كان الطيران هو حلم الانسان من قديم الزمان، وفي عام 400 ق.م، صنع عالم يوناني يدعى “أرشيتاس” حمامة خشبية تتحرك في الهواء ولم يعرف للآن كيف استطاع “أرشيتاس” أن يجعل هذه الحمامة تطير، ويُعتقد أنه قام بربط هذا الطائر بذراع دوار، واستخدم بخارًا أو غازًا لتحريكه في اتجاه دوراني، وفيما بين 400 ق.م ـ 300ق.م، اكتشف الصينيون طريقة تصنيع الطائرة الورقية، وهي شكل من أشكال الطائرات الشراعية وبعد فترة استخدمت الطائرات الورقية لحمل أشخاص في الهواء.
وفي عام 880 م، قام عباس ابن فرناس (العربي الأندلسي المتوفى عام 887 م) بمحاولة للطيران بعد أن صنع لنفسه جناحين من الريش، ولكنه فشل في محاولته وسجل راهب إنجليزي يدعى روجر بيكون، عام 1290م، أن الهواء ـ مثله مثل الماء ـ يحتوي على جسيمات صلبة واستنتج بيكون، أنه إذا أمكن بناء النوع الصحيح من المركبات، فسوف يرفعها الهواء كما يرفع الماء السفن.
وفي نحو عام 1500 م، رسم الفنان والمبتكر الإيطالي ليوناردو دافينشي جهاز “الأورنيثوبتر”، وهي طائرة ذات جناحين خفاقين كأجنحة الطيور.
وفي عام 1680م، أثبت العالم الرياضي الإيطالي جيوفاني بوريللي، استحالة أن يطير الإنسان عن طريق رفرفة الأجنحة، فقد أثبت بوريللي أن عضلات جسم الإنسان أضعف من أن تتمكن من تحريك الأسطح الكبيرة المطلوبة لرفع وزنه في الهواء.
وفي عام 1783 م، استطاع فرنسيان، أحدهما طبيب يدعى جان ف.بيلاتر دي روزييه، والثاني يدعى الماركيز دي أرلاند، تنفيذ أول “طيران” للإنسان داخل آلة مخترعة فقد تمكنا من الطيران لمسافة تزيد على 8 كم فوق مدينة باريس في بالون كتاني كبير، وقام بتصنيع هذا البالون فرنسيان يعملان في مهنة تصنيع الورق هما الأخوان جاك وجوزيف منتجولفير، وتم ملء المنطاد بالهواء الساخن الناتج عن حرق بعض الخشب والقش، وهو ما رفعهما في الجو.
وقام الأخوان “منتجولفير” بتصنيع مناطيد ناجحة أخرى، وأصبح طيران هذه البالونات حافزًا لمبتكرين آخرين، فبدأوا في استخدام غاز “الهيدروجين” ـ وهو غاز أخف من الهواء ـ لرفع هذه المناطيد في الهواء وكان التحكم في البالونات وتوجيهها صعبًا للغاية، لكن المبتكرين استمروا في إجراء تجاربهم عليها حتى استطاعوا في منتصف القرن التاسع عشر ابتكار المنطاد (السفينة الهوائية) وقد زُوِدّ المنطاد بمحركات ومراوح، فأصبح أسهل قيادة من البالون، الذي كان من غير الممكن التحكم في خط سيره.
وحوَّل بعض المبتكرين انتباههم نحو الطائرات الشراعية، التي هي أثقل من الهواء، ففي عام 1804م، قام السير جورج كايلي ـ وهو مبتكر بريطاني ـ ببناء أول طائرة شراعية ناجحة ولم تكن سوى طائرة صغيرة تطير دون ركاب، وقام كايلي بعد ذلك ببناء طائرة شراعية ناجحة بحجم كامل، وقد حملت إحدى هذه الطائرات سائق عربته مرغمًا عبر واد صغير.
وفيما بين عامي 1891و 1896م، استطاع أوتّو ليلينتال الألماني إجراء أول طيران شراعي ناجح يحمل راكبًا يتولى بالفعل قيادة الطائرة وقبل نهاية القرن التاسع عشر قام مبتكرون آخرون، من بينهم بيرسي بيلتشر البريطاني، و أوكتيف تشانيوت الأمريكي، بطلعات مماثلة وقد بنيت بعض هذه الطائرات الشراعية الأولى بصورة جيدة، حتى إنها حملت طياريها مئات الأمتار في الهواء لكن قيادة الطائرات الشراعية كان في معظم الأحوال أمرًا عسيرًا، بالإضافة إلى أنها لم تكن مصممة لحمل الركاب أو البضائع، فلم تكن لذلك وسيلة عملية من وسائل النقل.
وضع وليم س هنسون، المبتكر البريطاني، تصميمًا لأول طائرة مزودة بمحرك ومراوح أمامية وأجنحة ثابتة عام 1843م لكنه أوقف مشروعه، بعد فشل أول نموذج قام ببنائه. وقام صديقه جون سترنجفيللو عام 1848م، ببناء نموذج مصغر لطائرة مستخدمًا نفس تصميم هنسون، وتم إطلاق هذا النموذج بالفعل بنجاح لكنه لم يبقَ في الجو إلا فترة قصيرة.
وفي عام 1890م، حاول المهندس الفرنسي كلمنت آدر الإقلاع بطائرة تُدفع آليًا بمحرك بخاري صنعه بنفسه، ولكنه لم يستطع السيطرة عليها، ومن ثَم لم تحلق في الهواء. وفي نفس الفترة تقريبًا قام السير هيرام ماكسيم الأمريكي ـ الذي أصبح فيما بعد مواطنًا بريطانيًا ـ بصنع طائرة ضخمة تدفع بمحرك بخاري، وكانت الطائرة مزودة بجناحين ومحركين ومروحتين أماميتين واختبر ماكسيم طائرته عام 1894م، حيث ارتفعت لمدة قصيرة عن سطح الأرض، ولكنها لم تتمكن فعليًا من الطيران.
وقام مواطن أسترالي، وآخر من نيوزيلندا، بالعمل منفردين وبمعزل عما يحدث في باقي أرجاء العالم، وهما يعتبران رائدين في إجراء التجارب على الطائرات الأثقل من الهواء فالأسترالي، لورنس هارجريف قد صنَّع أسطحًا ذات أشكال انسيابية لاستخدامها في تصنيع الأجنحة التي تولد قوة الرفع. كذلك صمم مراوح أمامية ومحركات طائرات تستند إلى نظرية المحركات الدوارة.
وفي عام 1894م، وأثناء هبوب رياح بالقرب من شاطئ البحر جنوبيّ سيدني، تمكن هارجريف من رفع نفسه مسافة 5م فوق سطح الأرض، مستخدمًا طائرة ورقية ذات صندوق ثلاثي وعمت أفكار هارجريف، واستخدمها الكثيرون في الطائرات الأولى، فعلى سبيل المثال، كانت الطائرة الأوروبية تشبه كثيرًا الطائرة الورقية الصندوقية.
وخلال التسعينيات من القرن التاسع عشر، قام العالم الأمريكي، صمويل ب.لانجلي، ببناء نموذج طائرة ذات دفع آلي بخاري أطلق لانجلي على طائرته اسم “إيرودروم”. وفي عام 1896م، طارت هذه الطائرة مسافة 800م في زمن قدره دقيقة ونصف وبنى لانجلي بعد ذلك طائرة ذات حجم كامل مستخدمًا محركات احتراق داخلي، وحاول أحد الطيارين الإقلاع بهذه الطائرة مرتين في 7 أكتوبر و 8 ديسمبر عام 1903م وفي الحالتين، تم إطلاق الطائرة من فوق عوامة ترسو على نهر البوتوماك، ولكن الطائرة ارتطمت وغرقت في الماء كل مرة.
ولأول مرة في التاريخ، وفي 17 ديسمبر عام 1903م، تمكن الأخوان الأمريكيان أورفيل وويلبر رايت، اللذان كانا يعملان في صناعة الدراجات من تصنيع أول طائرة يعرفها البشر فكانت أعجوبة زمانها
وقاما بهذا العمل قرب بلدة كيتي هوك، بولاية كارولينا الشمالية الأمريكية، واستأثر أورفيل بالطلعة الأولى، قطع خلالها مسافة 37م بطائرته المصنوعة من الأخشاب والأسلاك وقطع القماش، وبعد نجاح الأخويْن رايت، استمر المخترعون والطيارون في العمل المتواصل لتحسين تصميم الطائرة وفي كل عام تقريبًا، كانت تطير طائرات أكثر سرعة، ولمسافات أكثر بعدًا مقارنة بالطائرات التي سبقتها في العام المنصرم.
وفي ثلاثينيات القرن العشرين ظهرت الطائرات المصنعة من المعدن، وأحادية السطح (أي ذات الجناح الواحد) تحل محل الطائرات الخشبية، وثنائية السطح (أي ذات الجناحين) والمغطاة بقطع القماش وكان اختراع المحركات النفاثة في منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين مصدرًا لتزويد الطائرات بوحدات دفع ذات قدرات عالية.
وخلال الحرب العالمية الثانية (1939- 1945م) استمر تقدم العمل في تطوير الطائرات، حيث استخدم الجيل الأخير من المقاتلات المروحية، باكورة المقاتلات النفاثة، وكذلك القاذفات الثقيلة طويلة المدى.
وفي بداية الخمسينيات من القرن العشرين بدأت طائرات السفر الجوي في رحلات يومية لعبور المحيط الأطلسي دون توقف ومع نهاية الخمسينيات أصبحت طائرات الركاب النفاثة تؤدي دورًا مهمًا في تقريب جميع الدول مما جعل الانتقال فيما بينها ميسرًا، وبدا العالم أصغر كثيرًا مما كان قبل ذلك بقرن من الزمان، وتعد الطائرة لوكهيد (س ر-71 أ) التابعة للقوات الجوية الأمريكية من أسرع الطائرات النفاثة فهي تستطيع الطيران بسرعات تتعدى 3,200كم/ ساعة.
وجلبت الطائرات معها تغيُّرات عديدة في أسلوب حياة الناس فملايين البشر يعتمدون على الطائرة لتحقق لهم انتقالاً مريحًا، أما رجال الأعمال فيتوقعون خدمات بريدية سريعة، كما تقوم العديد من المصانع بتصدير منتجاتها عن طريق النقل الجوي وتقدم الطائرة خدماتها للبشرية بطرق أخرى عديدة سواء في السلم أو الحرب.
إسلام نبيل