فإنهم لن يظلوا على الهامش مهما كان أصلهم ومحيطهم ودرجة تعليمهم، لأن ذكرياتهم تكون واضحة، وقوة الحكم عندهم دقيقة، فيقومون بالأعمال العقلية والفنية خير قيام، ويتمتعون عادة بموهبة الإقناع والصفات الدبلوماسية الضرورية للسيطرة على الغير.
د ـ التفوق العقلي: ليس هناك من يجادل في أهمية الذكاء الخارق، إنه يظهر باكراً في سن الطفولة ويكون إدراك الشخص المتحلي به سريعاً، سهلاً، واضحاً، وتكون مخيلته واسعة.
هـ ـ الحدس: إن الحدس يشكل حاسة سادسة ويساعد على النجاح، ويمكن تفسيره بذلك التنسيق الحاذق للأفكار التي تدرك الحوادث قبل وقوعها فتعد لها العدة وتستقبلها كأنها شيء مألوف غير مفاجئ. ويمكن لإمكانات الحدس أحياناً أن تفيض عن إمكانات الذكاء، فتبلغ درجة العبقرية، كالإلهام الذي يتلقاه الشاعر أو الفنان عندما يخلق طرفة خالدة أو أثراً فنياً عظيماً.
أما الحظ الخارجي فيمكن أن يظهر تحت الأشكال التالية:
أ ـ المحيط: إن المستوى العقلي والأخلاقي للمحيط الذي ينشأ فيه المرء ذو أهمية بالغة. فإذا نما الانسان بين أناس مثقفين، فإنه يتلقى منهم ثقافة مسبقة تفتح أمامه مغاليق المراحل المدرسية والاجتماعية. وإذا كان النظام سائداً في بيته فإنه يتشرب جوه العائلي ويميل حتماً إلى إقرار النظام في حياته.
ب ـ الوسائل المادية: إن ثروة الأهل المادية التي يستفيد منها الولد في مراحل حياته تمثل أحد عناصر الحظ إذا استعملها بشكل يؤمن له شروط التعليم والتربية والتقنية من الشوائب التي تؤثر كثيراً على شخصيته المستقبلة.
ج ـ درجة التعليم: إن الدراسة العالية تفتح أمام الطالب أبواب الأعمال الكبيرة، وتنمي الخصائص العقلية، وتسلح الروح بوسيلة العمل والمعرفة. ونحن لا نشك في أن الوقت والمال اللازمين لدراسة طويلة لا يكفيان وحدهما لتكوين رجل عامل مكافح، بل عليه أن يتلقى المعرفة التي تتيح له تنظيماً عقلياً كافياً لحسن التدبير وتسيير الأعمال.
د ـ العلاقات ورأس المال: إن العلاقات التي يعقدها المرء مع رجال الأعمال، ورأس المال الذي يتجهز به في بدء حياته العملية، تشكل سلسلة أخرى من الحظوظ على أن يحسن استغلالها والإفادة منها لأن التجارب دلتنا على أن الكثيرين من وارثي الأموال والصداقات لم يستطيعوا أن يستخرجوا منها فائدة قيمة.
هـ ـ النجاح العفوي: على أولئك المحرومين من المزايا المذكورة آنفاً ألا يقنطوا من النجاح لأن هنالك ظروفاً وعوامل أخرى ربما كانت أكثر فعالية منها. ونصيحتنا الأولية لهؤلاء (المحرومين) أن يجابهوا ظروفهم كما هي فلا يتحسروا على ولادتهم في عائلة فقيرة أو في محيط وضيع، لأن الإغراق في ندب الحظ والاستمرار في استعراض أوجه النقص يقودان إلى الإخفاق ولا يعودان بأية فائدة.
ويجب على الشخص الفقير بمؤهلات النجاح ألا يستسلم إلى المصير الأليم فيضيع وقته الثمين بمعاتبة القدر الغاشم، وعليه ألا يضيع ثقته بنفسه لأن عدة سنوات من العمل المفيد والسعي الدائب كفيلة بتغيير (الحظوظ).
إننا نثق كل الثقة بنجاح من يعمل بجد وثبات ولا يجعل للتشاؤم سبيلاً إلى قلبه. والثقة بالنفس لا تعني الاعتقاد بامتلاك مواهب غير موجودة بل تعني أن يقبل المرء حالته الحاضرة كما هي ويحاول تحسينها ورفع مستواها. وما من شك في أنه سينجح إذا وضع النجاح نصب عينيه.