الدبلوماسية العلمية هي استخدام التعاون العلمي بين الدول لمعالجة المشاكل المشتركة وبناء الشراكات الدولية. وتنقسم الدبلوماسية العلمية إلى ثلاثة أنواع: (العلم في الدبلوماسية – دبلوماسية العلم – العلم من أجل الدبلوماسية).
Table of Contents
الدبلوماسية العلمية.. مفهوم جديد لنشاط قديم
برز مفهوم الدبلوماسية العلمية حديثا رغم أن مجال تخصصه هو علاقة الدبلوماسية بالعلوم، وهو نشاط قديم، وأصبح للدبلوماسية العلمية اليوم متخصصون وباحثون أكاديميون يتناولون بالدراسة والتحليل تطور هذا المفهوم، كما تقام له ورشات وندوات علمية لإبراز أهمية الموضوع الذي أصبح لدى الكثير من الدول من ركائز الدبلوماسية الخارجية.
يقول الباحث الفرنسي بيار برونو روفيني -وهو باحث في كلية الشؤون الخارجية بجامعة لوهافر نورماندي الفرنسية- إن “مفهوم الدبلوماسية العلمية حديث النشأة، وقد ظهر لأول مرة في عام 2010 عندما أصدرت الأكاديمية البريطانية للعلوم والجمعية الأميركية لتقدم العلوم تقريرا عن الموضوع، ثم بعدها تم إطلاق مجلة العلوم والدبلوماسية في 2012”.
ويضيف الباحث في ورقة بحثية نشرت في مجلة “فلسفة العلوم” يوم 23 مارس/آذار 2019 أن مفهوم الدبلوماسية العلمية يتناول بالتحليل والفلسفة 3 أبعاد تتمثل في فهم دور الدبلوماسية في دعم العلوم ودور العلوم في تعزيز الآليات الدبلوماسية ثم العلوم داخل الدبلوماسية.
استقطاب الأدمغة
ونشاط الدبلوماسية العلمية قديم لأنها مرتبطة بالعلوم، ومن أهم مظاهرها اليوم البرامج العلمية التي تهدف إلى استقطاب الأدمغة والتي يتم الترويج لها بالاعتماد على السفارات وأعضاء السلك الدبلوماسي، وأيضا من خلال إجراء بحوث علمية دولية متعددة الأطراف.
التعاون العلمي والتقني
يقول عضو هيئة التدريس في قسم النبات والميكروبيولوجي بكلية العلوم في جامعة القاهرة الدكتور طارق قابيل في تصريح للجزيرة نت: “تشمل الدبلوماسية العلمية جميع النشاطات التي تستخدم العلم والتكنولوجيا لتحقيق أهداف الدبلوماسية، وتشمل التعاون العلمي والتقني والتبادل الأكاديمي والتدريب والمنح الدراسية والبحث المشترك وغيرها من النشاطات”.
واعتبر قابيل أن الدبلوماسية العلمية تعتبر أداة مهمة لتعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي بين الدول، وهي تساعد على تبادل الخبرات والمعارف والتقنيات بين الدول والمؤسسات البحثية، وأكد أنه من المهم أن تكون الدبلوماسية العلمية قوية وفعالة في الوطن العربي، حيث يمكن أن تساهم في تطوير القدرات التقنية والعلمية في المنطقة.
الدبلوماسية العلمية .. الجمع بين العلم والعماء والساسة
من جانبه، يرى مدير البحث والتطوير في شركة لصناعة المواد الكيمياوية في الولايات المتحدة الدكتور السوري علاء الدين السبيعي أن “الدبلوماسية العلمية مجال يجمع بين العلم والعلماء بالسياسيين والدبلوماسيين من أجل تحقيق أهداف وغايات منشودة للجميع، ومن أبرز صورها التعاون العلمي الحاصل بين الدول في حل مشكلات بيئية أو صحية كما حصل في فترة جائحة كورونا”.
العمل الدبلوماسي في خدمة التعاون العلمي
من جهته، قال الأمين العام لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية الدكتور التونسي عبد المجيد بن عمارة “اليوم لا يمكن لأي دولة إجراء بحوث علمية بمعزل عما هو حاصل في باقي دول العالم، ولذلك فإن العمل الدبلوماسي الذي يهدف إلى خدمة التعاون العلمي هو إحدى ركائز البحث العلمي اليوم”.
أما الباحث الجزائري عبد القادر نصر الدين بلقاسم -وهو أستاذ مشارك وباحث في مجال واجهة الدماغ الحاسوبية بجامعة الإمارات- فيقول “لا يتوقف مفهوم الدبلوماسية العلمية عند حدود مواجهة الأوبئة العالمية للحد من انتشارها، أو التعاون في مجال صناعة الأدوية واللقاحات لحماية الصحة العامة، بل تشمل نقل المعرفة والتكنولوجيا الحديثة وتقاسم الموارد البشرية والمالية لحل المعضلات العلمية المعقدة من أجل تطوير البحث العلمي”.
واقع الدبلوماسية العلمية في العالم العربي
الحديث عن الدبلوماسية العلمية في المنطقة العربية قد يختلف من دولة إلى أخرى، ويبدو أن تفعيلها وتطورها بات مرتبطا بما تنفقه هذه الدول من أموال على البحث العلمي، فهناك عمل في هذا المجال يقام خاصة في دول الخليج التي تسعى منذ فترة طويلة إلى استقطاب الطلبة والباحثين العلميين، أو في ما يتعلق بأنشطة الجامعة العربية وبرامجها العلمية أو حتى بعض المشاريع العلمية المشتركة بين الدول.
ويرى الأمين العام لاتحاد مجالس البحث العلمي العربية عبد المجيد بن عمارة أن واقع الدبلوماسية العلمية متفاوت بين الدول العربية، حيث تملك دول الخليج مثلا -وعلى رأسها قطر والسعودية والإمارات- إستراتيجيات واضحة للنهوض بالبحث العلمي والتعليم العالي والحرص على تصنيف جامعاتها عالميا.
من جهته، يعتقد الباحث علاء الدين السبيعي أن ضعف الدبلوماسية العلمية في العالم العربي مرتبط أساسا بضعف قطاع البحث العلمي، وقال “أعتقد أن العالم العربي متأخر في هذا المجال، لأن الدراسات العلمية فيه محدودة جدا، فنحن نعتمد كثيرا على ما ينتجه الغرب”.
واستفاض الدكتور طارق قابيل في تشريح واقع الدبلوماسية العلمية، وتحدث عن العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها، مثل نقص التمويل المادي وعدم وجود إستراتيجيات بحث علمي واضحة، مما يؤثر على جودة الأبحاث وتقدمها، وضعف التنسيق بين الدول والمؤسسات العلمية، وهذا يؤثر سلبا على قدرتها في تحقيق التعاون العلمي والتكنولوجي، وأخيرا قلة الاهتمام بالدبلوماسية العلمية وتطويرها.
ضرورة تفعيل دور السفارات ومؤسسات البحث العلمي
ومن أجل تفعيل دور الدبلوماسية العلمية في تنشيط الحياة العلمية في الوطن العربي يقترح الدكتور عبد المجيد بن عمارة تفعيل دور السفارات العربية في الدول الغربية من أجل دعم الدبلوماسية العلمية، وذلك من خلال إنشاء ملاحق علمية في السفارات بالدول التي لها باع في البحث العلمي.
وقال الدكتور عبد المجيد “نجد في السفارات العربية في الدول الغربية ملاحق ثقافية واقتصادية وغيرها، وفي الأغلب تُسند إدارة الشؤون العلمية إلى الملحق الثقافي، لكن الأفضل أن يتم إنشاء ملاحق علمية، لقد أصبح للدبلوماسية العلمية ملف مهم، وقد حان الأوان ليكون للدول العربية بسفاراتها ملاحق علمية في الدول التي لها نشاط علمي كبير، كأميركا وإنجلترا والصين واليابان وغيرها”.
من جهته، يقول الدكتور طارق قابيل “لقد بات من الضروري على الدول العربية اليوم العمل على تطوير الدبلوماسية العلمية وتحسينها من خلال زيادة التمويل وتعزيز التنسيق بين مختلف مؤسسات البحث العلمي وتطوير إستراتيجيات واضحة، لتنمية البحث العلمي والتكنولوجي وأيضا زيادة الاهتمام بهذا الملف، ويمكن أن تساعد الورشة التي ستقام في مكتبة الإسكندرية على تحقيق هذه الأهداف من خلال تبادل الخبرات والمعارف وتعزيز التعاون العلمي بين الدول العربية”.
من جهته، يؤكد الدكتور عبد القادر نصر الدين بلقاسم على ضرورة تفعيل الدبلوماسية العلمية من خلال تنشيط دور السفارات ومختلف المؤسسات العلمية، وقال “هناك علماء ومفكرون يدعون إلى فتح البيانات العلمية القيمة، لتسهيل الحصول عليها من أجل رفع جودة البحوث العلمية وتسريعها، وذلك يستدعي إزالة القيود السياسية والقانونية وبعض العراقيل الإدارية، وهذا لا يتم إلا بالتنسيق بين الدبلوماسيات والقنصليات وبين المؤسسات العلمية مثل الجامعات ووزارات التعليم أو الاقتصاد وغيرها”.
وتحدث بلقاسم عن تجربة اليابان التي سبق له الدراسة والعمل فيها باحثا، وقال “اليابان منذ 2015 بدأت التركيز على ما تعرف بالدبلوماسية العلمية والتكنولوجية وأنشأت لذلك هيئة وطنية، وأيضا لديها مجلس وطني مكون من 20 خبيرا يمثلون مختلف الجامعات اليابانية يعنى بشؤون الدبلوماسية العلمية، وهدفه هو ترقية التعاون العلمي والشراكات مع دول العالم، بما فيها الدول العربية”.
وأضاف أن “اليابان تعمل على استقطاب الكفاءات اليافعة من الدول الأفريقية والعربية ومنحها جوا ملائما للتحصيل العلمي والإبداع، وما تقوم به السفارات اليابانية في الدول العربية أو الوكالة اليابانية للتعاون الدولي أحسن مثال، لكن التعاون بين اليابان والدول العربية في المجال العلمي لا زال للأسف محتشما نظرا لعامل اللغة واختلاف الثقافة وحتى البعد الجغرافي”.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية